من المُنتظر أن يُلقي، مساء اليوم الثلاثاء، الملك المغربي محمد السادس خطاباً رسمياً في الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء. وتحلّ الذكرى هذا العام في سياق خاص، وذلك في خِضّم التطورات الأخيرة التي رافقت قرار مجلس الأمن الدولي بشأن نزاع الصحراء الغربية، يوم الأربعاء الماضي، والذي انتهى بعودة هيمنة الإدارة الأمريكية على الملف.
وظهرت العودة الأمريكيّة بعدما صاغت واشطن قراراً يقضي بتمديد ولاية البعثة الأممية لحفظ السلام "مينورسو" في إقليم الصحراء لمدة ستة أشهر، على أساس أن تنتهي يوم 30 أبريل المقبل، في الوقت الذي دفع المغرب بإصرار في اتجاه تمديد عُهدة المينورسو لمدة عام كامل، لكن دون جدوى بسبب تمسّك إدارة دونالد ترامب بمدة الستة أشهر فقط.
القرار الأمريكي، الذي حصل على دعم وموافقة 12 دولة من أصل 15 (امتنعت كل من روسيا وإثيوبيا وبوليفيا عن التصويت)، يُلزم الطرفين المُتنازِعين (خاصة جبهة البوليساريو) بالامتناع عن القيام بأي تحرّكات من شأنها أن تؤثر على مسار المفاوضات، التي يرعاها الرئيس الألماني الأسبق، هورست كوهلر، بصفته مبعوثاً لهيئة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية.
لقاء في ديسمبر تمهيداً لمفاوضات جديدة
القرار 2440 المُتعلِّق بنزاع الصحراء كان قد أَلزم جبهة البوليساريو، في فقرته السابعة، بضرورة الالتزام بتعهّدات أمينها العام إبراهيم غالي، الذي وعد كوهلر بعدم قيام البوليساريو بأي تحرّكات في المنطقة العازلة، وهو ما اعتبره السفير الدائم للمملكة المغربية في الأمم المتحدة عمر هلال بمثابة "مكسب جديد يُفنّد فكرة الأراضي المُحرَّرة" التي لطالما رَوّجَت لها الجبهة، والتي التي تصِفُها الدولة المغربية بـ"الانفصالية".
ويُرتَقب أن تحتضن مدينة جنيف السويسرية، يَوْمي 5 و6 ديسمبر المقبل، طاولة مستديرة بمشاركة كل من المغرب والجزائر وموريتانيا بالإضافة إلى جبهة البوليساريو، في استجابة للدعوة التي وجّهها مبعوث الأمم المتحدة من أجل تحريك المفاوضات لحلّ النزاع المستمر حول الصحراء منذ عقود.
وكان المتحدث باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي قد أعلن رسمياً، في الرابع من أكتوبر الماضي، موافقة المغرب على دعوة كوهلر، مؤكداً أن "لا حلّ لقضية الصحراء خارج مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية".
المسيرة الخضراء... ملحمة مغربيّة
في 16 أكتوبر عام 1975، ألقى الملك المغربي الراحل الحسن الثاني خطاباً استثنائياً كان له وقع الصدمة دولياً وكان فيه: الإعلان عن تنظيم مسيرة بمشاركة 350 ألف مواطن(ة) مغربي(ة) من أجل استرجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة، مُتمثِّلة في الصحراء الغربية التي كانت آنذاك تحت سلطة الاحتلال الإسباني.
يُرتَقب أن تحتضن مدينة جنيف السويسرية، مطلع ديسمبر المقبل، طاولة مستديرة بمشاركة كل من المغرب والجزائر وموريتانيا بالإضافة إلى جبهة البوليساريو، استجابة للدعوة التي وجّهها مبعوث الأمم المتحدة لتحريك المفاوضات حول الصحراء الغربيّة
في الخامس من نوفمبر 1975، أعطى الملك الحسن إشارة انطلاقة المسيرة الخضراء مردداً: "غداً إن شاء الله ستُخترق الحدود، غداً إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غداً إن شاء الله ستطأون طرفاً من أراضيكم..."
"كانت السريّة التامة شرطاً أساسياً لنجاح المسيرة، لذلك كانت مفاجأة خصوم المغرب كبيرة جداً"، حسب ما قالت إذاعة الجزائر في أول تعليقاتها، معلّقة "هذه خدعة Bluff".
بدورها، وصفت إذاعة مدريد دعوة الملك بالقول"هذه أضحوكة"، بينما علّقت صحيفة فرنسية: "لا يُمكن لدولة في مستوى المغرب أن تُنظّم ما أعلن عنه الملك، بدون إعداد مسبق، فالإعلان عن المسيرة جزء من حرب نفسية وسياسية بين أطراف النزاع... لذلك لن تكون هناك مسيرة".
[caption id="attachment_170532" align="alignnone" width="1000"] مشاركون في "المسيرة الخضراء" عام 1975[/caption]ما سبق من ردود الفعل الغربيّة، نقله لمحمد الصديق معنينو، مدير الإعلام السّابق وأحد نجوم التلفزيون المغربي إبّان فترة السبعينيات، في كتاب مذكراته "أيام زمان"، وكان واحداً من الصحافيين المغاربة الذين قاموا بتغطية حدث المسيرة الخضراء التي أرادها الملك الحسن مسيرة سلمية يُرفع فيها القرآن الكريم والعلم المغربي فقط.
ومن خلال هذه الشهادة، أظهر معنينو حجم الصدمة التي خلّفها إعلان ملك المغرب في الصحافة الدولية التي لم تُصدِّق ما سمعته على لسان الحسن الثاني في خطابه.
وفي الخامس من نوفمبر 1975، ألقى الملك الحسن خطاباً ثانياً أعلن فيه انطلاقة المسيرة الخضراء مردداً: "غداً إن شاء الله ستُخترق الحدود، غداً إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غداً إن شاء الله ستطأون طرفاً من أراضيكم وستلمسون رملاً من رمالكم وستُقبّلون أرضاً من وطنكم العزيز".
[caption id="attachment_170535" align="alignnone" width="1000"] مشاركون في "المسيرة الخضراء" عام 1975[/caption]لم تمرّ سوى ثلاثة أيام على انطلاق المسيرة، حتى ألقى العاهل المغربي خطاباً يعلن فيه "انتصار المغرب"، مطالباً كل المتطوعين بالعودة إلى نقطة الانطلاقة؛ أي مدينة طرفاية، جنوبي البلاد.
وفي 14 نوفمبر من السنة ذاتها، بعد مفاوضات مكثفة بين الرباط ومدريد انطلقت غداة المسيرة، جرى توقيع اتفاق ثلاثي بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا، استعادت بموجبه المملكة المغربية أقاليمها الجنوبية، وهو الاتفاق الذي صادقت عليه الجمعية العامة الأمم المتحدة.
من جهتها، قابلت جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، هذه الاتفاقية بالرفض المُطلق، مُطالبة بالحصول على الاستقلال أو الاحتكام إلى رأي المحكمة الدولية الذي أقرّ الحق في تقرير المصير عن طريق إجراء استفتاء شعبي (فضلاً عن إشارته لوجود روابط "البيعة" بين السكان والدولة المغربيّة)، وهو ما ترفُضه الدولة المغربية بشكل قاطع، متشبّثة بمقترح الحكم الذاتي في ظلّ سيادة المغرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 17 ساعةربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ يومحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي