شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
التبادل السكاني بين الفلسطينيين ويهود العراق، فكرة أوروبية استعمارية

التبادل السكاني بين الفلسطينيين ويهود العراق، فكرة أوروبية استعمارية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 10 ديسمبر 201804:27 م
تنصّ فكرة التبادل السكاني (people exchange) على نقل مجموعات سكانيّة كاملة – باستعمال القوّة أو بطريقة طوعية – عن طريق عقد اتفاقيات بين دول أو القيام بتهجير مزدوج بدون اتفاقيات، من دولة أو مكان ما إلى دولة أو مكان آخرين. غالبًا ما يتم تنفيذ هذه الفكرة لأسباب سياسية، إثنية، أو دينية. تم عرض فكرة التبادل السكاني كأحد حلول الحرب العالمية الأولى لمشاكل اللجوء والأقليات، ليتم تطبيقها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في اتفاقية بين اليونان وتركيا. في اتفاقيات "لوزان" عام 1923، اتفقت الدولتان الحديثتا العهد، على نقل السكان الأتراك المسيحيين لليونان، ونقل سكان اليونان المسلمين لتركيا.

المناخ السياسي الذي أنشأ هذه الفكرة

في عام 1919، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، عقدت دول أوروبا "المنتصرة" في الحرب اتفاقيات سلام في باريس. احتوت هذه الاتفاقيات على مبدأ سياسي جديد وهو "الحق بتقرير المصير". نتيجة لهذا الحق، تم تقسيم أوروبا لدول صغيرة، تأسست وفق أسس إثنية. اعتقدت دول أوروبا العظمى أن هذه الفكرة سوف تمنع وقوع حروب مستقبلية في القارة. ولكن، صعوبة التخلص من الفكرة السياسية السابقة وهي "السابق غالب" جعلت من مهمة تقسيم القارة، ورسم الخرائط الجديدة، مهمة مستحيلة. في هذه الظروف، وكدمج بين "السابق غالب" و"حق تقرير المصير" ظهر حل سياسي جديد وهو حل حقوق الأقليات. بهذا، تم افتتاح أبواب سياسية جديدة لإيجاد حلول مختلفة ومتعددة لمجموعات/أقليات إثنية، وعمليًّا، هذه هي الظروف التي أنتجت اتفاقية التبادل السكاني بين تركيا واليونان في 1923.

محاولة تطبيق الحل في فلسطين والدول العربية

بعد التبادل السكاني بين تركيا واليونان في عام 1923، تلّقت الفكرة العديد من الإطراء في أوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين، وأحد المعجبين بهذه العملية كان الانتداب البريطاني في فلسطين، ليقوم بتبني الفكرة في توصيات لجنة "بيل" لتقسيم فلسطين. نصّت خطة تقسيم فلسطين على تقسيم الأراضي بين دولة يهودية ودولة عربية، ويرافق هذا التقسيم نقل السكان العرب من المناطق اليهودية للدولة العربية، ونقل السكان اليهود من المناطق العربية للدولة اليهودية. الفكرة وراء هذا التقسيم هي خلق تجانس يهودي في الدولة اليهودية في فلسطين، وتجانس عربي في الدولة العربية (بشكل مشابه لخلق تجانس إسلامي في تركيا أتاتورك الحديثة، وتجانس مسيحي في اليونان الحديثة). منذ ثلاثينات القرن الماضي، تبنّت شخصيات قيادية عدة في الحركة الصهيونية أفكار التبادل السكاني والترانسفير (منهم دافيد بن جوريون وزيئيف جابوتينسكي). قامت هذه الشخصيات باستعمال مصطلح "الترانسفير" عند الحديث عن الفلسطينيين، واستعمال مصطلح "التبادل السكاني" بخصوص اليهود العرب. في هذا السياق، كانت هنالك محاولة لإقناع العرب والبريطانيين بنقل الفلسطينيين من فلسطين للعراق، ونقل يهود العراق العرب من العراق لفلسطين. تم رفض هذه الفكرة من قبل الفلسطينيين، واليهود العراقيين، والعرب، وفي مرحلة معيّنة، رفضها البريطانيون أيضًا. قامت بريطانيا في عام 1949 بعرض فكرة التبادل السكاني لرئيس وزراء العراق وقتذاك، نوري السعيد. اقترحت بريطانيا، بسبب حاجتها لاستعادة نفوذها الآخذ بالتناقص في الشرق الأوسط، إمكانية توطين 100 ألف لاجئ فلسطيني في العراق، وتوطين عدد مشابه من يهود العراق في فلسطين. رفض نوري السعيد هذه الفكرة وأثنى على الرفض لوحشية الحركة الصهيونية في تعاملها مع الفلسطينيين. أيضًا، شمل العرض تبادل ممتلكات – تقوم إسرائيل بتعويض اليهود العراقيين، ويحصل الفلسطينيون على الممتلكات اليهودية المتبقية في العراق. وفق وزارة الخارجية البريطانية، أعجبت الحكومة الإسرائيلية آنذاك بالفكرة، وتوقعت إعجاب الحكومة العراقية باستبدال الممتلكات بسبب عدم تحمّلها عبء التعويضات. هذا لم يكن كافيًا، ورفض نوري السعيد الفكرة، ولكن بسبب ضغوط بريطانية عليه، قام بتقديم عرض خاص به، ينصّ على إعادة توطين نصف اللاجئين الفلسطينيين في أراضيهم، والنصف الآخر في البلدان العربية، وبالمقابل، يسمح العراق بهجرة طوعيّة لليهود العرب. ما وقف وراء اقتراح نوري السعيد هو فكرة الإبقاء على الوجود العربي في فلسطين. رفض الفلسطينيون هذا الاقتراح، كما رفضته جميع الشعوب العربية. بلغ التصعيد ذروته عند سن قانون في العراق أسقط الجنسية العراقية عن اليهود الذين يخرجون من الدولة العراقية. استغلت الحركة الصهيونية هذا الحدث لتنقل تركيزها ليهود العراق، وتصعّد دعايتها اتجاههم بهدف نقلهم لإسرائيل. هذا أدى لهجرة جميع يهود العراق تقريباً ووصولهم لإسرائيل، في الأعوام 1950-1951. بعد هذه الهجرة، تم تأميم الممتلكات اليهودية وسيطرت الدولة العراقية عليها. بالرغم من كون هجرة يهود العراق طوعيّة، وليست من خلال اتفاقيات، وبالرغم من عدم توطين الفلسطينيين في العراق، تدّعي الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، منذ سبعينات القرن الماضي، بأن الهجرة مزدوجة ومتساوية بين اليهود العرب والفلسطينيين، بل حتى أنها تطالب الدول العربية بدفع تعويضات لليهود العرب.
كانت هنالك محاولة لإقناع العرب والبريطانيين بنقل الفلسطينيين من فلسطين للعراق، ونقل يهود العراق العرب من العراق لفلسطين. تم رفض هذه الفكرة من قبل الفلسطينيين، واليهود العراقيين، والعرب، وفي مرحلة معيّنة، رفضها البريطانيون أيضًا.
بلغ التصعيد ذروته عند سن قانون في العراق أسقط الجنسية العراقية عن اليهود الذين يخرجون من الدولة العراقية. استغلت الحركة الصهيونية هذا الحدث لتنقل تركيزها ليهود العراق، وتصعّد دعايتها اتجاههم بهدف نقلهم لإسرائيل.
بالرغم من كون هجرة يهود العراق طوعيّة، وليست من خلال اتفاقيات، وبالرغم من عدم توطين الفلسطينيين في العراق، تدّعي الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، منذ سبعينات القرن الماضي، بأن الهجرة مزدوجة ومتساوية بين اليهود العرب والفلسطينيين، بل حتى أنها تطالب الدول العربية بدفع تعويضات لليهود العرب.
يدعي ادعاء مساواة النكبة الفلسطينية مع هجرة اليهود العرب أن الهجرة متساوية، طوعيّة، ومتبادلة. لكن، هنالك عناصر عدّة لا تنظر لها الأحزاب اليمينية في إسرائيل، وهي أن اليهود العرب قاموا بهجرتهم لإسرائيل طوعيًّا، في ظل الدعاية الصهيونية، ولم يتم تهجيرهم.

الاستعمار الصهيوني الأوروبي في فلسطين

يدعي ادعاء مساواة النكبة الفلسطينية مع هجرة اليهود العرب أن الهجرة متساوية، طوعيّة، ومتبادلة. لكن، هنالك عناصر عدّة لا تنظر لها الأحزاب اليمينية في إسرائيل، وهي أن اليهود العرب قاموا بهجرتهم لإسرائيل طوعيًّا، في ظل الدعاية الصهيونية، ولم يتم تهجيرهم. بينما تعرّض الفلسطينيون للقتل والتهجير الاجباري، عن طريق سرقة أراضيهم واجبارهم على الهجرة، ومنعهم من العودة لأراضيهم. لهذا، ادعاء المساواة بين الهجرتين ليس حقيقيًا، ولا يمكن أن يكون متساويًا. تظهر ادعاءات التبادل السكاني في السياسة الإسرائيلية حتى الآن، من قبل الأحزاب اليمينية، بالأخص حزب إسرائيل بيتنا وقائده افيغدور ليبرمان. تهدف هذه الادعاءات اليوم لـ"مسح" جرائم إسرائيل بحق اللاجئين الفلسطينيين لتزيح عنها مسؤولية تهجير ملايين الفلسطينيين في نكبة 1948 ونكسة 1967، وهذا لإفراغ حق العودة الفلسطيني. تم رفض هذا الادعاء من قبل العرب عامة، والفلسطينيين خاصة. إن محبّة الأحزاب اليمينية الإسرائيلية لهذه الفكرة هو نتيجة مباشرة لحركة تقسيم الدول الإثنية في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، ونتيجة مباشرة للأفكار الصهيونية – "يجب إقامة دولة يهودية إثنية في فلسطين، أرض الميعاد، بالرغم من الاختلافات الثقافية بين المجموعات اليهودية". نرى أن إجراءات "بناء الأمة" تحبذ فكرة التبادل السكاني، في الحالتين التركيّة والإسرائيلية، والتي أصرت على أن الانتماء الإثني هو الجزء المركزي في بناء الأمة. إن أفكار التبادل السكاني هي أفكار أوروبية استعمارية، والتي منحت في ذلك الوقت، حق تقرير المصير للإمبراطوريات القديمة، في حين أصرّت على أن الأقليات الأقل شأنًا وعددًا عليهم الاكتفاء بـ"حقوق الأقليات" كحصتهم من الكعكة. الادعاءات الصهيونية هي استمرارية وجزء من هذه الادعاءات التي ترفض رؤية الفلسطينيين كمجموعة واحدة ذات تطلعات قومية مشتركة.

*كتب هذا المقال بارشاد من د. ايتمار مان في اطار عملي معه كمساعد بحث في جامعة حيفا.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image