شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"عاصفة لبان"، سحر الشرق مغلفاً بإعصار 

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 10 أكتوبر 201801:21 م

ربما من الغريب أن تحمل غالبية العواصف والأعاصير في العالم أسماء مميزة، هادئة، وجميلة، لا تعبّر عن مشاعر الخوف والرعب والخطر التي تسبب به للإنسان.

"عاصفة اللبان" التي تتحرك حالياً نحو السواحل العمانية واليمنية، بدورها تحمل اسماً مغلفاً بسحر الشرق ورائحة اللبان النفاذة وعراقة تراث خليجي موغل في التفرد.

يشير آخر التحديثات الجوية أن الاضطراب المداري في بحر العرب قد تطور وتحول إلى "عاصفة مدارية " تتحرك نحو السواحل اليمنية والعمانية. وتظهر صور الأقمار الاصطناعية بوضوح إلى وجود كميات ضخمة من السحب الركامية التي تتحرك حول مركز تلك العاصفة.

وقبل ساعات، أظهرت التحديثات الجوية أن سرعة الرياح حول مركز تلك العاصفة المدارية تبلغ ما بين 34 و 63 عقدة، كما يبعد مركز العاصفة عن سواحل سلطنة عُمان حوالى 960 كم، ويتحرك نحو الغرب إلى الشمال الغربي.

ومن المتوقع أن يستمر تطور العاصفة خلال الساعات القليلة المقبلة، ويرجح بشدة أن تتحول إلى إعصار من الدرجة الأولى.

هذه تفاصيل العاصفة من الناحية الفنية، لكن تعالوا نتأمل فرادة اسم العاصفة ومن أين أتى.  

اسم "عاصفة لبان" يحيلنا رأساً إلى تفاصيل تاريخية وتراثية مهمة من سلطنة عُمان، إلى رمز عماني مميز: شجرة اللبان.

تمثل شجرة اللبان الكثير للشعب العُماني بشكل عام، ولشعب محافظة ظفار العُمانية بشكل خاص، فهذه المحافظة الواقعة جنوب سلطنة عُمان تعد من أهم وأكبر المناطق التي تنتج اللبان في العالم، وكانت تعرف قديماً باسم بلاد اللبان.

في القدم، كانت ظفار مركز تصدير اللبان إلى العالم، مما جعلها مقصد العديد من القوافل التجارية، التي تواصل سيرها في رحلات شاقة إلى شواطئ جنوب العراق، والشام، ومصر القديمة‏، وفلسطين، ومن هناك يُنقل اللبان إلى البلدان ‏الأوروبية، وخاصة روما القديمة.

للبان المستخرج من هذه الشجرة عدة استخدامات، منها تناوله كعلكة للمضغ، لكن هذا ليس كل شيء، فاللبان أحد أهم أنواع البخور. ومن الناحية الطبية تحوي مادة اللبان مادة الكورتيزون الطبيعية المثبطة للالتهابات، وهي تتفوق بدرجة كبيرة على مادة الكورتيزون الصناعية.

كما أن اللبان فعال بدرجة كبيرة في تخفيف السعال وآلام الصدر الناتجة من أمراض البرد، ومن فوائده أيضاً أنه مقوٍ للقلب والدماغ، ويحد من النسيان بسبب قدرته الكبيرة على تنشيط الذاكرة.

وحتى اليوم، يتميز اللبان العُماني بجودته العالية، ويعدّ من أفضل أنواع اللبان في العالم، ويتم تصديره نحو جميع دول العالم التي تستخدمه بدورها في صنع الأدوية، والزيوت، والمساحيق، والعطور، والشموع، كما تستخدمه الكثير من دور العبادة في العالم كجزء من طقوسها.

رحلة استخراج اللبان

في كل عام، بالتحديد في أوائل شهر أبريل، حين تميل درجة الحرارة إلى الارتفاع، يقوم العمال بجمع الثمار من أشجار اللبان بعملية يطلق عليها تجريح الشجرة في عدة مواضع، ويطلق على الضربة الأولى الموجهة للأشجار مصطلح "التوقيع"، والمقصود به هو كشط القشرة الخارجية لأعضاء الشجرة وجذعها.

بعد هذه الضربة، يخرج سائل ‏لزج يشبه لونه لون اللبن، سرعان ما يتجمد فيتم تركه هكذا أسبوعين تقريباً، لكنه لا يُستخدم تجارياً، فهو ليس المقصود.

تتبع ذلك عملية أخرى يطلق عليها عملية ‏التجريح الثانية. لكن الجمع الفعلي يبدأ بعد نحو أسبوعين من هذا العملية، فيتم ضرب الأشجار للمرة ‏الثالثة. في هذه المرة يخرج السائل اللبني ذو النوعية الجيدة، والذي يعد تجارياً من مختلف ‏الجوانب، ويكون لونه مائلاً إلى الصفرة.

الخطوات السابقة لا تتم بشكل عشوائي، بل تتطلب دقة ومهارة وخبرة، وتختلف "ضربات التجريح" من شجرة إلى أخرى ‏حسب حجمها، ويستمر موسم الحصاد ثلاثة أشهر، ويبلغ متوسط إنتاج الشجرة الواحدة ‏عشرة كيلوجرامات تقريباً من الثمار.

وتنتج محافظة ظفار في العام الواحد نحو ‏سبعة آلاف طن تقدّر بحوالى 30 مليون ريال عماني.

"عاصفة اللبان" التي تتحرك حالياً نحو السواحل العمانية واليمنية، بدورها تحمل اسماً مغلفاً بسحر الشرق ورائحة اللبان النفاذة وعراقة تراث خليجي موغل في التفرد. 
من المتوقع أن يستمر تطور "عاصفة لبان" خلال الساعات القليلة المقبلة، ويرجح بشدة أن تتحول إلى إعصار من الدرجة الأولى.

أعلنت السلطات العمانية الثلاثاء حالة التأهب القصوى للتعامل مع العاصفة المدارية "لبان" التي من المتوقع أن تضرب السواحل الغربية للبلاد اليوم الأربعاء. كما تشير التنبؤات إلى احتمال تأثر محافظتي ظفار والوسطى اعتباراً من اليوم بأمطار متفرقة وارتفاع لأمواج البحر.

نتمنى السلامة لشعب عمان وطول العمر لشجرته العريقة "اللبان".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image