شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لماذا تهتمّ الحكومة بأعضائنا الجنسيّة؟

لماذا تهتمّ الحكومة بأعضائنا الجنسيّة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 27 نوفمبر 201812:52 م

أن يحرص أحد رجال الدين على متابعة خط سير أعضاء أحدهم الجنسية ربما يكون أمرًا مفهومًا من ناحية الحث على عدم ممارسة الرذيلة -من وجهة نظر دين ما- والحفاظ على عذرية المرأة وطهارة الرجل باعتبارهما من أتباع هذا الدين المنوط برجاله دفعهم إلى الملكوت حيث الجنة، وكذلك الأمر بالنسبة للأهل الذين يسعون إلى حماية أبنائهم/بناتهم من الممارسات الجنسية ما قبل الزواج وفي غالب الأحيان لنفس سبب رجال الدين.

لكن على ما يبدو أن هناك من يهتم أكثر من رجال الدين والأهل بمصير أعضائنا الجنسية، فبينما قد يكتفي الأهل بالتوبيخ ورجال الدين بالترهيب، تجد الحكومة قد قررت أخذ الأمور إلى منحنى آخر وهو العقوبات التي تتراوح بين السجن والمنع من بعض الحقوق وعدم المساواة أحيانًا.

الطفولة

منذ ميلادنا، سارعت الحكومة لمراقبة أعضائنا الجنسية بتوفير متطلبات الختان للذكور والإناث في مستشفياتها الرسمية قديمًا، وبعد عدة عقود رأت أنها ربما أخطأت في دعم تلك الممارسات في حق الأطفال وقررت تجريمها أيضًا، حتى أن عقوبة الختان في بعض البلدان مثل مصر قد تصل إلى سجن الطبيب بين 3 و 5 سنوات.

المراهقة

بعد ذلك واصلت الحكومة تأملها لرغباتنا الجنسية من أجل كبتها غالبًا، حتى أن مشاهدة الأفلام الإباحية أصبح حدثًا جللًا يتم مناقشته في البرلمان في عدة بلدان، فقط تخيل أن أعضاء تم انتخابهم من الشعب لتسهيل أمور الحياة والنهوض بالبلاد بتشريعات وقوانين مُجدية، اقتطعوا من وقت جلساتهم ساعات لمناقشة مصير ذلك الشاب/تلك الفتاة الذي/التي يظهر أمامه/امامها مشهد إباحي في غرفة النوم، بعبارة أخرى الحكومة بذاتها ترفض أن يقوم أحدهم بالاستمناء.

ما بعد المراهقة

ما تحدثت عنه في المقال لم يتطرق بعد إلى اهتمام الحكومة البالغ بالطرف الآخر الذي يُريد أحدهم أن يقيم معه علاقة جنسية، فقد يهتز عرش الرئيس إذا ما اجتمع مثليان/مثليتان في غرفة نوم واحدة، وبالطبع لا حاجة إلى ذكر القوانين المُشددة في ذلك الصدد، فربما لاحظت كيف يسير الكشف الطبي بعد فترة المُراهقة وتحديدًا عند الالتحاق بقوات الجيش بعدة مراحل، أهمها على الإطلاق التأكد أن الشاب الذي يوشك على الانضمام لم يقِم علاقة جنسية مثلية من قبل، لا يهم شجاعتك أو أمانتك أو صدقك وغالبًا لا يهم حتى تكوينك الجسماني ولكن ما يهم ألا تكون قد مارست الجنس مع شاب آخر في أي وقت مضى، والعقوبة لا تتمثل في اعفائك من الالتحاق بالجيش -فذلك في معظم الأحيان لن يكون مصدر حزن للشاب ذاته- ولكن العقوبة الحقيقية هي أن تُعطى شهادة بالسبب الذي تم رفضك من أجله حتى لا تستطيع التقدم بها إلى أي وظيفة رسمية، على أن يأتي الأهل لتسلمك من مقر التجنيد مثلما يحدث في مصر.

النضوج

حتى ولو كنت رجلًا/امرأة مكتمل/مكتملة النضوج الجسدي والعقلي، فإذا ما قرر اثنان إقامة علاقة جنسية سوف يجدان الحكومة ثالثهما، والأمر قانوني تمامًا، فلو أردت قبلة في حديقة مثلًا سوف تواجهك عقوبة تُدعى فعل فاحش في طريق عام، وأكثر من القبلة تُصبح جريمة زنا مباشرة.

والسؤال هنا: ماذا تفعل الحكومة في غرف نومنا؟ مُجرد التفكير في مراقبتها لأعضائنا منذ الطفولة حتى النُضج قد يُثير الضحك من قدرة بعض الحكومات على تسفيه مهماتها.
الأمر مخيف للغاية، لك أن تتخيل رجال الدولة وقوات الشرطة ينتفضون ويهرعون بعدما سحبوا أسلحتهم من أجل مداهمة منزل ما، وذلك لأن رجلًا وامرأة قررا إقامة علاقة جنسية رأى البعض أنها قد تمثل خطرًا على البلاد!
يُمكنك أن تأكل ما يضرك وتشرب مياهًا غير نقية وتسعل من الهواء الفاسد ولكن لا تُزعجنا بآهات علاقة جنسية لم تقم أنت بدفع ضريبة عقد الزواج الخاص بها من فضلك.

 ماذا تفعل الحكومة في غرف نومنا؟

مُجرد التفكير في اهتمامها بقصة حياة أعضائنا الجنسية منذ الطفولة حتى النُضج قد يُثير الضحك من قدرة بعض الحكومات على تسفيه مهماتها، ولو كانت الحُجة (صحيًا) كمنع نقل الأمراض إلى طرف آخر، أي أنه لو قام أحدهم بعدة علاقات جنسية ثم تزوج مثلًا، فالحكومة هنا تقرر أن تُصبح المُراقب على صحة الطرف الآخر، فهذا هو الشيء الذي من المُفترض تفاديه بطُرق أكثر عملية مثلما تفعل معظم الدول عن طريق الكشف الطبي ما قبل الزواج، وهو الأمر المطلوب حتى ولو لم يكن هناك اشتباه في أي أمراض من الأساس، بل يجب أن يكون الشاغل الأهم لأطراف الزواج أنفسهم وليست الحكومة بالطبع.

ويكفي أن تُعدد مخاطر الوجبات السريعة وفيروسات مياه الشرب وتلوث الهواء في بلادنا لتعلم أن الصحة ليست هي ما يشغل الحكومة، فكل تلك الأمور لا تعتبرها السلطات جريمة ولكنها حرية شخصية بكل تأكيد، يُمكنك أن تأكل ما يضرك وتشرب مياهًا غير نقية وتسعل من الهواء الفاسد ولكن لا تُزعجنا بآهات علاقة جنسية لم تقم أنت بدفع ضريبة عقد الزواج الخاص بها من فضلك، مثلما أقرت مصر وتونس زيادتها قبل عامين تقريبًا.

من ناحية أخرى لا يُمكنك أن تقول إن ما تفعله الحكومة يحدث بوازع (ديني)، فالملاهي الليلية تحصل على رخصة مدفوعة الأجر وتخضع للضريبة من أجل مزاولة نشاطها من نفس الحكومة التي ترفض أن يقيم رجل وامرأة أو رجلان أو امرأتان علاقة جنسية وهما في سن النُضج، إذاً مرة أخرى تظهر الضريبة، فهل يُعقل أن الحكومة تمنع كل مظاهر التنفيس عن الكبت الجنسي من مشاهدة أفلام إباحية أو ممارسة الجنس دون زواج، وهذا يحدث فقط من أجل دفعنا إلى استبدال الأفلام الإباحية بالملاهي الليلية المُرخصة والبحث عن الزواج بدلًا من العلاقات العابرة أو المستقلة من أجل الحصول على مقابل مالي ما: الضرائب؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image