شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الحدس... أي عبور الطبقة السادسة من النفس وسماع صوت الله الهامس من الجسد

الحدس... أي عبور الطبقة السادسة من النفس وسماع صوت الله الهامس من الجسد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 17 سبتمبر 201810:25 ص
في قريتنا الصغيرة "البتانون" بمحافظة المنوفية المصرية، حيث نشأتُ، كانت الحالة الصوفية هي السائدة، رجال جوّالون في القرى بعيونٍ لامعة، وثيابٍ مُمَزّقَة، نُسَمّيهم "مجاذيب"، لهم قدرة على التنبؤ بالأحداث، ومعرفة بخبايا الأمور، يتوقّعون وجود الثعابين في الطعام وحنايا البيت دون أن يروها، ويتنبأون بمستقبل الأبناء والأحفاد قبل أن تظهر عليهم بوادر لأيّ شيء، وكان الناس يشيرون إلى هذه القدرات الخارقة قائلين "فيهم شيء لله"، أو "واصل" أي لديه صلة مباشرة بالله أو بأرواح أولياء الله الصالحين. ومع انحسار التأثير الخرافي والأسطوري، بتنا نسمي تلك القدرة بـ"الحدس".

الحدس: وشوشات إلهية في آذاننا

تعتبر لورا ليلي، كاتبة مهتمّة بالأمور الروحانية، في مقال بموقع "يور زين لايف"، أنّ كل شخص يتسم بتلك القدرة على رؤية الأمور بشكل صحيح ومباشر، ولا نحتاج إلى طرف ثالث، فصلتنا بالله، أو قوى الحياة الأصيلة والعميقة، موجودة، ولكن صوتها خافت للغاية، وتكمن في خلفية أصوات كثيرة مزعجة. تقول ليلي عن نفسها إنّها ليست مميزة لتكون مُصطفاة، فالكائنات العليا تتحدّث إلينا جميعًا، نحن لا نحتاج إلى وسيط، مثل وليّ أو شيخ أو راهب، الصلة لم تنقطع، الصلة موجودة، إذا كنت تكافح لتسمع الإجابة، وجّه انتباهَك، الحدس غالبًا يأتي من الجسد، وليس العقل، فكّر أو تحدّث مع نفسِك عن الخيارات التي أمامك، كيف يشعر جسدك بكل اختيار؟ ينكمش أم يتمدّد، إذا شعرتَ أنّه يتوسّع وينفتح فحدسُك يقول لك: نعم، استمر! أمّا إذا انقبضَت عضلات جسدك فهو يقول لك: لا! via GIPHY تشرح أكثر: لو أردت أن تفك شفرة الحدس، يجب أن تُلزِم نفسَك بالانصات إلى الإجابة، فالكون أو الله أو الحقيقية ليست مجرد كلمات جميلة، أو شعر، إنّها هَمس، همس يمكن أن تسمعه في كنيسة أو في ملاهٍ ليلية بنيويورك، فقط أغلق عينيك، وتناغم مع كل شئ لتحصل عليه.
كن غريبًا، وصادقًا، وغير واقعي، وسّع نِطاق اختياراتك أكثر، ولا تنسَ أنها مجرد لعبة
حسنًا، ماذا لو أخبرنا حدسنا بشيء، ولم يكن صحيحًا؟ حينها، تقول ليلي، اكتب ما يحدث لك على الورق، ومع مرور الوقت، ستتعرّف على الظواهر الجسدية المصاحبة للحدس الحقيقي والزائف. أمّا عندما يواجهك غموض، فاكتب احتمالات، وفكر خارج الصندوق، هذا سيُخرجك من زاوية رؤيتك الضيقة، اسأل نفسك ما هي النتيجة المرجوة؟ كن غريبًا، وصادقًا، وغير واقعي، وسّع نِطاق اختياراتك أكثر، ولا تنسَ أنها مجرد لعبة؛ لذا لا تكن جادًا، اذكر جميع الخيارات المتاحة أمامك، والتي يمكن أن تخطر على بالك، ولا يُشترَط أن تكون مثالية، فقط فكّر في الاختيارات، ثمّ اكتب العناصر السلبية. هذا مهم لأننا غالبًا ما نبالغ كثيرًا في سيناريوهات الحالة الأسوأ، ونشرد في كوابيس اليقظة، لذا نكون أكثر قدرة على التعامل مع التوقعات السيئة، ومع حجمها الحقيقي إذا كتبناها على الورق، ولا تسمح لخيالك أن يعيش في السيناريو السيىء المُتخيَّل سوى مرّة واحدة، لا تكرّر المشاهد على عقلك. وعندما تواجه نفسَك بالأسئلة الحيوية ستواجهك حالتان: الخوف أو الحدس، وإذا أوقفك الخوف فلا تُحبَط، انعدام الخوف موجود فقط عند الأطفال أو المجانين، ونحن لا نرغب في تقليده، علينا أن نوقف شيطنة الخوف؛ فالخوف هو السبب في أننا أحياء، فقط لا تدعه يتحكم، لا تدعه يختار لك دائمًا.
كل شخص يتسم بتلك القدرة على رؤية الأمور بشكل صحيح ومباشر، ولا نحتاج إلى طرف ثالث، فصلتنا بالله، أو قوى الحياة الأصيلة والعميقة، موجودة، ولكن صوتها خافت للغاية، وتكمن في خلفية أصوات كثيرة مزعجة.
فالكون أو الله أو الحقيقية ليست مجرد كلمات جميلة، أو شعر، إنّها هَمس، همس يمكن أن تسمعه في كنيسة أو في ملاهٍ ليلية بنيويورك، فقط أغلق عينيك، وتناغم مع كل شئ لتحصل عليه.
ليلي تقول عن نفسها إنَّها بعد أن طبّقت هذه الأمور، أدركَت أنّ الخوف هو الذي يتكلم في البداية، وصوته أعلى، وهو الذي يتكلم دائمًا، أدركَت أيضًا أنّ أصوات الأنا "النفس وكل ما يتعلق بها من ذكريات ورغبات وإحباطات" والخوف متطابقة، لُغة واحدة ولهجات عدّة، تختلف فقط في درجة الصوت وحِدّته، وبدأَت تتعرّف على الأنا باعتباره انتهازيًا، عاليًا، محمومًا، غاضبًا، ومُتعدّد الأصوات من عشرة إلى اثني عشر صوتًا، أمّا الحدس فيقف في الخلف، صوته كخلفية هادئة، يقول لك بهدوء "أنت بخير، لا تخف!"، لن تكون روحانيًا وأنت خائف، إنّه مُحَفّز، ويدعوك باستمرار لتضع أذنك على الأرض لتُنصِتَ إلى "الصوت الحقيقي".

