دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس الجزائر إلى "حوار مباشر وصريح"، مُعربًا عن تطلعه لتجاوز الخلافات ورغبته في "تطبيع" العلاقات بين البلدين.
وعلى هامش خطابه في الذكرى 43 لـ"المسيرة الخضراء"، الثلاثاء، اقترح الملك إيجاد آلية سياسية مشتركة للحوار مع الجزائر من أجل "دراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات” على حد قوله.
ودعا إلى إعادة فتح الحدود البرية المُغلقة بين المغرب والجزائر، بقرار من الجزائر في العام 1994، بعد توجيه الرباط أصابع الاتهام إليها بالتورط في هجوم استهدف فندقاً في مراكش.
"الانشقاق غير طبيعي وغير مقبول"
في العام 1999، وصل الملك محمد السادس وعبدالعزيز بوتفليقة إلى الحكم في توقيت زمني متقارب، إلا أن الوافدين الجديدين إلى السلطة لم يتمكنا من كسر حدة الجفاء المتبادل الذي منع تدفق الوصل وتطبيع العلاقات بين البلدين. ولا تعد مبادرة ملك المغرب الأولى من نوعها، إذ سبقتها مبادرات أخرى، فعلى هامش مشاورات عُقدت في برلين في سبتمبر 2000 دعت الرباط الجزائر إلى حوار صريح بهدف الوصول إلى حل سياسي للقضايا العالقة بينهما. وفي خطابه الأخير، قال الملك إنه يمد يده للإخوة في الجزائر، مُعتبرًا أن "التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي (يشكلان) تناقضاً صارخاً وغير معقول يتعارض مع ما يجمع الشعوب من أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك". وأضاف أن بلاده "مُستعدة للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، لتجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين"، مؤكدًا أن لا حاجة إلى طرف ثالث للقيام بالتدخل أو الوساطة بين البلدين. وذكر العاهل المغربي بالتاريخ المشترك بين البلدين حين ساندت الرباط ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، مما ساهم في توطيد العلاقات بين العرش المغربي والمقاومة الجزائرية.حرب الرمال والفرص الضائعة
يحمل احتفال المغرب بذكرى "المسيرة الخضراء" دلالة رمزية قوية لتوقيت مبادرة ملك المغرب التي تترجم الرغبة بعودة العلاقات مع الجزائر. في 5 نوفمبر 1975، استجاب 350 ألف مغربي لدعوة الملك الحسن الثاني لخوض مسيرة شعبية للوصول إلى الصحراء الغربية (جنوب البلاد)، لإجبار إسبانيا على إنهاء احتلالها والانسحاب منها، والمطالبة بحق الرباط في اعتبارها امتدادًا لأراضيه الجنوبية.قال ملك المغرب إنه يمد يده للإخوة في الجزائر، مُعتبرًا أن "التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي (يشكلان) تناقضاً صارخاً وغير معقول يتعارض مع ما يجمع الشعوب من أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك"
كانت بداية النزاع بين المغرب والجزائر بما يعرف بـ"حرب الرمال"، وفي خلفية المشهد دعمت مصر وكوبا والاتحاد السوفياتي الجزائر في حين دعمت فرنسا والولايات المتحدة المغرب، وهذا ما جعلها ساحة جديدة لشكل آخر من الحرب الباردة غير المباشرة بين القوى العظمى.انسحبت إسبانيا رغبة في الحفاظ على ما بقي من مصالحها في المنطقة، بعد مفاوضات مع قادة جبهة البوليساريو التي خاضت مواجهات لإنهاء الاستعمار لسنوات، إلا أن طموحات الجبهة (المدعومة من الجزائر) في الاستقلال بالإقليم تصادمت مع رغبة المغرب في ممارسة السيادة عليه. وبموازاة ذلك، دارت رحى الحروب بالوكالة بين المغرب والجزائر بدعم من قوى عربية ودولية، نتيجة النزاع على مناطق حدودية استولى عليها الاستعمار الفرنسي من "المغرب الكبير"، حسب الرواية المغربية، بينما تراها الجزائر حقًا طبيعيًا. بالعودة إلى ستينيات القرن الماضي، كانت بداية النزاع ما يعرف بـ"حرب الرمال"، وفي خلفية المشهد دعمت مصر وكوبا والاتحاد السوفياتي الجزائر في حين دعمت فرنسا والولايات المتحدة المغرب، وهذا ما جعلها ساحة جديدة لشكل آخر من الحرب الباردة غير المباشرة بين القوى العظمى. بعد نحو عام من استقلال الجزائر (5 يوليو 1962)، زار الملك الحسن الثاني الجزائر في 13 مارس 1963، للمطالبة باستعادة الأراضي التي احتلها الاستعمار الفرنسي، لا سيما منطقة تندوف الغنية بالحديد، ومنطقة حاسي بيضا، حينذاك طالبه نظيره الجزائري أحمد بن بلة بتأجيل مناقشة القضية لحين استكمال بناء مؤسسات الدولة الجديدة. لكن بعد الزيارة تصاعدت الحرب الإعلامية بين البلدين، إذ رأت الجزائر أن المغرب لديه رغبات توسعية، بينما اعتبر المغرب ذلك تهديدًا لوحدته. لم يمض وقت قصير حتى اندلعت المواجهات بين جيشي البلدين في أكتوبر من نفس العام قبل توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في 20 فبراير 1964. وفي وقت تذهب تفسيرات إلى أن دعم الجزائر لجبهة البوليساريو كان لشغل المغرب عن المطالبة بأراضيه، خاض البلدان جولات من المعارك السياسية والدبلوماسية على نحو عرقل وجود وحدة مغاربية حقيقية. وتخللت ذلك مؤشرات إيجابية وفرص ضائعة للوئام وحل القضايا الشائكة، لا سيما في الفترات التي سبقت وفاة الرئيس الجزائري هواري بومدين (23 أغسطس 1978) والملك الحسن الثاني (23 يوليو 1999).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي