بثت مواقع صحفية لبنانية وفرنسية وفلسطينية الوثائقي الموقوف بثَه على شبكة "الجزيرة" القطرية، نتيجة تطرقه إلى نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية.
واتفقت كل من صحيفة "الأخبار" اللبنانية ومجلة "أوريان 21" الفرنسية وموقع "إلكترونيك انتفاضة" الفلسطيني على نشر الوثائقي في التوقيت ذاته، بأجزائه الأربعة، وانطلق البث والنشر منذ أيام، بعد الحصول عليه من "جهات صديقة"، بحسب "الأخبار".
وكان وقف عرض الوثائقي "إلى أجل غير مسمى" جدلًا واسعًا في الآونة الأخيرة، بعد أن كان من المقرر عرضه في مطلع 2018، إذ كان "من المتوقع أن نعيش حدثًا إعلاميًا خطيرًا، وإنكارًا ساخطًا، وسجالاً عنيفًا، إلا أن شيئًا من ذلك كله لم يحدث"، وفقًا للصحافي الفرنسي ألان جريش، رئيس تحرير "لوموند ديبلوماتيك"، ومدير مجلة "أوريان 21".
ويرى جريش أنه "تمت التضحية بالتحقيق في المعركة الطاحنة الدائرة بين قطر والسعودية والإمارات، من أجل كسب ود واشنطن في النزاع الدائر بين الفريقين. وأي سبيل أفضل لبلوغ الهدف المنشود من خطب ودّ اللوبي الإسرائيلي الجبار المعروف بتأثيره على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، مقابل تجميد التحقيق، مما يدل على الإحراج الذي يحمله الفيلم الوثائقي بما تضمنه من اعترافات".
كيف اخترقت "الجزيرة" اللوبي الإسرائيلي؟
في مقال مطول له على موقع "مونتي كارلو"، قال جريش إن دفن هذا العمل الذي دام أكثر من سنة كاملة أدى إلى تململ داخل قناة الجزيرة وولّد الرغبة لدى البعض بعدم ترك هذه الحقائق تضيع في الرمال المتحركة للتسويات الجيوسياسية.
وهو ما أكده كلايتون سويشر، مدير القسم المختص بالتحري والاستقصاء في القناة، في مقال أعرب فيه عن أسفه لتجميد الشريط، تلاه إعلان الجزيرة أن سويشر سيكون في إجازة لمدة طويلة من عمله. وكشف جريش أن الجزيرة نجحت في دس الشاب البريطاني اليهودي طوني كلاينفيلد داخل كيانات اللوبي الإسرائيلي بأمريكا، حيث جذبها لباقة وقدرات خريج جامعة أوكسفورد، والمتمرس بشؤون النزاعات في الشرق الأوسط.يبيَن التحقيق الممنوع من البث كيف يتم التأثير على الكونجرس الأمريكي: "أعضاء الكونجرس لا يفعلون أي شيء إن لم يتم الضغط عليهم، والسبيل الوحيد لذلك هو المال". وكيف تجري محاربة الناشطين من أجل فلسطين؟
يكشف الفيلم الوثائقي كيف يتم تمويل عطلات باهظة التكلفة لأعضاء الكونجرس الأمريكي في إسرائيل وبالتحايل على القانون الأمريكي وكذلك كيف يجري الضغط على وسائل الإعلام ووكالات الأنباء حتى تغيّر بياناتها الصحفية أو مقالاتهاتم توظيف الشاب في "المشروع الإسرائيلي"، وهو رابطة تُعنى بتلميع صورة إسرائيل في وسائل الإعلام، وفيها استُقبل بترحاب شديد، لما لديه من مؤهلات، واختلط طوال 5 أشهر بنخبة من المسؤولين من جميع الرابطات المنضوية تحت لواء الدفاع المطلق عن إسرائيل، ومنها اللوبي الإسرائيلي الجبار في الولايات المتحدة الأمريكية (الأيباك). وفي نهاية فترة تدريب طوني في "المشروع الإسرائيلي" كان رئيسه إيريك جالاجير مسرورًا للغاية من عمله لدرجة أنه عرض عليه وظيفة دائمة. "أمنيتي أن تأتي للعمل معي. فأنا أبحث عن شخص لديه روح العمل الجماعي، نشيط في عمله، شغوف بمهمته، محب للمعرفة، جيد التكوين، لبق الحديث، كثير المطالعة. وأنت تجمع بين كل هذه الصفات". بينما رفض طوني عرضه، كونه "مُنْدسًا" من قِبل قناة الجزيرة، بهدف إعداد فيلم وثائقي عن اللوبي الإسرائيلي. وسجل الشاب عددًا من المحادثات بكاميرا خفية وجمع بالتعاون مع أعضاء آخرين من الفريق الذي يترأسه فيل ريس، داخل القسم المختص بالتحري والاستقصاء في القناة، "كل المكونات المطلوبة لإنتاج تحقيق باهر". واعتبر جريش أن "ما كان يزيد من الطابع المشوّق لهذا التحقيق ما سبقه من ريبورتاج بثته القناة عن اللوبي الإسرائيلي في المملكة المتحدة، كَشَف تمادي إسرائيل في التدخل بالشؤون الداخلية لبلد آخر بل محاولاتها إسقاط وزير بريطاني اعتبرته متعاطفاً مع الفلسطينيين، مما أدى وقتها الى اعتذار علني من السفير الإسرائيلي في لندن والى العودة السريعة لأحد الدبلوماسيين الرفيعي المستوى الى تل أبيب".
ماذا يحوي الوثائقي؟ ولماذا تخشى إسرائيل بثه؟
حضر طوني فعاليات عديدة ودورات تدريب لنشطاء روابط اللوبي الإسرائيلي، وارتبط بصداقات مع عدد منهم. وبفضل لباقته ودفء تعامله مع من حاورهم، نجح في كسب ثقتهم فتحدثوا معه بصدر مفتوح "ويمكن اعتبار ما أباحوا به من حقائق بمثابة المواد المتفجرة"، وفقًا لألان جريش. ويبيَن التحقيق الممنوع من البث كيف يتم التأثير على الكونجرس الأمريكي: "أعضاء الكونجرس لا يفعلون أي شيء إن لم يتم الضغط عليهم، والسبيل الوحيد لذلك هو المال". وكيف تجري محاربة الناشطين من أجل فلسطين؟ "أكثر الأساليب فعالية مع من يعادي إسرائيل هو التحري عن أحوالهم الشخصية وبث أخبارهم على موقع إنترنت مجهول الهوية، وبعد ذلك تناقل أخبارهم هذه على صفحات فيسبوك"، وإعداد قوائم سوداء بأسمائهم للضغط على أماكن عملهم للاستغناء عنهم. يقول جريش: "يتحدث هؤلاء الأشخاص بكل سذاجة مع طوني كونهم يعتقدون أنه صديق وفي، ويعترفون بأنهم يقومون بالتجسس على مواطنين أمريكيين بمساعدة وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، التي أنشئت عام 2006، ووضعت مباشرة تحت سلطة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. وتبوح إحدى المسؤولات فيها لطوني: "نحن حكومة تعمل على أرضٍ أجنبية، وعلينا أن نتحلى بأعلى درجات الحيطة والحذر". ويرى جريش أنه عليهم فعلاً الحذر لأن بعض أعمالهم تقع تحت طائلة القوانين الأمريكية. وفي جانب من الوثائقي، يطلب المليونير الإسرائيلي الأمريكي آدم ميلشتاين، المعروف بدعمه جماعات موالية لإسرائيل تستهدف النشطاء المعادين لإسرائيل في الجامعات الأمريكية، التحري عن هؤلاء النشطاء، ثم القيام بتشويه سمعتهم باعتبارهم معادين للديمقراطية والسامية. وحضر طوني أجواء الإعداد لتظاهرات طلابية "مؤيدة لإسرائيل"، وخلالها يصف أحد الطلاب ما يحدث بأنه احتجاجات ودعاية شعبية زائفة" لمحاولة الإيحاء بوجود تأييد كبير لدولة الاحتلال. "والمدهش في هذه الحلقات (أجزاء الوثائقي التي شاهدناها في رصيف22 حتى الآن) هي حالة التوتر السائدة في أوساط اللوبي منذ بضع سنوات، حالة الخوف الدفين من فقدان اللوبي نفوذه. كيف يمكن تفسير ذلك في حين كانت المساندة لإسرائيل مكثفة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حين نرى نواب كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري يؤيدون أي مغامرة يمكن أن تقوم بها إسرائيل. أَوَلَم يجعل انتخاب دونالد ترامب العاصمة الأمريكية تتخلى عن أي محاولة للعب دور الوسيط في النزاع الإسرائيلي العربي بل لا تتردد في الاصطفاف بكل بساطة إلى جانب الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل؟ لكن بالرغم من هذا المشهد الملائم في الظاهر، ثمة هاجس يطارد اللوبي وهو حملة مقاطعة إسرائيل التي تحمل شعار "BDS” وهي الأحرف الأولى باللغة الإنكليزية للكلمات الثلاث التالية: مقاطعة، سحب الاستثمارات، عقوبات". كما يكشف الفيلم الوثائقي أسرارًا أخرى كالطريقة التي يجري فيها الاضطلاع بكل معاملات ونفقات الصحفيين الأمريكيين في القدس من قبل منظمة "المشروع الإسرائيلي"، ومرافقتهم عن كثب في كل تحركاتهم بل وتزويدهم بالصور الجاهزة التي يكفي إرسالها إلى أمريكا، وكيف يتم تمويل عطلات باهظة التكلفة لأعضاء الكونجرس الأمريكي في إسرائيل وبالتحايل على القانون الأمريكي، وكذلك كيف يجري الضغط على وسائل الإعلام ووكالات الأنباء حتى تغيّر بياناتها الصحفية أو مقالاتها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.