العلم: أعتمد على المنطق أم الحدس؟

يشعر معظم كبار المسؤولين التنفيذيين بالحدس، بحسب إحصاءات، ويتصرّفون وفقًا لهمساته، خاصّة عندما يتفاعلون مع الأزمات، وعلى الرغم من الاعتقاد الشائع، فإنّ الحدس ليس مفهومًا مرتبطًا حصرًا بالتنمية البشرية، ولكن هناك أساسًا عصبيًا علميًا لذلك. تُشَدّد ميلودي وايلدنغ، أستاذة جامعية متخصصة في السلوك البشري، بمقالٍ لها على موقع "كوارتز" على ضرورة فهم "علم الحدس"، كيف يمكن لحدسك أن يثمر، وتتمكّن من تحديد صوت الحدس، ولا تتخلّى في نفس الوقت عن المعطيات الواقعية والأسباب المنطقية للأمور، بالعكس يساعدك هذا العلم أن تُوظّفها لحدسك. via GIPHY يقول العلم، بحسب المقال، إن العقل البشري مُبرمج على رؤية الأنماط؛ فالدماغ لا يعالج المعلومات من "الصور والأصوات" التي ترد إليه من الواقع فقط بمجرد دخولها، ولكنّه يُخزّن أيضًا أفكارًا من كلّ التجارب السابقة، ويحوّلها إلى أنماط، الأشخاص الذين آذوك، الروائح المقترنة بتجارب حميمية، الكلمات التي سمعتها في مناسبات رائعة، ثم يفهرسها، ويحفظها في كاتالوج ذاكرتك، وحدسك من جهة أخرى يتطوّر ويتوسَّع كلّما تقدمتَ في العمر، ومن تلك الذاكرة العميقة يستمدّ الحدس قوّته حتى يتمكّن من إخبارك بـ"القرار الصحيح".
نحن نرى ما نريد رؤيته وليس الواقع بسبب الخوف، وهذا الخوف يعود جذره إلى الخوف من الجنس
بعبارة أخرى القرارات الحدسية مبنية على أساس المعطيات، بطريقة ما، عندما تكتشف بملكة الحدس الأنماط المخزنة في الذاكرة "تسميها الكاتبة معالم جسدية" بطريقة لا شعورية، يبدأ الجسم في إطلاق المواد الكيميائية العصبية في الدماغ والأمعاء، وهذه المَلَكَة إنسانية لا يمكن أن تُحقّقها البيانات الضخمة، وهي أسرع من التفكير العقلاني، ممّا يعني أنّ الحدس مهارة ضرورية يمكن أن تساعد في اتخاذ القرارات، خاصة عندما يكون الوقت قصيرًا، ولا تكون التحليلات التقليدية متاحة. يقول العالم ستيفن جونسون إن الابتكار هو نتيجة لتراكمات تجارب حدسية استغرقت وقتًا، والاختراعات المتنوّعة عالميًا من الأشعة السينية إلى البنسلين، هي مجرد "مصادفات سعيدة"، تُجسّد الحدس كفعل وواقع. ويذكر التقرير أنّ 18% من المديرين التنفيذيين في أمريكا يتدربون على إعمال حدسهم في مدة تصل إلى خمس سنوات، وتستثمر البحرية الأمريكية ما يقرب من 4 ملايين دولار لتمكين البحارة والمارينز من صقل حاستهم السادسة، لأنّ الحدس يحل محل التفكير في المواقف العالية المخاطر خاصة في ساحة المعركة. ولكن، بما أنّ الحدس يخضع لمجموعة من تجارب شخصية، فإنه يخضع للرأي والتحيز، لذا من المستحيل في مناسبات عديدة اتخاذ رأي دون استخدام المعطيات، فالبيانات الكبيرة والضخمة يمكن أن تشير إلى أنماط خفية لاكتشاف أدمغتنا، لذا يمكن أن تكمل البيانات وحدسنا بعضها بعضًا.

أوشو: 5 صعوبات تغلّب عليها، أبرزها الخوف من الجنس

قدرتنا على الحدس أصيلة وموجودة داخلنا، ولكن النفس الإنسانية خربة، واتخذ شكل الخراب هذا 5 طبقات تُغلّف مَلَكة الحدس بداخلنا، كطبقات البصل، عليك أن تُقشّرها طبقة طبقة لتصل إليها، وهي تشبه الفراغ، أو "الفناء" كما يسمّيها المتصوفة العرب، هذه هي نظرة المعلم الهندي أوشو. أما المرأة، بحسب أوشو، فلديها رغم كلّ شيء القدرة على التخمين الصحيح المباشر، هذه القدرة هي جزء من الحدس، إنّ المرأة لا تستطيع أن تُفسّر ذلك، فقط تشعر به كومضة، كحركة في أمعائها، ويربط ذلك بقدرة النساء على التخلّص من الأفكار الثابتة والمنطق للوصول إلى الاستنتاجات. يقول أوشو في الجزء الثاني من كتاب "الصوفيون: أهل الطريق" إنّ الحدس ظاهرة لا نعلم عنها شيئًا، ولا نعلم بوجودها من الأساس، لأنهّا في الطبقة السادسة من النفس، والطبقات الخمس الأخرى سميكة للغاية، إلى الدرجة التي تجعلنا نستبعد وجود شيء تحتها. INSIDE_7ads

يدعونا أوشو إلى أن نكتشف ذلك بأنفسنا:

الطبقة الأولى: حواس الجسد المخربة، نحن نرى ما نريد رؤيته وليس الواقع بسبب الخوف، وهذا الخوف يعود جذره إلى الخوف من الجنس، حتى تحوّل التواصل الحميمي بين البشر إلى تابو، ويُشكل خوفنا من الجنس، بحسب أوشو، جذرًا لكل أشكال الخوف من العالم وأنفسنا، ممّا سمّم في النهاية حواسنا. الطبقة الثانية: التكيف، بكلّ أشكاله "السياسية والاجتماعية، والدينية، والايديولوجية"، نتعب من المقاومة، ونتنكّر لمشاعرنا الداخلية، ونعتنق الأكاذيب والخرافات، حتى نتماشى ونتكيّف مع ما هو سائد. الطبقة الثالثة: التبرير، أنت لا تفكّر بشكل أصيل فيما هو صائب أو خاطيء، أنت تُبرّر وضعك وظروفك، حتى لا ترى أجواء الخوف والكبت والقمع، وتُسلّم نفسك إلى الشعور بالرضا، وتوهم ذاتك بأنّك كائن عقلاني. الطبقة الرابعة: الشعور العاطفي الزائف، الكثير من المشاعر والكلام واللغط حول لاشيء، ضجة بلا طحن، والعقل الأنثوي خبير في ذلك جدًا، إنّه نوع من المشاعر الطائفة على السطح، تشعر أنك متعاطف مع المقموعين، ولكن لا تفعل شيئًا، تشعر بجاذبية حيال المرأة الجميلة، ولكن لا تمارس الجنس معها، تشعر بحبك لله ولكن لا تصلي، أنت لا تعرف الشعور الحقيقي الذي تتبعه المشاركة والالتزام. أنا أعرف أن كلامك صحيح، ولكن لا أستطيع أن أنفذه، تعتقد في الصوفية ولكنك تعيش بطريقة أخرى، تؤمن بالحريات والمساواة ولكن تقمع زوجتك وبناتك وأخواتك. "التعاطف هو فعل، وليس مشاركة الآخرين في البكاء". الطبقة الخامسة: الغرائز، تم إفسادها، وتسميمها، وقمعها، وتشويهها. العديد من الناس الصالحين مكبوتون جنسياً، وهذا ما يؤثر على علاقاتهم، وعلى مشاعرهم الدينية، وحيال أصدقائهم، فتتداخل العاطفة مع الجنس، الروحانيات والتأمل مع العاطفة الإنسانية، هذه الطبقة يعتبرها أوشو "خبرة ذكورية" إذ دفع التسمم الذي نال من غرائز الرجال الحيوية إلى العقلانية، بدلًا من أن أتفاعل مع العالم بحب وبأصالة، وأحاول اكتشافه، واكتشاف نفسي من خلاله، أراه كعدو، وأحاول استغلاله، وتدميره ليخضع لي. وقد تجلّى ذلك في الحضارة الغربية منذ القرن الثامن عشر، عندما تبنت الفلسفة العقلانية التجريبية، والتي تقتضي عزلة الإنسان "الذات" عن العالم "الموضوع"، ليتمكّن من تجزئته وتحليله وإخضاع بعض منه لرغباته، وتنكرّت للحدس، حتى أعاد الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون إحياءه في النصف الأول من القرن العشرين، وبنى مقاربته المعرفية على الحدس. الطبقة السادسة: الحدس ولكنه الآن تالف وخرب، ولكن معظمنا لا يشعر بوجوده من الأساس، بالنسبة له شيء غامض غير مفهوم، ومخيف أيضًا، الطبقة الخامسة الذكورية سميكة جداً، تجعلنا نشك في وجود الحدس. هذه الخبرة الذكورية المتمثلة في العقل، والمنطق، والاعتماد على الحسابات والمعطيات والبيانات، تجعلك عدائيًا حيال الحدس، كثير من العلماء والمتصوفين وجدوا حلولًا لمشاكل كبيرة عبر الحدس، بوذا نفسه ظل يناضل ست سنوات ليصل إلى الاستنارة، ولكنه فشل، وفي يوم واحد كان منهكًا، وأسقط الفكرة من عقله، استراح تحت الشجرة، وعندما فتح عينيه بعد نوم عميق… الاستنارة، رآها بشكل فوري ومباشر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image