إن جميع شبيبة الجولان السوري المحتل قد خضعوا مرغمين لأوامر جدّاتهم وأمهاتهم بالذهاب مرارًا وتكرارًا إلى "غرفة المونة"، طالبين منهم إحضار مرطبان "الدامة" أو "الكشك" أو "البرغل"، أو إحضار القليل من الزيتون أو الزيت أو "المكدوس" بغية تحضير المائدة اليومية. احتوى كل منزل في الجولان السوري المحتل على غرفة أو زاوية سميّت "غرفة المونة" (القصد هو المؤن، التموين)، يحتفظ فيها سكان الجولان السوري المحتل بالعديد من أصناف الطعام والشراب كمؤن ضرورية، وبشكل عام، يتم الاحتفاظ بكميات مؤن أكبر من حاجة المنزل الواحد، بل قد تتمكن هذه الكميات من خدمة حارة بكاملها. تاريخيًّا، تم الاحتفاظ بكميات من المؤن الضرورية بسبب تضاريس الجولان السوري المحتل الجغرافية الصعبة، وشتاءه البارد والمثلج، والذي وضع قيودًا على التنقّل، بالأخص في فصل الشتاء. ولكن، في زمننا هذا، لا توجد قيود جمّة على التنقّل، والشتاء غدى أكثر دفئًا مما مضى وهنالك طرق ومعدات حديثة للتعامل مع البرد والثلج، وبالرغم من هذا، ما زال سكان الجولان السوري المحتل يحتفظون بمؤنهم الضرورية والكثيرة في "غرفة المونة" المنزلية. بعد احتلال الجولان في حرب حزيران عام 1967، ألغت دولة إسرائيل القانون السوري وطبّقت الحكم العسكري فيه، فارضة تقييدات على التنقّل والتحرّك في الجولان وخارجه، وبالتالي، زادت الخناق على قدرات سكان الجولان الاقتصادية، قيّدت تسويق المنتجات الزراعية، وصعّبت وصول المؤن والبضائع إلى قرى الجولان. في عام 1981، سنّ الكنسيت الإسرائيلي (البرلمان الإسرائيلي) قانون ضمّ الجولان، والذي أنهى الحكم العسكري فيه ليستبدله بتطبيق القانون الإسرائيلي. بعد هذا القانون، واعتراضًا عليه وعلى محاولة دولة إسرائيل فرض الجنسية الإسرائيلية على سكان الجولان السوريين، أعلن سكان الجولان في 14 شباط/فبراير 1982 عن إضراب مفتوح، استمر مدة خمسة أشهر، أضرب فيه سكان الجولان عن العمل وأقيل غالبيتهم الساحقة من وظائفهم، ليخرجوا إلى الشوارع منددين بقرار الضم الإسرائيلي ورافضين لفرض الجنسيات الاسرائيلية. جاء رد الاحتلال على هذا الاضراب بفرض الحصار على الجولان السوري المحتل وسكانه، في 25 من شباط/فبراير 1982، وفرض حضر تجوّل في داخل القرى وبينها. أوقف الحصار كل أشكال المواصلات من والى الجولان، ولم يسمح الجيش الإسرائيلي بدخول الطعام والدواء والشراب للقرى، بل وقام بقطع الكهرباء والماء. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت إسرائيل عن الجولان كمنطقة عسكرية مغلقة، وفرزت 14 ألف جندي في الجولان (أكثر من عدد سكان الجولان السوري المحتل آنذاك) لتطبيق الحصار المفروض.
في ظل هذا الحصار، خاطرت شبيبة الجولان السوري المحتل بحريّتها وبسلامة جسدها لتتنقل بطرق سريّة بين البيوت والقرى، محاولة إيصال المؤن لطفل رضيع لم يحصل على غذائهفي ظل هذا الحصار، خاطرت شبيبة الجولان السوري المحتل بحريّتها وبسلامة جسدها لتتنقل بطرق سريّة بين البيوت والقرى، محاولة إيصال المؤن لطفل رضيع لم يحصل على غذائه، لإيصال الدواء لمسن منع من الحصول عليه، للمحافظة على التنسيق فيما بينهم، ولإخراج المواشي للمراعي خارج القرى بسبب كونها المصدر الوحيد الذي يمكن لسكان الجولان الاعتماد عليه في ظل الحصار. هذا أدى لاصابة 35 شخصًا خلال الاضراب، برصاص الشرطة والجيش، واعتقال المئات من سكان الجولان وقادته السياسيين. يذكر تيسير المرعي وأسامة الحلبي في مقال نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في عام 1991، أنه عند نهاية الإضراب في الجولان المحتل في شهر تموز/يوليو 1982، "كان مخزون المواد الغذائية – مؤونة كبيرة من الأغذية المجففة والمحفوظة التي كانت دائما في متناول القرى - قد بدأ بالنفاد. لم يكن الحليب متوفرًا، وكان الأطفال يعانون. وقد نفقت مئات من المواشي جوعًا بسبب منعها من الوصول للمراعي". إن هذه السنوات، منذ احتلال الجولان وحتى نهاية الإضراب فيه، وفك الحصار عنه، أبرزت أهمية "غرفة المونة"، والحاجة إليها. إن حاجة السكان للمؤن خلال أشهر الإضراب في عام 1982، الطعام والماء والدواء، جعلت من زيادة كميات المؤن في "غرفة المونة" حاجة ضرورية ومركزية، يستعملها سكان الجولان اليوم خوًفا من إعادة التجربة في ذاك الوقت، وخوفا من انقطاع الطعام والدواء والماء مجددًا عنهم. نجد اليوم في غالبية منازل الجولان كميات من المؤن، مثل زيت الزيتون، الطحين، القمح، البرغل والمزيد، والتي تعتبر وسادة أمان، خوفًا من المستقبل، وبسبب عدم ثقة السكان بالاحتلال، بل التيقّن من إعادة تكرار هذه التجربة معه.
تاريخيًّا، تم الاحتفاظ بكميات من المؤن الضرورية بسبب تضاريس الجولان السوري المحتل الجغرافية الصعبة، وشتاءه البارد والمثلج، والذي وضع قيودًا على التنقّل، بالأخص في فصل الشتاء.
جاء رد الاحتلال على هذا الاضراب بفرض الحصار على الجولان السوري المحتل وسكانه، في 25 من شباط/فبراير 1982، وفرض حضر تجوّل في داخل القرى وبينها.
إن حاجة السكان للمؤن خلال أشهر الإضراب في عام 1982، الطعام والماء والدواء، جعلت من زيادة كميات المؤن في "غرفة المونة" حاجة ضرورية ومركزية.
"غرفة المونة" هي دليل حي من الواقع الحديث في الجولان السوري المحتل على عدم ثقة السكان السوريين بالاحتلال الإسرائيليإن السنوات الأولى للاحتلال، وأشهر الاضراب ليست الأحداث الوحيدة التي وطّدت العلاقة بين منازل سكان الجولان السوري المحتل و"غرفة المونة"، بل توالي الأحداث في المنطقة – اجتياح جنوب لبنان، حرب الخليج، الانتفاضة الأولى والثانية، وحرب لبنان الثانية، والتي كان لها تأثيرها المباشر على تنمية عدم ثقة السكان في الجولان السوري المحتل بالاحتلال. "غرفة المونة" هي دليل حي من الواقع الحديث في الجولان السوري المحتل على عدم ثقة السكان السوريين بالاحتلال الإسرائيلي، ثقة معدومة تصل للحاجة بالاحتفاظ بكميات من الطعام والشراب، في داخل كل منزل، خوفًا من يوم ما في المستقبل تظهر فيه حاجة السكان لهذه المؤن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...