رُوعت مصر كلها من أقصاها إلى أدناها... بالجريمة البشعة التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين، بتفجيرها مبنى مديرية أمن الدقهلية وسقوط ستة عشر شهيداً وأكثر من مائة وثلاثين جريحاً... لكل ذلك قرر مجلس الوزراء إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية".
هكذا، وبهذه البساطة، اتخذ مجلس الوزراء المصري قراره القاضي بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. لم ينتظر التحقيقات. أتى التفجير الإرهابي على طبق من فضة. ركب مجلس الوزراء موجة الغضب الشعبي قبل أن تبرد جراح الناس. بعد التفجير، تجمّع بعض أهالي المنصورة وهتفوا: "الشعب يريد إعدام الإخوان". قررت السلطة الانتقالية "إعدام الإخوان" لإفشال سعي الجماعة إلى إسقاط مشروع الدستور المصري في الاستفتاء الشعبي المقرّر في 14 و15 من الشهر المقبل.
لم تنتظر الحكومة المصرية طويلاً. بعد قليل من وقوع التفجير الإرهابي، أعلن رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي، أن الاخوان المسلمين "جماعة إرهابية". قرار رئيس الحكومة نقله عنه مستشاره الإعلامي شريف شوقي. "جماعة الإخوان أظهرت وجهها القبيح كجماعة إرهابية تسفك الدماء وتعبث بأمن مصر"، أضاف شوقي. المسألة اقتضت يوماً إضافياً ليصدر القرار عن مجلس الوزراء "بالإجماع من كافة أعضاء المجلس"، على ما أكّد الببلاوي.
ردّ الجماعة
فور التصريح الأول للببلاوي، اعتبر الإخوان أن رئيس مجلس الوزراء، "دمية الطغمة العسكرية"، يقوم بـ"استغلال دم المصريين الأبرياء". الجماعة أدانت "بأشد العبارات" الهجوم على مديرية الأمن في المنصورة وطالبت بفتح تحقيق حوله وبمحاسبة مرتكبيه. "تحالف دعم الشرعية"، ذهب خطوة أبعد فحمّل "الانقلابيين ومعاونيهم من رجال الأعمال الفاسدين الذين يخططون لإشاعة الفتنة في البلاد" المسؤولية الكاملة عن مثل هذه الأحداث.
ليس هناك أي دليل يربط بين الإخوان وبين الجريمة الإرهابية. بعد يومين على وقوعها، تبنّت "جماعة أنصار بيت المقدس" الهجوم الانتحاري. الجماعة المذكورة والتي يتركّز نشاطها في سيناء دعت المصريين إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور. الملفت أن هذه الجماعة، كانت قد أصدرت بياناً، قبل يومين من الهجوم الإرهابي، حذرت فيه من تمرير "دستور لجنة العلماني النصراني الصهيوني"، متوعّدة أفراد الجيش والشرطة بأنها ستجعل منهم "عبرة ولندخلنّ عليهم بيوتهم، ولنذبحنهم ذبحاً كالخراف" من خلال استهدافهم بـ"عمليات انتحارية". رغم ذلك، قررت الحكومة أن الإخوان المسلمين هم مَن نفذوا العملية.
"تحالف دعم الشرعية" قرّر الاستمرار في مواجهة السلطات الانتقالية فدعا إلى "بدء موجة ثورية جديدة بأسبوع ثوري مهيب تحت عنوان أسبوع الغضب". إلى التحالف، لم تتعاطف مع الإخوان إلا قلّة من المصريين كـ"حركة شباب 6 أبريل" التي أكدت أن "الإخوان ليسوا جماعة إرهابية، بل جزء أصيل من الشعب المصري... الإخوان ومؤيدوهم وأنصارهم ومحبوهم هم جزء من الشعب المصري شئنا أم أبينا".
الفرصة الثمينة
التعاطي السياسي الرسمي مع الجريمة الإرهابية والتسرّع في اتخاذ القرارات يجعل مشروعاً التساؤل عن نيّات مبيّتة مسبقاً. بعد الإعلان الأول المنسوب إلى الببلاوي، خرج الأخير، في مؤتمر صحافي، ليقول إن "من قام بهذا العمل سواء فرد أو جماعة، فهو إرهابي". إجابته بدت مرتبكة مقارنة بصرامة نعت الإخوان بأنهم "جماعة إرهابية". الارتباك لا يتوقّف عند هذا الحدّ. في فذلكة قرار مجلس الوزراء يُنسب إلى الإخوان اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، رغم براءة تنظيم الإخوان منه.
وزير التضامن الاجتماعي، أحمد البرعي، رداً على سؤال "لماذا تأخرت الحكومة فى إعلان الإخوان جماعة إرهابية أكّد أن "الحكومة لم تتأخر فى هذا الإجراء، وإنما كان القرار قيد الدراسة منذ حكم القضاء بشأن حظر جماعة الإخوان"، أي منذ أيلول الماضي. إذن، الجريمة الإرهابية لم تكن سوى الذريعة. قبل أيام من العملية الإرهابية، كان الرئيس المصري عدلي منصور قد أصدر قراراً بتشكيل لجنة قومية مستقلة لتقصي الحقائق في أحداث العنف التي وقعت منذ 30 يونيو، وأعطاها مهلة ستة أشهر لتقديم تقريرها. ذهب هذا القرار هباءً!
ماذا يعني قرار الحكومة؟
في قرار مجلس الوزراء الذي أعلن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتنظيمها تنظيماً إرهابياً، بحسب "مفهوم نص المادة 86 من قانون العقوبات"، تم التطرّق إلى أربع آثار تترتب على ذلك: 1، "توقيع العقوبات المقررة قانوناً لجريمة الإرهاب على كل من يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم، أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة أخرى، وكل من يموّل أنشطتها"؛ 2، "توقيع العقوبات المقررة قانوناً على من ينضم إلى الجماعة أو التنظيم واستمر عضواً في الجماعة أو التنظيم بعد صدور هذا البيان"؛ 3، "إخطار الدول العربية المنضمة لاتفاقية مكافحة الإرهاب لعام 1998 بهذا القرار"؛ 4، "تكليف القوات المسلحة وقوات الشرطة بحماية المنشآت العامة، على أن تتولى الشرطة حماية الجامعات وضمان سلامة أبنائنا الطلاب من إرهاب تلك الجماعة".
تفعيلاً لهذه الآثار، أبلغت وزارة الخارجية جامعة الدول العربية بقرار الحكومة لتعمّمه على الدول العربية المنضمّة إلى اتفاقية مكافحة الإرهاب وذلك بهدف حثها على الالتزام بأحكام هذه الاتفاقية. تهدف الحكومة من ذلك إلى قطع الصلات بين الجماعة وبين بعض الدول العربية التي تتواصل معها.
ماذا بعد؟ بحسب "بنود مكافحة الارهاب" في قانون العقوبات. يُحكم بالسجن، مدة تصل إلى خمس سنوات كل من انضم إلى الجماعة أو شارك فيها بأيّة صورة أو روّج بالقول أو الكتابة أو بأيّة طريقة أخرى لأغراضها أو حاز محررات أو مطبوعات أو تسجيلات، أياً كان نوعها، تتضمن ترويجاً أو تحبيذاً لأهداف الجماعة. أما القيادات المتورطة في العنف فتصل عقوباتهم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام. إلى ذلك، صار التظاهر محظوراً على الإخوان ويحق للشرطة الدخول إلى الجامعات لمنع تظاهراتهم. وبحسب تصريحات البرعي، سيتم اعتبار كل من يستمر في الانضمام إلى الإخوان ولم يخرج منها مشاركاً في إرهابها وسيطبق عليه القانون.
لم تتأخّر الخطوات العملية التي تستهدف الإخوان كثيراً. قررت لجنة إدارة أصول وأملاك جماعة وجمعية الإخوان المسلمين التحفظ على 1130 جمعية أهلية، و137 مدرسة وشركة، لها علاقة بالإخوان. هذه اللجنة شكلتها الحكومة في وقت سابق تنفيذاً للحكم القضائي الصادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، في سبتمبر الماضي. ينص الحكم المذكور على "حظر أنشطة تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وجماعة الإخوان المسلمين المنبثقة عنه، وجمعية الإخوان المسلمين، وأي مؤسسة متفرعة منها أو تابعة لها، والتحفظ على جميع أموالها العقارية والسائلة والمنقولة". لا جديد مرتبط بقرار الحكومة في هذا الخصوص. جلّ ما في المسألة أن المستجدات أمّنت الغطاء لهذه الإجراءات. فالقرار القضائي قديم وقبل وقوع العملية الإرهابية كان البنك المركزي قد أعلن عن تجميد حسابات 1055 جمعية غير حكومية بعضها تابع للإخوان، بناء على طلب اللجنة المذكورة.
في مجال آخر، أوقفت السلطات طبع صحيفة "الحرية والعدالة"، الناطقة بلسان حزب الحرية والعدالة. كما حبست النيابة العامة المصرية 18 من أعضاء الجماعة، بينهم ابن المرشد العام للجماعة محمد بديع، لمدة 15 يوماً، على ذمة التحقيق، بتهمة "الانضمام إلى تنظيم إرهابي".
ما الجديد؟
بحسب قانون العقوبات المصري، يعرّف الإرهاب بأنه "كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامى فردي أو جماعي يهدف إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر". كل من ينطبق عليه هذا التعريف يمكن أن تحكم عليه المحاكم المصرية بموجب القانون المعمول به. هذا يعني أن قرار الحكومة، قانونياً، لا يقدّم ولا يؤخر. كل عقوبة تحتاج إلى حكم محكمة والنص موجود.
من ناحية ثانية، هناك الحكم القضائي الصادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة والذي ذكرناه سابقاً. هذا القرار القضائي هو الغطاء القانوني لحظر أنشطة الإخوان وللتحفظ على أموالها. حتى أن قرار الحكومة، الذي لم "يخترع" أي جديد، يمكن اعتباره تجاوزاً للسلطة وتعدياً على السلطة القضائية. وبالنسبة لتحريم التظاهر على الإخوان، فإن قانون التظاهر الصادر في وقت سابق منع خروج تظاهرات دون إذن ومنذها لم يتقدّم الإخوان بأي طلب قبل تسيير تظاهراتهم. قمع المتظاهرين كان يطال غير الإخوانيين أيضاً فيحتجزون ويضربون وكان قد أثار موجة اعتراضات شعبية وصلت تردداتها إلى جلسات الحوار الوطني.
في الخلاصة، نستنتج أن قرار مجلس الوزراء المصري ليس أكثر من إجراء إعلامي الهدف منه ضرب شرعية تنظيم الإخوان المسلمين والتضييق على مناصريه قبل الاستفتاء المزمع إجراءه منتصف الشهر القادم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...