بعد 45 عامًا من الحديث المصريّ - الإسرائيليّ عن الملفات السريّة لحرب السادس من أكتوبر والخطط التكتيكيّة وشهادات الجنود والضباط حول الساعات الحاسمة التي مرّت عليهم في خضم تلك الأحداث، يبدو أن ظهور صفحات إسرائيليّة متخصصة في انتقاد العرب والدفاع عن إسرائيل بالأسلوب الساخر، الذي ينتشر سريعًا وسط فئة الشباب خصيصًا، قد نقل طقوس الذكرى هذه إلى مستوى أخر. فالكوميديا التي يتم تطويع مشاهد الأفلام الشهيرة فيها من أجل الحصول عليها أو "الكوميكس" باسمها المعروف، أصبحت هي ”السلاح“ الأقوى حاليًا في سعي كلا الطرفيْن إلى عبور جديد ناجح تحت شعار: ”لنقصف جبهات بعضنا البعض“، ولكن في الواقع الافتراضي هذه المرة، أو لنشعل الحرب مجددًا للحصول على مزيد من الإعجابات والتفاعلات.
من خلال هذه التدوينة، نطلع إلى نماذج من هذه ”الكوميكس“ التي نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ.
يبدو أن ظهور صفحات إسرائيليّة متخصصة في انتقاد العرب والدفاع عن إسرائيل بالأسلوب الساخر الذي ينتشر سريعًا وسط فئة الشباب خصيصًا، قد نقل طقوس الذكرى هذه إلى مستوى آخر.
أما في الحرب الكوميديّة التي أرصدها هُنا، فالثغرة يُمكن أن تتلخص في كون فئة معينة من الشباب، خاصة الأجيال الحديثة، تُنكر على مصر مكسبها في معارك سيناء، الأمر الذي يُعطي لإسرائيل دون قصد ميزة تاريخيّة مُحتملة
الجبهة المصريّة في مهمّة سهلة
إنّ البداية من مصر، حيث اعتمد صُناع "الكوميكس" في حربهم الكوميديّة على عنصر أساسي تمتد أهميته من واقع الحرب ذاتها، نتحدث هنا عن خط بارليف ”المنيع“، كما أطلق عليه الإسرائيليّون قبل أن يفاجئهم مهندسو القوات المسلحة المصريّة بأن بعض رشاشات المياه الثقيلة قادرة على تحطيم تلك الأسطورة تمامًا في ساعات قليلة.
وهذا ما أصبح مصدر إلهام لأشهر الصفحات المصريّة، ومع استخدام الصور المُناسبة التي تُسمى بال ”تمبلتس"، قد يُصبح الأمر مثيرًا للضحك حقًا، على الأقل لمن أراد أن يسخر من ثقة الإسرائليّين غير المبررة في مانعهم الذي أثبت فشله.
[br/]
[br/]
ويكفي أن تعلم بأن حتى الصفحات الرياضيّة المصريّة الساخرة قد اعتادت على المشاركة بطريقتها في حرب "الكوميكس" هذه، وكلما زادت شهرة الصفحات مثل Egyptian Troll Football، كلما اهتم القائمون عليها بالانتفاض سريعًا والانضمام إلى الجبهة المصريّة الكوميديّة للقيام بدورهم في مثل هذا اليوم.
لم تنتهِ السخرية عند ”خط بارليف“، بل عبرته لتطال الموقف الأمريكيّ المُساند لإسرائيل في الحرب، إذ تتمثل المُساندة هذه في مدّ جسر جوّيّ هائل يحمل دبابات حديثة -حينها- ساعدت إسرائيل على الصمود في وجه القوات المصريّة من جهة والسوريّة من جهة أخرى، ولمن لا يعلم تفاصيل هذا الصمود، فقد نتج عنه تأثيرًا كبيرًا على سير المعارك المتتاليّة، ليُجبر التدخل الأمريكيّ الجميع على تغيير مجرى الأمور من انتصار مصريّ ساحق إلى انتصار سياسيّ بدرجة كبيرة بالكاد وضع للرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، قدمًا ثابتة في مفاوضات عودة سيناء.
