شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أختي المنقبّة، لستِ وحدَكِ المستهدفة في مصر

أختي المنقبّة، لستِ وحدَكِ المستهدفة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 9 نوفمبر 201802:44 م

تعالي لنبدأ من حيث أن الحرية بمفهومها العامّ يجب أن لا تكون عرضة للتجزئة، فالحظرُ الذي قد يقيدُ أحداً منّا يقيدنا جميعاً، كما أن الخطر الذي قد يهدد أحداً منّا يهددنا جميعاً.

ورغم أن البرلمانية المصرية التي تقدّمت بمشروع قانون لحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، قد تراجعت عن مشروعها، إلّا أن ذلك لا يلغي بالضرورة، حتمية النقاش والجدل الذي أثاره مشروع القانون.

ولما كان الجدل قد وصل بنا إلى أن نطالع في صحيفة مصرية شهيرة رساماً كاريكاتيرياً يصورُ النقاب كستار لأعمالٍ غير أخلاقية، وهو ما جلب استياءً واسعاً للجريدة للحدّ الذي دفعها لحذف الرسم.

استوقفني موقف الرسّام، الذي اعتبر أن النقاب ليس من الحريات الشخصية وأنه جرى استعمالهُ في جرائمَ متعددة، وذكر أنه من حقنا أن نتعرّف على من يعاملنا في الأماكن العامّة، ولم يكن الرسام وحده هو المُعبر عن الموقف ذاته، فقد سبقهُ روائيٌّ مصري شهير إلى تبني الموقف نفسه.

ولا أخفي عليك سراً إنني أميلُ كثيراً إلى هذا الموقف، فإذا كنّا قد وصلنا إلى القرن الحادي والعشرين فمن البديهي أن نتعرّف على هوية الذي نُعامله، خاصةً إذا كان عاملاً في مؤسسة خدمية، أو يتعرض لنا في الأماكن العامة.

ولدينا في السيرة النبوية، قصةٌ شهيرة يعتمد عليها السلفيون المتشددون ممن يعتبرون أنّ النقابَ فريضة، ولا أناقشُ هنا أي أمور فقهية تتعلق بوجوب النقاب من عدمه على المرأة المسلمة، فذاك شأنٌ آخر.

لكنّ في تقديري التساؤل الأهم، لماذا استوقف الرسولَ رجلانِ مرَّ بجواره ليلاً وكان بصحبتِه امرأة؟ فقال لهما "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ". لماذا عرّفها الرسول باسمها واسم أبيها؟

لا أقلل أو أستهين بمخاوفك أياً تكن، لكنني أذكركِ بأننا جميعنا مستهدفون في حريتنا عقيدةً وتعبيراً.

ما يهمني في هذا الموضوع هو اختيارُ الرسول صلوات الله وسلام عليه، أنهُ عرفها باسمها واسم أبيها، ولم يكتفِ مثلاً بأن يقول إنها زوجتي. من هذا المنطلق، أرى أنهُ يجبُ علينا احترام الطرح الذي يفضي بضرورة معرفة من نعامل في الأماكن والمؤسساتِ العامة.

المؤسف أن حالة الجدل حول حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، أخذ منحى الانقسام ما بين متعاطفٍ يرى في القانون اعتداءً على الحرية، وما بين متشددٍ يرى أنّ النقابَ مظهر من مظاهر التطرف أو اعتبره ستاراً لجرائمَ تُرتكب في المجتمع.

ونذكر المتشدد بأن الجرائم التي تقع بفعل أن مرتكبها قد استعمل النقاب، فالمجرم نفسُه قد يرتدي زياً عسكرياً للنصب والاحتيال، أو يرتدي زياً لعمالِ النظافة ليتسول في الشوارع، لذا أعتقد أنه ربما تكون حجة حظر النقاب لانه قد يستعمل ستاراً لجرائم، ليست بالقوية، بل هو منطقٌ مختل خلا من التدقيق ووضوح الرؤية.

أما المُتعاطف فهو يأخذُنا إلى معسكر المنتقباتِ نفسه، الذي يواجه الحظر بمظلومية الاضطهادِ أو إنها الحرب على الإسلام، ولسانُ حالهِ يقول لم نمنعكم من التعري فلماذا تمنعوننا من حقنا في أن نختار ارتداءَ ما نشاء؟

وأعتقد اعتقاداً يرقى للإيمان أنها ليست حرباً على الإسلام، فحتى اللحظة لم تُقدم أي دولة أوروبية على حظر النقاب باعتباره "حجاباً دينياً" لكنّ 11 دولة أوروبية حظرت النقاب بشكل جزئي في المباني الحكومية ووسائل النقل العام والمدارس والمستشفيات، وجاء القرار طبقاً لديباجة قانونية فضفاضة يُمنع بموجبها الرجال والنساء على السواء من ارتداء أي قطعة ملابس تغطي الوجه.

وكانت أوروبا تتفادى بالصيغة القانونية لحظر النقاب أي اتهاماتٍ بالتمييز الديني، لكنها لم تسلم من اتهاماتٍ كهذه بطبيعة الحال.

فلا يفوتُ القطاع السلفي فرصةً كهذا للترويج بأنها حربٌ على الإسلام، أو هو اضطهادٌ واضح لما يعتقدونه بفرضية النقاب، ولفتني أن أحد أقطاب السلفية في مصر اعتبر أن مشروع القانون اعتداء على الحرية الشخصية، وفي معرض حديثه عن الحريات الشخصية أخذ يطالب بمنع التعري على الشواطئ، ومنع الملابس الفاضحة، بل واصل في مطالباته بالمنع إلى حد منع مراكز التجميل لإنها تغيّر ملامح الوجه! المحزن أنه بدأ حديثه عن الحريات الشخصية، لكنهُ لم يتردد لحظة في مطالبة علنية بالمنع والقمع، بل وصف الجانب الآخر بدونية الأخلاق واستسهال الرذيلة!

الأمر لم يتوقف عند أقطاب السلفية وحسب، بل حذا الحذو نفسه دعاة دائماً ما يوصفون بالاعتدال والتوسط.

فالكارثة تكمن في الطرح الرسمي، قبل أن تكون كامنةٌ في العقل الجمعي، لدى مجتمعٍ تشقهُ عصا الاستبداد، وتستبيحهُ أفكار العنف ونبذ الآخر.

فالطرحُ الرسمي دائماً ما ينتج عنه انقسام حاد في الآراء، خاصةً فيما يدور في فلك حرية المعتقد والحريات الشخصية، ذلك لأنه يضع الأفكار في مواجهة القانون فيجري استقبالهُ باعتباره فلسفة عدائية، والثابتُ أن الفكرة لا تواجه إلا بالفكر، حتى تقطع الطريق على داعية أخذ يردد من منبره التلفزيوني"ارفعوا أيديكم عن الفضيلة" ثم كررها ثلاث مرات، معتبراً أن القانون يشوه سُمعة مصر!

لكنّ في تقديري التساؤل الأهم، لماذا استوقف الرسولَ رجلانِ مرَّ بجواره ليلاً وكان بصحبتِه امرأة؟ فقال لهما "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ". لماذا عرّفها الرسول باسمها واسم أبيها؟
المؤسف أن حالة الجدل حول حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، أخذ منحى الانقسام ما بين متعاطفٍ يرى في القانون اعتداءً على الحرية، وما بين متشددٍ يرى أنّ النقابَ مظهر من مظاهر التطرف أو اعتبره ستاراً لجرائمَ تُرتكب في المجتمع.
أما المُتعاطف فهو يأخذُنا إلى معسكر المنتقباتِ نفسه، الذي يواجه الحظر بمظلومية الاضطهادِ أو إنها الحرب على الإسلام، ولسانُ حالهِ يقول لم نمنعكم من التعري فلماذا تمنعوننا من حقنا في أن نختار ارتداءَ ما نشاء؟
وأعتقد اعتقاداً يرقى للإيمان أنها ليست حرباً على الإسلام، فحتى اللحظة لم تُقدم أي دولة أوروبية على حظر النقاب باعتباره "حجاباً دينياً"
فالكارثة تكمن في الطرح الرسمي، قبل أن تكون كامنةٌ في العقل الجمعي، لدى مجتمعٍ تشقهُ عصا الاستبداد، وتستبيحهُ أفكار العنف ونبذ الآخر.

ندرك بما لا يدعُ مجالاً للشك أن الدوائر الرسمية في مصر ليست مهتمة حقاً بتطوير الخطاب الديني، ولا بما يتعلق بالحريات الشخصية، فطبيعي أن تكون الأطروحات الرسمية دائماً عُرضة لانقسامات حادة وسط استقطاب عنيف من وسائل الإعلام.

أخيراً، أختي المنتقبة أنتِ لستِ وحدك المُستهدفة، فإذا كان يؤلمك كل هذا الهراء حول حظر النقاب، فربما لو نظرنا إلى أحوالنا بشكلٍ أوسع سنجد أن القتل خارج إطار القانون أشدّ إيلاماً، وأنّ المسيحيين في بلادنا لا يمرُّ عليهم خريفُ حتى يفارقوا عدداً من أحبائهم إثر حزامٍ ناسف في كنيسة، أو قتلة تربصوا لأطفال بينما كانت حافلةً تُقلهم إلى دير الأنبا صموئيل في المنيا، ربما لو دققنا أكثر في طبيعة ما يتعرض له بعض أبناء الوطن سنجد أنه لا أبشع من أن يصيبك حُكم قضائي بالحبس ظُلماً، بذريعة بلبلة الرأي العام، ربما نرى أيضاً أن من يعيشون في القبور في أنحاءٍ مختلفة داخل أسوار الوطن يعانونَ قسوةً أشدّ مِن قسوة إحساسك بأنك مستهدفه في عقيدتك، ولا أقلل أو أستهين بمخاوفك أياً تكن، لكنني أذكركِ بأننا جميعنا مستهدفون في حريتنا عقيدةً وتعبيراً.

 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image