شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
رواية

رواية "عواطف وزوارها"... لا أحد يستطيع الخلاص من بلده

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 29 مايو 201606:38 م

"أكره كلب عواطف!"، بهذه الجملة المفاجئة وغير الاعتيادية لتكون بداية رواية، يبدأ الحبيب السالمي سرد نتف ووقائع من حيوات خمسة أشخاص يعيشون في باريس، وتجمع بينهم صداقة بسبب انتمائهم العربي.

"المنصف" هو من يتولى عملية السرد، ليكشف عن شبكة متداخلة من العلاقات يكون منزل "عواطف" مركزاً لها. ففي هذا المنزل تجتمع الشلة أسبوعياً، ومع مرور الأسابيع تنفضح أسرار، وتنكشف خبايا، تثار نقاشات وتنفتح حوارات، ويصبح اللقاء الأسبوعي حاجة ملحة لدى الجميع، فهو المتنفس الذي يتيح لهم أن يتخلصوا من عبء الاغتراب.

يصوّر الحبيب السالمي الازدواجية التي يحياها الإنسان بعيداً عن وطنه الأصلي، حيث تصبح الذاكرة موزعة بين مكانين، ويصبح سؤالا الهوية والانتماء هما الأكثر إلحاحاً، مفجّرين الكثير من الإشكالات العميقة، والقضايا الوجودية.

هذا التأرجح بين عالمين وانتماءين يفرض حضوره على الجسد ورغباته أيضاً، فنرى "المنصف" يتأرجح بين امرأتين: زوجته الفرنسية "بياتريس"، وعشيقته المصرية "عواطف" التي لا يستطيع الابتعاد عنها برغم أنه يحب زوجته، بل نجده يبرر لنفسه تلك العلاقة، "الغريب في الأمر أنني لم أشعر أبداً بتأنيب الضمير. ولم يخامرني أبداً أي شعور بأنني أخونها. ربما لأنني كنت أحبها، وخصوصاً لأني واثق تماماً من أن حبي لها أقوى من أن يتأثر بحدث بسيط مثل قضاء ليلة في فراش امرأة".

على الجانب الآخر، نجد تمظهراً آخر لحالة الاغتراب وازدواجية الانتماء لدى "مريم"، التي تعيش نوعاً من الرفض التام لأصولها العربية، فهي تنتقد العرب وتسخر منهم، ولا تتوانى عن إعلان كراهيتها لهم في أكثر من مناسبة، بل تذهب في انتقاداتها إلى أماكن أبعد، فتقارن بين الطريقة السيئة التي يعشق فيها العربي ويمارس الجنس، والطريقة المميزة التي يفعل بها الفرنسي ذلك، "العرب جنس فاسد. تردد دائماً. وحين أطلب منها أن تتوقف عن شتم العرب، وأذكرها بأن كل ما فيها بدءاً من اسمها وانتهاء بأبرز ملامح وجهها يدل على أنها عربية، تطلق ضحكة عالية أو تصمت أو تغيّر الموضوع كما لو أن الأمر لا يعنيها".

يرصد السالمي في الرواية سلطة الموروثات التي يكتسبها الفرد من مجتمعه، وكيف أنه لا يستطيع الخلاص منها، حتى لو عاش في مجتمع آخر أكثر انفتاحاً وتطوراً، إذ تحاصره رواسب هذه الموروثات مسبّبةً صراعاً عنيفاً بين عدم قدرته على التحرر منها ورغبته في تبنّي قيم المجتمع الجديد الذي يعيش فيه. هكذا نجد "عواطف"، برغم تحررها، طامحة إلى الزواج كأي امرأة تقليدية، خوفاً من البقاء دون زوج يحميها، ونرى أن العلاقة المثليّة التي تجمع بين "إدريس" و"رياض" تثير استياء "المنصف"، ولا يستطيع تقبّلها بسهولة، برغم السنوات الطويلة التي عاشها في المجتمع الباريسي، بل يشعر بالارتياح الشديد حين يعلم أن "رياض" يستطيع معاشرة النساء أيضاً، "ها هو رياض يثبت لي بغتة أنه ليس مجرد لوطي، وأنه على الأرجح ليس ضعيفاً كما كنت أتصور في علاقته الجنسية بإدريس، إنه رجل يحب النساء على ما يبدو، والأهم من ذلك أنه قادر على أن يضاجعهن ويمتعهنّ تماماً كما يفعل الفحول".

تطرح الرواية من خلال إشارات سريعة وحكايات فرعية، قضية التشدد الديني وأثره على الأفراد والمجتمعات، فـ"بوعلام" طليق "عواطف" ووالد ابنتها هرب من الجزائر قادماً إلى باريس منذ سنوات بعيدة بعد أن قتل متشددون إسلاميون أخاه ووصلت التهديدات إليه. و"مريم" تقرر التخلي عن عشيقها الفرنسي "جاك" بعد سلسلة من المحاولات والتهديدات من ابنها "كريم" الشاب الأصولي المتشدد، الذي يرفض أن تقيم أمّه علاقة "زنى" مع رجل "كافر". فهي برغم كل انفتاحها وتحررها لم تستطع التأثير في خيارات ابنها وطريقة عيشه حين أخذ ينحو نحو التديّن والانغلاق.

تبدو الرواية التي تقدّم صورة مصغّرة لمجتمع العرب المهاجرين، وكأنها بفصولها القصيرة عبارة عن دوائر تلتف بأحداثها ونقاشات أبطالها لتعود إلى نقاط معيّنة، نقاط تتعلق بالاختلافات بين "هنا" الوطن البديل، و"هناك" الوطن الأم، وكل ذلك يتمّ بأسلوب سلس وبسيط يعتمد كثيراً على الفكاهة والسخرية ولكن بطريقة مبطّنة بعيدة عن الابتذال.

الحبيب السالمي روائي تونسي من مواليد قرية العلا عام 1951، وهو يقيم في باريس منذ 1985.

له مجموعتان قصصيتان، وتسع روايات: "جبل العنز"، "صورة بدوي ميت"، "متاهة الرمل"، "حفر دافئة"، "عشاق بية"، "أسرار عبد الله"، "روائح ماري كلير"، "نساء البساتين"، "عواطف وزوارها". ترجمت رواياته إلى العديد من اللغات الأجنبية، مثل الإنكليزية والفرنسية والنرويجية والعبرية والألمانية والإيطالية. اختيرت روايتاه "روائح ماري كلير" و"نساء البساتين" ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتي 2009، 2012.

مراجعة رواية عواطف وزوارها - معلومات عن الرواية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image