منذ أول ظهورٍ سينمائيّ للنجمة الأوسترالية نيكول كيدمان عام 1984 وهي في السابعةِ عشرة من عمرها في فيلم "الفتاة بوب"، تنوّعت أدوارُها، ولعلّ أهمَّها على الإطلاق حتى اليوم هو تجسيدها دورَ الكاتبة "فيرجينا وولف" في فيلم "الساعات" عام 2002، والذي يحكي قصة معاناة فيرجينا، مع الاكتئاب بسبب مرضٍ عقلي؛ و قد حازت عنه على أوسكار أحسن ممثلة، وقبل ذلك بـ12 سنة وتحديدًا عام 1989 جسّدت شخصية "راي"، زوجة الضابط البحري جون انجرام في فيلم الإثارة "الهدوء التامّ"، أو شخصية المؤرخة وعضوًا لجهاز المخابراتِ البريطانية "جيرترود بيل" في فيلم "ملكة الصحراء" عام 2014، وكلّ دورٍ له خصوصياتُه و مميزاته، بما يعكس عبقرية الممثلة في الأداء. وكلّ دورٍ من عشراتِ الأدوار التي جسّدتها كيدمان جاء بملامح مختلفة، فلا يوجد دورٌ لها يشبه الآخر، فعندما نحدّق في شخصية "تشيس ميريديان" في السلسلة الشهيرة "بات مان"، نجد أن ملامحَ نيكول كيدمان بعيدةٌ كلَّ البعد سواء في الشكل أم في التركيبة النفسية عن شخصيةِ "مارثا فارنسورث" مديرة مدرسةٍ للبنات في ولاية فرجينيا خلال الحرب الأهلية الأمريكية، والتي جسّدتها نيكول في فيلم "ذي بيغيلد" عام 2017، للمخرجة صوفيا كوبولا، وحازت عليه المخرجة على جائزة أفضلِ إخراجٍ في مهرجان كان، لتصبح ثاني امرأةٍ تفوز بتلك الجائزة. بينما قرّرت إدارةُ المهرجان منح سعفة ذهبية خاصة لنيكول كيدمان تتويجا لمسارِها السينمائيِّ المرصّع بمواقفِها القويةِ المدافعةِ عن المرأة والقضايا الإنسانية.
دور كيدمان الجديد في "المدمّرة"
في أحدث تجربة سينمائية لها والتي عُرضت في إطار المسابقة الرسمية للدورة الثانية والستين لمهرجان لندن السينمائي، أطلّت نيكول كيدمان، في شخصية جديدةٍ معقدة جدًا، في فيلم "المدمّرة" (Destroyer) للمخرجةِ الأمريكية المستقلة "كارين كوساما"، إنتاج 2018. وقد اضطرّت الحسناء الأوسترالية من أجلِ تمثيل هذا الدور للتنازلِ عن جمالِها لتأسرَ العالمَ بجمالِ ما تقدّمُه في الأداء، وفي سبيلِ تقمّصِ شخصيةِ الشرطيةِ "إيرين بال" المعقّدة والتي تعاني من صراعاتٍ داخليةٍ بدت معالمُها طاغيةً على ملامحِ وجهها الشاحب الذي يحاكي ذكرياتٍ مؤلمةً ونهايةً أكثر إيلامًا.وقد اضطرّت الحسناء الأوسترالية من أجلِ تمثيل هذا الدور للتنازلِ عن جمالِها لتأسرَ العالمَ بجمالِ ما تقدّمُه في الأداء، وفي سبيلِ تقمّصِ شخصيةِ الشرطيةِ "إيرين بال" المعقّدة
الفيلمُ يرفع القبّعةَ لقوّةٍ المرأة، وعزيمتِها أمام عواطفِها وينتصر لكبريائِها وسط دوّامةِ الحياة؛يحكي الفيلم قصةَ شرطيةٍ تعيش بذكرياتٍ سيئةٍ خاضتْها خلال مسارِها المهنيّ، كان عليها الالتحاق بواحدةٍ من أخطرِ العصاباتِ في كاليفورنيا، وفي مهمّة تفكيكِ أفرادِ العصابة من الداخل، تجد "إيرين بال" نفسها في دوّامةٍ من الصراع النفسيِّ، والذكرياتِ المؤلمةِ، وتدخل حياتها منعرجات خطيرة، و بين مشاعر المرأة الشرطيةِ والأمِّ التي تريد السلام لابنتها، لم يكن هناك من مفرٍّ أمام بطلة الفيلم للهروب من دوّامةِ الذكريات التي رسمت ملامحَ التعبِ والإرهاقِ على وجهِها وسرقت منها تلك الملامحَ الأنثويةَ المعهودة. استخدمت مخرجةُ فيلم (Destroyer) تقنيّة تقريب الكاميرا من وجهِ البطلة عدة مرّات؛ كانت العدسة قريبة جدًا وهي تصوّر تجاعيدَ الوجه، وملامحَ التعب والإرهاق التي رسمها مكياجُ الشخصية الجديدة. وقد عكست حركةُ الكاميرا مدى إعجاب المخرجةِ وفخرِها بالشّكلِ الجديد (new look) الذي قدّمتْ فيه نيكول كيدمان في شخصية "إيرين بال"، فلقد ظهرَ بشكلٍ يجعل المتفرّج يتساءل مذهَلًا: "يا إلهي؛ هل هذه هي نيكول؟" فقد عوّض المكياجُ السينمائيُّ بعضَ الثغراتِ التي جاءت في السيناريو، وقد استعانت المخرجةُ بملامحِ نيكول وشكلِها بشكلٍ كبيرٍ جدًّا من أجل رفعِ الفيلم إلى مستوى أعلى.
قصة الفيلم الجديد
الفيلم في تعاملِه مع كلِّ الشّخصياتِ النسائية يدفعنا نحو التعاطفِ معهن، فحجمُ المعاناة لا عدَّ ولا حصرَ له، بينما "إيرين بال"، تعود بشريطِ الذكرياتِ إلى وقائعَ حدثت في فترةِ شبابهِا عندما كانت في بداية الطريق، وهناك نلتقى مع امراةٍ مبعثرةٍ ومنهكة في حبِّ رجلٍ محكومٍ عليه بالإعدام، لارتباطه بأحد أفراد العصابة، ويقدّم الفيلم صورةَ امراةٍ لا تعرف الابتسامةَ إطلاقًا. ثمّ ترسم المخرجةُ خطًّا ثانيا للشّخصيةِ في معاناةِ المرأة، وهي صورةُ الأمِّ التي لم تعد قادرةً على السّيطرةِ على مشاعرِ ابنتها القاصر. الفيلمُ يرفع القبّعةَ لقوّةٍ المرأة، وعزيمتِها أمام عواطفِها وينتصر لكبريائِها وسط دوّامةِ الحياة؛ وهو ما أكّدت عليه نيكول كيدمان في تصريحٍ لـ"بي أف أي" على هامشِ العرضِ الأوّل للفيلم بمهرجان لندن: "إنه فيلمٌ شاعريٌّ لمخرجةٍ تفهم جيدًا كيفيةَ التعاملِ مع شخصيةِ المرأة المعقّدة"؛ فالخوض في مثل هذه الأفلام سواء بالكتابةِ أم الإخراج ليس أمرًا سهلًا على الإطلاق، ويتحاشاه الكثيرُ من المخرجين والمنتجين، على حدِّ تعبير كيدمان.إطلالةُ كيدمان المحتشمة في العرض الأول للفيلم
الأمرُ الآخرُ الذي لوحظَ خلال العرضِ الأوّل للفيلم بلندن هو إطلالةُ نيكول كيدمان على البساط الأحمر بملابسَ جدّ محتشمةٍ: ربطةُ عنقٍ سوداء وقميصٍ ورديِّ اللون، مع بدلةٍ رسميةٍ سوداء، دون أن يكون هناك مؤشرٌ على أن النجمةَ رقم واحد في هذا الحدث السينمائي تودّ أن تلفت انتباهَ المعجبين إلى إطلالتها، وقد يكون في ذلك مغزى ورسالةٌ أخرى ترافق الفيلم وهي الدفاع عن حقوق المرأة، حيث جاءت نيكول تحمل قضيةً عبر فيلم "المدمرة"، ولذلك حتى المكياج كان بسيطًا خفيفًا يسلّط الضوءَ على الكاريزما التي تتمتّع به سيدةُ الشاشة.المواقف السينمائية للممثّلة
ومن خلال تمثيلِ كيدمان في هذا النوع من الأفلام الذي لا يصنّف في خانة الأفلام التجارية التي تبحث عن أكبر قدرٍ من الإيرادات، يمكن فهمُ علاقتها بالسينما؛ وقد سبق أن صرّحتْ النجمةُ الأوسترالية في مهرجان كان عام 2017 أنها تميل اليومَ وبعد أكثر من 35 عامًا من العملِ السينمائي إلى دعمِ المخرجين الشباب، والتطرّقِ إلى المواضيعِ التي تتعلّق بالمرأة. وتجربتُها مع صوفيا كوبلا في فيلم"ذي بيغيلد"،كشفت عن استراتجيةِ نيكول في اختيار الأفلام في المرحلةِ القادمة. ورغم أن التجربةَ في فيلم "المدمرة" لم تكن قويّة بشكلٍ كافٍ، إلا أنها أكّدت مرّةً أخرى عن جوانبَ مهمةٍ في مسيرةِ الممثلةِ التي تدعم الكثير من مؤسساتِ الأعمال الخيرية، فضلًا عن كونِها سفيرةَ قضايا المرأة للنوايا الحسنة منذ أكثرِ من 24 عامًا. لذلك فالأمر الأكثر أهميةً في التجربةِ الجديدةِ لكيدمان هو مواصلةُ المشاركة في دعم المخرجات والمواضيعِ المتعلّقةِ بالمرأةِ الأمّ؛ كما أنّها أعلنت عن وقوفِها إلى جانب المشاريع المنجزة بميزانياتٍ منخفضة، وهو شأن المخرجةِ في هذا الفيلم والتي تُعتبر من المخرجاتِ المستقلّاتِ في السينما الأمريكية، بدأتْ مشوارَها من مهرجان "سن دانس" وصُنّفت ضمن زمرةِ المخرجاتِ المستقلّاتِ منذ تجربتِها السينمائية "المقاتلة" عام 2000، وهو ما يعكس توجّهَ المخرجةِ وانحيازَها المطلقَ لمواضيعِ المرأة.السنة الأكثر انتعاشًا للنجمة الأوسترالية
هذا وتعتبر سنة 2018 السنةَ الأكثرَ انتعاشًا من ناحيةِ العمل السينمائيِّ بالنسبة للنجمة الأوسترالية؛ فقد شاركتْ في أربعةِ أفلامٍ روائية طويلة، وتستعدّ الآن لخوضِ تجربةٍ خامسة مع المخرج الإيرلندي جون كرولي بعنوان "الحسّون"، ومن المقرّر أن تعرض السنةَ القادمة. فالاحتفاءُ العالميُّ والتقدير الذي تحظى به كيدمان يجعلها دائمًا في سباقٍ مع الزمن لتقديمِ أكبرِ عددٍ من الأدوار المركّبة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع