شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
إعادة تسييق الاقتحام الإسرائيلي: رام الله المحتلّة أصلاً

إعادة تسييق الاقتحام الإسرائيلي: رام الله المحتلّة أصلاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 14 ديسمبر 201802:14 م

من الضروري بمكان، صحفياً، وعند تناول وقائع جارية على الأرض، رسم إطار زمنيّ ومكانيّ لتسلسل الوقائع على الأرض. إلّا أنّ تلك الضرورة تخلقُ إشكاليّات عديدة عند تناول ما يجري مؤخّراً في الضفّة الغربيّة ومدينة رام الله تحديداً؛ هل عملية "بركان" التي نفّذها الشهيد المطارد نعالوة قبل نحو شهرين من الآن هي نقطة البداية في تدهور الأوضاع الأمنية؟ أم عملية "عوفرا" التي نفّذتها مجموعة شبّان فلسطينيين عندما أطلقوا النار نحو مستوطنين كانوا موجودين قرب المستوطنة المقامة على أراضي بلدتيّ سلواد وعين يبرود؟ أم اغتيال الشهيد صالح عمر البرغوثي، أحد منفّذي عملية "عوفرا" بالإضافة إلى الشهيد أشرف نعالوة منفّذ عمليّة "بركان" في الليلة نفسها ممّا دفع بالشهيد مجد مطير إلى تنفيذ عمليّة طعن في البلدة القديمة في القدس المحتلّة وتمّ إعدامه على إثرها ميدانيّاً، ومن ثمّ تنفيذ مجموعة فلسطينية مسلحة أخرى لعملية في ظهر اليوم التالي لاستشهاد الشهداء قرب مستوطنة بيت إيل في رام الله والتي قتل على إثرها جنديين إسرائيلييْن بالإضافة إلى إصابة جندي ثالث؟

إنّ وضع إطار زمكانيّ لهذه الأحداث التي تلتها اقتحاماتٌ يوميّة للجيش الإسرائيليّ أسفرت بالبداية عن الوصول إلى الشهيد صالح عمر البرغوثي من بلدة كوبر واغتياله، إضافة إلى اغتيال الشهيد أشرف نعالوة، ومن ثمّ الاقتحامات الجارية الآن في مدينة رام الله والحصار المفروض على المدينة؛ وضع إطار زمكانيّ لهذه الأحداث ينزَعها من السياق التاريخي الذي فيه يمكن فهم عمليّات المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل أوضح.

يخدم الإطار الزمكانيّ جيش الاحتلال ودولته؛ من جهة يضع اللوم على الضحيّة التاريخية ومن جهة أخرى يبرِّرُ البطش الصهيونيّ في الأراضي المحتلّة. ما هو ثابتٌ مشتركٌ بين كلّ الأسئلة التي تمّ طرحها في البداية هو وجود مفردة "مستوطنة"، التي تعني أراضي مصادرة، وقُطعاناً من المستوطنين يسومون أهل البلاد الأصليين سوء العذاب، وحواجز عسكرية لحماية المستوطنات والمستوطنين وحراستهم بينما ينفّذون عملياتهم الإجراميّة اليومية بحق الفلسطينيين من تحطيم السيارات، حرق البيوت، حرق المحاصيل الزراعية... إلخ .

ذلك يعني أنّ وضع إطار زمكانيّ سيغفلُ بالضرورة إشكاليّة جوهرية من اثنتين؛ سياسة الاستيطان الصهيونيّة في الضفة الغربية التي تخنق الوجود الفلسطينيّ إلى درجة قهره ومحوه، والثانية، الدولة الإسرائيليّة نفسها بما تمثّله من مشروع استعماري صهيوني وما تمارسه من قمع، قتل، تهجير وهدم منازل بشكل دائم بحقّ الفلسطينيين في الداخل المحتلّ في أراضي عام 48 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة.

تلك جذور عمليّات المقاومة الأخيرة في رام الله، وذلك لا يعني إغفال أسبابها الظرفيّة التي لها سياقاتها الشخصيّة والاجتماعيّة وغيرها. إلّا أنّ تلك الجذور تسلّط الضوء على ما هو أكثر أهميّة من مشهد اقتحام الجيش الإسرائيليّ لمدينة رام الله في محاولة للوصول إلى منفّذي عمليّة رام الله الأخيرة، وهو هجمات المستوطنين الواسعة النطاق منذ الساعات الأولى لتنفيذ العملية.

يخدم الإطار الزمكانيّ جيش الاحتلال ودولته؛ من جهة يضع اللوم على الضحيّة التاريخية ومن جهة أخرى يبرِّرُ البطش الصهيونيّ في الأراضي المحتلّة. ما هو ثابتٌ مشتركٌ بين كلّ الأسئلة التي تمّ طرحها في البداية هو وجود مفردة "مستوطنة"، التي تعني أراضي مصادرة.
رغم المشهد الذي تظهر فيه المقاومة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة حاضرة ومتيقّظة، فإنّ الجبهة الداخليّة الفلسطينية وما عكسته في الأيّام الماضية يظهِرُ جانباً آخر من الصورة الكلّية؛ وهو الهشاشة المطلقة لهذه الجبهة في مواجهة خطر المستوطنين.
في رام الله، يعيش رئيس فلسطيني لا يملك من أمره هو أو مؤسساته شيئاً لا من السيادة ولا من السياسة أو الأمن. تقتحم المدينة ويفرض حصارٌ عليها بتنسيق أمنيّ.

رغم المشهد الذي تظهر فيه المقاومة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة حاضرة ومتيقّظة، فإنّ الجبهة الداخليّة الفلسطينية وما عكسته في الأيّام الماضية يظهِرُ جانباً آخر من الصورة الكلّية؛ وهو الهشاشة المطلقة لهذه الجبهة في مواجهة خطر المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربيّة. فالاستيطان في الضفة الغربيّة ليس مجرّد سياسات اعتباطيّة صهيونيّة؛ بل هو نتاج سياسات إلغائيّة صهيونيّة تهدفُ إلى الإحلال الكامل والشامل النهائيّ فيما يسمّى إسرائيلياً بـ"يهودا والسامرة"، أي الضفة الغربيّة. تلك السياسات تبلورت مع الوجود الصهيوني الاستيطاني الأوّل في فلسطين، أي منذ ما يزيد عن المئة عام، ولكنّها أصبحت جزءاً من سياسات الحكومات الإسرائيليّة المتتالية بعد عام 1967 عندما احتلّت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة واشتدّت مطالبات اليمين الصهيوني الديني والقومي بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وضمّها بشكل نهائي وفرض السيادة الإسرائيليّة عليها.

لا يؤمن اليمين الصهيوني المتطرّف الذي يمثّل إلى حدٍّ كبير توجّهات المستوطنين في الضفة الغربية إلّا بشعار "الموت للعرب" أو في أحسن الأحوال رحيلهم عن "يهودا والسامرة". أمس ترجم هذا الشعار مرّات عديدة؛ تجنّب الجيش الإسرائيليّ الذي يخضَعُ لهيمنة الخطاب الصهيوني اليميني المتطرّف، تجنّب اعتقال كلّ من صالح عمر البرغوثيّ وكذلك أشرف نعالوة عندما كان قادراً على فعل ذلك وفضّل عمليّات إعدام ميدانيّة سريعة. وبحراسة من جنود الجيش الإسرائيليّ، نفّذ المستوطنون عمليّات واسعة شملت مدن الضفّة الغربيّة كلّها واستهدفت المركبات الفلسطينية والمشاة وبيوت الفلسطينيين القريبة من المستوطنات تحت حماية من الجيش الإسرائيلي والتي أسفرت حتّى اللحظة عما يزيد عن 70 إصابة في مناطق متفرّقة من الضفة الغربية. والآن يطوّق الجيش الإسرائيلي مدينة رام الله من كلّ الجهات، يدخل المنازل، يحطّم كلّ ما يمكن تحطيمه ويمارس أعتى أنواع القمع والعنف بحقّ الفلسطينيين أينما وجدهم، في محاولة للوصول إلى منفّذي عمليّة رام الله وإعدامهم ميدانياً هم أيضاً، حتّى تُشفى صدور المستوطنين ويهدأ غلّهم إلى حين.

هذا واقع حال المدينة الفلسطينيّة بعد سنوات أوسلو العجاف التي عملت فيها السلطة الفلسطينيّة عبر سياساتها الأمنيّة والاقتصاديّة على تصفية المقاومة الفلسطينيّة وتجريد الضفّة من مقوّمات نجاتها في مواجهة الخطر الوجودي المحدّق بالفلسطينيين في الضفّة الغربيّة مدنها وقراها والمتمثّل في ما يقارب المليون مستوطن صهيوني يحملُ أيديولوجيّة الإلغاء و"الموت للعرب".

رام الله مدينة الوهم ومدينة تعيش أطراً زمكانية متوازية ومتناقضة، والحالة الفلسطينيّة عموماً في الضفة الغربية الآن تعبّر عن تلك الأطر الزمكانيّة المتداخلة. في المدينة نفسها، يعيش رئيس فلسطيني لا يملك من أمره هو أو مؤسساته شيئاً لا من السيادة ولا من السياسة أو الأمن. تقتحم المدينة ويفرض حصارٌ عليها بتنسيق أمنيّ بموجبه تختفي قوّات الأمن الفلسطينيّة من المدينة تماماً لتحلّ محلّها قوات جيش الاحتلال؛ هكذا، احتلال سَلِسٌ سريع دون أيّ تعقيدات. في المدينة نفسها منفّذو عمليّات المقاومة ومن يُؤويهم، وفي المدينة نفسها العملاء الذين يعملون جنباً إلى جنب مع جيش الاحتلال للوصول إليهم. في المدينة نفسها شوارع تضجُّ بالتجارة والربح وكاميرات المراقبة التي ساعدت جيش الاحتلال في الوصول إلى المقاومين من قبل وتصفيتهم. وفي الضفّة عموماً ملايين الفلسطينيين الذين لن يملكوا من أمرهم شيئاً عندما يُقرِرُ معتوهٌ متطرّفٌ ما أنّ وقت تهجيرهم قد آن وهم لا يملكون أيّ شيء يدافعون به عن وجودهم في ظلّ هذا كلّه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image