الجبهة الإسرائيليّة.. هروب من الباب الكبير
ولأن النتيجة الإجماليّة للحرب لا يُمكن أن تصبّ في مصلحة الطرف الإسرائيليّ، فالدخول في مُعترك السُخرية مثّل عبئًا شديدًا على صفحة ”مجتمع الصهاينة الساخر The Zionist Sarcasm Society“، التي لطالما جذبت انتباه العديد من أبناء الدول العربيّة بنقدها اللاذع لمجريات الأمور في الشرق الأوسط وتفنيد خرافات عديدة -من وجهة نظرهم-، فعلى كل حال وبالرغم من تضارب طرق تأريخ تلك الأحداث، ففي النهاية انتهت الحرب وسيناء لم تعد مثلما كانت قبلها، ملكيتها عادت مصريّة واضطر الجيش الإسرائيلي لخسارة ما سبق واكتسبه في عام 1967.
لذا بدا للصهيونيّ الساخر أن الحلّ الوحيد هو السخريّة من أحوال العرب ما بعد أحداث 6 أكتوبر، وعدم التركيز على الأحداث ذاتها، فتجده تارة يُقارن بين الوضع العلميّ لإسرائيل مقارنًة مع الدول العربيّة في إشارة إلى مكاسب أهم من تلك التي خسرها في الحرب، وتارة أخرى يسخر من تعامل الإعلام العربيّ مع المواطنين في تناقض الطرح بين التطبيع في السّر والهجوم في العلن، وإشارات مباشرة بعدم قدرة أحد على إعلان الحرب ضد إسرائيل مجددًا والتركيز على حروب ما قبل 1973.
الحرب طبق الأصل.. فالثغرة حدثت هُنا أيضًا
في القصة الحقيقيّة عانت مصر بعد التدخل الأمريكيّ من حدوث ثغرة سُميت بالدفرسوارا، شكلت ضغطًا استراتيجيًا على الجبهة المصريّة، وعلى الرغم أن هذه الثغرة لم تمنع مصر من الخروج بمكاسب عدة من تلك الحرب ولكنها بالتأكيد أوقفت أي عمليات مصريّة مُحتملة في التصعيد.
أما في الحرب الكوميديّة التي أرصدها هُنا، فالثغرة يُمكن أن تتلخص في كون فئة معينة من الشباب، خاصة الأجيال الحديثة، تُنكر على مصر مكسبها في معارك سيناء، الأمر الذي يُعطي لإسرائيل دون قصد ميزة تاريخيّة مُحتملة، لأن هذا الإنكار سوف يُشكّل على المستوى البعيد ثقافة مُغايرة للثقافة التاريخيّة التي ترعرع على أسسها العديد من هؤلاء الشباب، ولكن ما يحدث من البعض الآن هو قلب الانتصار إلى هزيمة وتهويل الثغرة حتى تصل إلى انتصار إسرائيليّ مُطابق تمامًا للرواية الإسرائيليّة.
لذا تصدت صفحات عدة تهتم بالسخرية من مُنكري الرواية المصريّة عن حرب أكتوبر إلى هذه الفئة بشراسة، فهل نجحت في سدّ الثغرة؟
أمجاد يا عرب أمجاد.. ولوّ على الإنترنت!
وكتتويج لنهاية تلك الحرب الكوميديّة التي اعتدنا على نشوبها في مثل ذكرى 6 أكتوبر من كلّ عام، كان لا بد للمشهد أن يكتمل بنفس الطريقة التي سارت بها الأمور في الواقع، حيث يتوحّد العرب من جميع الجنسيات تقريبًا صوب هدف واحد، وهو صفحة المتحدث الرسميّ باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية "أفيخاي أدرعي"، وهناك ينهال الجميع بسيل من السخريّة ولصق عبارات موحّدة لتذكير "أفيخاي" ورواد صفحته الناطقة بالعربيّة بما حدث في تلك الحرب، في مشهد يُعيد لأذهاننا الوقوف العربيّ الشهير إلى جانب الدولة المصريّة في العام 1973، الذي يُمكن ضرب أمثلة عنه؛ مثل وقف التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكيّة من طرف السعوديّة وحجب إمدادها بالبترول إلى حين إجبار أمريكا على الكف عن توالي الإمدادات الحربيّة للجبهة الإسرائيليّة، وغير ذلك من الأمثلة الواقعيّة التي تستطيع رؤية ظلالها في تعليقات العرب على صفحة "أفيخاي".
من الجدير بذكره أن هذا الموضوع لا يُناقش دقة الأحداث التاريخيّة لحرب السادس من أكتوبر، ولكن يرصد فقط كيف صنع طرفي الصراع من تلك الأحداث كوميديا خالصة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...