البيجامة، طقوسها وتفاصيلها وذكرياتها، هي أكثر من الشكل والقماش الذي صُنعت منه. فلماذا يا تُرى نحبّ البيجامة؟ أكاد أجزم، أن في كل زيارةٍ لي إلى مدينتي عكّا، قادمةً من برلين، أجد والدتي قد اشترتْ لي "بيجامة" جديدة، سواء كانت بيجامة صيفٍ أو شتاء. على مستوىً شخصي، لم أبادر يوماً الذهاب إلى مكانٍ لبيع البيجامات وشراء واحدةٍ لي، مقارنةً بأختي ووالدتي وعشرات الأصدقاء والصديقات من حولي "المدمنين والمدمنات" على البيجامات.
لم ألمس عمقَ ظاهرة البيجامات في أوروبا مقارنةً بما يحدث في المنطقة العربيّة، مع أنها موجودةٌ وتُباع في محلاتٍ عديدة، منها المختصةُ بالبيجاماتِ والملابس الداخليّة، خاصّةً النسائيّة منها. ورَغم وجود البيجامات الصيفيّة، إلا أني أعتقد أنها مربوطةٌ أكثر مع طقوس فصل الشتاء، وفقاً لمناخ البلد وتوفّر الشتاء عامّةً فيه.
وفي عصرنا اليوم، رغم أن الرواجَ الأساسيَّ هو للبيجامات النسائيّة، بألوانها وتصاميمها، لكن شخصياً، عندما أقول بيجامة، أوّلُ ما يخطر على بالي هي البيجاماتُ الرجاليّةُ الشتويّةُ المليئةُ بالمكعبات والخطوط، وعلى ما يبدو أن العديد من الرجال في المنطقةِ العربيّة لديهم واحدةٌ مثلها، حتى لو لم يلبسوها، وبقيت في الخزانة سنواتٍ.
المهمّ، عندما سألت أمّي لماذا تحبّ شراء البيجامات لنا؟ قالت: "لأنها مريحة للنوم، واسعة، ويمكن صارت من عاداتنا، وبتعطي شعور أو بتوحي للنوم لما الواحد يلبسها". ولربما، من هنا كلُّ فكرة هذا التقرير حول البيجامات، وطقوسها، التي تحمل معها أسباباً وتفاصيلَ وكثيراً من الذكريات، هي أبعد من شكل البيجامة والقماش الذي صُنعت منه وماركتها. فلماذا يا تُرى نحبّ البيجامة؟
بدايةً، من الجدير ذكرُ تاريخ البيجامة، وهي حسب القاموس تعني: "لباس مكوّن من قطعتيْن يُلبس في البيت"، وتُسمى أيضًا بـ"منامة". والكلمة "بيجامة" هي بالأصل فارسيّة، ومنبع البيجامة الأوّل الهند. وبيجامة، بالفارسيّة، تعني السروال، أي ملابس القدميْن أو كساء القدميْن، وبالإنجليزيّة leg garment. وهي تُلبس بالأساس للنوم، أي كملابس ليل، لكن أحياناً، تُلبس في النهار كملابس "تهدئة" في البيت.
ومن الهند، انتقلت إلى أوروبا، خلال فترة حكم شركة هند الشرقية البريطانية. أما السؤال حول حبّ البيجامة، والحفاظ على عادة ارتدائها قبل النوم، قمت بتوجيهه عبر صفحتي في موقع فيسبوك، وتفاجأتُ - إيجاباً طبعاً - بكمّ الأصدقاء والصديقات المخلصين والمخلصات للبيجامة من المحيط إلى الخليج.
عند السؤال عبر صفحتي في فيسبوك، حول حبّ البيجامة، تفاجأتُ بكمّ الأصدقاء والصديقات المخلصين والمخلصات للبيجامة من المحيط إلى الخليج
"تذكرني البيجامة بالصباحاتِ في قريتي كرصور، والذهابِ إلى المخبز قبل المدرسة. تذكرني بالأعراس الكرديّة حيث كانت العروسُ تحرصُ على شراء بيجاماتٍ جميلة لعريسها"
"تذكرني البيجامة بالأعراس الكرديّة"
في حديث مع مروان علي، شاعرٌ وصحفي سوري،٤٧ عاماً، حول البيجامات، قال: "تذكرني البيجامة بالصباحاتِ في قريتي كرصور. والذهابِ إلى المخبز قبل المدرسة. تذكرني بالذين يحبّون العنايةَ بأنفسهم ويحبّون تفاصيلَ الصباحات في القرى البعيدة والمدن الصغيرة على أطراف طوروس، القامشلي، عامودا، ديريك.. والجلوسَ تحت شجرة التوت وفنجان القهوة. تذكرني البيجامة بسوقِ القماش في القامشلي والألوانِ الجميلةِ على الرفوف في الدكاكين القديمة. وتذكرني بالأعراس الكرديّة حيث كانت العروسُ تحرصُ على شراء بيجاماتٍ جميلة لعريسها".البيجامة في غرفة الفندق
أما نرمين نزار سرحان، كاتبة ومترجمة من مصر ولبنان، قالت عن علاقتها بالبيجامة: "لأن أدفأ شيء - أي من الدفء العاطفي - هي الشراشف النظيفة والمفروشة أوّل ما ننزلها عن حبل الغسيل، كذلك البيجامة النظيفة بعد الحمام. ربما تذكرني هذه المشاهد بالطفولة. لأنه يرتبط بالنظافة ومن المستحيل أن يحدث خارج البيت. هذا المشهد يستدعي أحاسيسَ لطيفة جداً، الإحساس بالراحة في البيت - أكثر مكان من المفروض أن يكون مريحاً بالعالم - وفي وقت آخر الليل. كما أن وجبة الفطور مع البيجامة، فيها الكثير من الحميميّة. سواء كنّا في بيت يحبّنا أو مع من يحبّنا". تضيف "الموضوع بالنسبة لي لا علاقة له بالمنطق أو حسابات النظافة، لكن له ارتباطاً قوياً بمشاعر الأمان والدفء التي يوفّرها البيت وتوفّرها النظافة. البيت، مفهوم، لكن النظافة معناها بالنسبة لي أن أرتاح بمكانٍ يخصني. من الصعب أن أستحم وأنا في مكانٍ غريب، حتى غرفة الفندق تحصل على حميمتها بعد حمامٍ ساخنٍ طويلٍ وبيجامةٍ نظيفةٍ نرتديها فيها. لو لا يمكن أن أقوم بهذه التفاصيل في مكانٍ ما، لن يتحوّل إلى مكان يخصني".بيجامة صناعة مصريّة
معظمَ حياته، كان باسم شرف، كاتب من مصر، ٣٨ عاماً، يحبُّ النوم في ملابس قطن صافي بلا بلوستر أو أية مادة دخيلة "لكني كنت أرتدي البيجامة فقط عندما يشتريها لي أهلي. عندما كبرت، كانت البيجامات تُباع في أماكن قليلةٍ جداً، لأن المحلات والمصانع المصريّة أغلِقت، لذا اعتدت على ارتداء الترنجات". يتابع "وفي يوم من الأيام، وأنا أمشي في أحد الشوارع، وجدت منفذ بيع شركة التعاون بغزل المحلة، دخلت، ووجدت بيجاماتٍ كلها قطن، ومصريّة ١٠٠٪، سُعِدتُ جداً، واشتريت واحدةً وعدت إلى طقوس البيجامة كل يوم. ولم أتصوّر أني سأكون سعيداً بسبب صناعةٍ مصريّةٍ، رغم أننا كنا رواداً في صناعات الغزل والقطن، لكننا نرتدي اليوم صناعةً صينيّة، وعندما تكون فقيراً، فستشتري ملابس رخيصة تحتوي على مواد تكميليّة تؤذي الجلد"."تشعرني براحة وتحرر الجسد"
روزين عودة، صحافيّة من فلسطين، تقول عن علاقتها بالبيجامة: "أحافظُ على ارتداء بيجامتي، ولا يمكنني النوم دونها. وسوف أعطيكِ معلومة صادمة: عند الساعة الثامنة والنصف مساءً، أكون قد ارتديت البيجامة. لماذا؟ لأن ارتداء البيجامة يعني أني أنهيت العمل خارج البيت وداخله أيضاً. وهي تمنح جواً عائلياً حميمياً، ومريحة جداً، تشعرني براحةٍ وتحرر الجسد، وتحررنا من الملابس الداخلية. تهيئني البيجامة إلى طقوس السهر في المنزل، ومشاهدة فيلم، أو أحاديث مع العائلة والاستماع إلى قصصٍ على الشرفة، أو مطالعة روايةٍ أو قراءة كتاب. كما أنها تجهز لمزاج النوام، لأن الملابس تؤثر على الأداء اليوميّ، لذلك عندما أستيقظ صباحاً أبدل البيجامة بملابس الخروج فوراً، لا يمكن أن أبقى مع البيجامة بعد السادسة والنصف صباحاً!".البيجامة ستذكرني دوماً بكل فصول الشتاء التي عاشها والدي، والتفاصيل الصغيرة البسيطة وربما التافهة، لكنها ثمينة اليوم، والتي حدثت حول صحنِ لبنة وخبز محمّص بالفرن، ولن تعود
البيجامة وتفاصيل لا يمكن تكرارها
الكثير من الإجابات التي وصلتني حول حبّ البيجامة مرتبطةٌ بالبيت، والشعور الذي يمنحه البيت، خاصّة ذلك الأمان، الذي يفقده عشرات البشر كل يوم في المنطقة العربيّة، لأسبابٍ غالبها قسريّةٌ. الكتابة عن البيجامة ليست للكتابة المباشرة عن الملابس الخاصة بالنوم، مع أني لا أقلّل من أهمية ذلك، إنما الكتابة عمَّا تحمل معها هذه الملابس عند كل شخص، في قصصه وذكرياته، إن كان هناكَ ما تحملُه. بالنسبة لي، ورَغم أن فعل شراء البيجامة يعود لوالدتي، وأختي الصغيرة، لكن البيجامة ستذكرني دوماً بكل فصول الشتاء التي عاشها والدي، والتفاصيل الصغيرة البسيطة وربما التافهة، لكنها مهمّةٌ اليوم، والتي حدثت حول صحنِ لبنة وخبز محمّص بالفرن، ولن تعود. هبة عبيد، صحافيّة من فلسطين وسورية، تعيش في برلين، عن علاقتها بالبيجامة تحكي لنا: "عندما كنّا صغاراً في حلب، كانت بيجامة العيد وبابوج العيد، أشياءٌ مهمّة جداً، بعد ما نستحم على يدي والدتي، وترتكب فينا جرائم حربٍ بسبب كمية المياه الساخنة وصابونة الغار التي تضعها علينا. بعدها، يذهب كلٌّ منا إلى غرفته، ويجد بيجامةَ العيد الجديدة تحت السرير، وإلى جانبها بابوج العيد، نرتديهم ونذهب لنقبّلَ والدتي قبل التوجه إلى النوم. منذ ذلك الوقت، ترتبط البيجامة عندي بالعيد".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 11 ساعةسلام
رزان عبدالله -
منذ 21 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 6 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع