شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
البدون: ماضٍ لا يؤرَّخ وتُمنَع قراءتُه

البدون: ماضٍ لا يؤرَّخ وتُمنَع قراءتُه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 8 سبتمبر 201811:38 ص

بدون الكويت أو عديمو الجنسيةِ من سكان الكويت، غالبيتهم أبناءُ البادية من قبائل شمال الجزيرة العربية، استوطنوا في فتراتٍ متفاوتةٍ من تاريخ البلاد، وقد زحفوا مع الشيخِ مبارك الكبير، مؤسسِ الكويت الحديثة إلى الصريف 1901، ولم يغادروا الكويت إلا لقضاءِ أشغالهم المعتادة كالتجارةِ والرعي وراءَ الماء والكلأ.

لذا عند صدورِ قانونِ إقامة الأجانبِ في الكويت، عام 1959، استثنت أبناءَ البادية، الفقرةُ "د" من المادة 25، انطلاقاً من ذلك، ترى مشروعيةَ وجودِهم على أرض الكويت، وجودٌ مشروعٌ وقانونيٌّ في نظامِ حكمٍ يستمدُّ شرعيتَه من الدستور واحترام القانون. بدأت قضية البدون رسمياً عام 1959 وتجلت بوضوحٍ بعد استقلال الكويت عام 1961، فالقانون لم يضع حلاً لمن طالبَ بالجنسية الكويتية بعد هذا التاريخ، وقد أخذ القانون في مادتَيه الثانية والثالثة باكتساب الجنسية. لذا يرجعُ عدمُ الحصول على الجنسية إلى:
 1- رفض للمادة الثانية، باعتبارهم بقوةِ قانونِ الأرض والدم مواطنين بالتأسيس.
 2- قصْر فترةِ الإعلان عن التقدم لطلبِ الجنسية.
 3- قلّةُ الوعي لأهمية الحصولِ على الجنسية عند غالبيةِ أبناء البادية.
 4- ضعفُ حملاتِ التوعية التي من المفترض أن تدعو المعنيين بالحصول على الجنسية، خاصةً من استوطنوا خارج المدينة بعد عام 1959.
 5- أيديولوجيا القبليةِ والطائفيةِ الغالبة على أعضاءِ اللجانِ المانحةِ للجنسية. كذلك كان شرطُ الحصول على الجنسية هو الوثائقُ اللازمة في الفترة من عام 1920 إلى عام 1950، لكن حقيقةً، لم تكن هناك أية إحصاءاتٍ رسميةٍ للمواطنين قبل عام 1950 تخوِّل للدولةِ منحهم الجنسية!
 آخر الأسباب أن السلطة اعتبرت موضوعَ الحصول على الجنسية أمراً سيادياً يحول دونَ قبول أيّ متضرر اللجوءَ إلى القضاء، ما سدَّ البابَ أمام كافة من حُرموا من الجنسية. يرجعُ مصطلحُ البدون لكونهم دونَ جنسية أي عديمو جنسية، تناقلتهُ الأوساط الشعبية في الستينيات والسبعينيات، ثم تدرجوا في الوثائقِ الرسميةِ مواطنين "بدون جنسية"، إذ أن منظمةَ أوبك تحتسب حصةَ كلِّ دولةٍ وفقَ عدد أفراد مواطنيها! وبعد أن حولتْ أوبك نظامها إلى حصصٍ لكل دولةٍ بدلاً من الأفراد، أصبحوا عديمي الجنسية أو البدون غير المرغوبِ بهم، وأصدرت السلطةُ وثيقةً سريةً عام 1986 تنصُّ على اتباع سياسةٍ أشبهَ بسياسة الابرتهايد.
 منتصفَ الثمانينيات، تحديداً عام 1986، اتبعت السلطة بحقِّهم سياسات تضيّق، ومُنعتْ الصحف من نشرِ شكاويهم، بالمقابل نشطت كلُّ الأبواقِ العنصريةِ لمحاولة سدّ الفراغ لكل من يتساءل عن البدون، إضافةً الى عزلهم الممنهج، فأُخرِجوا من المدارسِ الحكومية، وصَعُبَ عليهم الالتحاق بالمدارس الخاصة لارتفاعِ كلفتها. وتمَّ فصلهم من الوظائف الحكومية والتضييق عليهم في القطاع الخاص، وتركيز سكنِهم في مناطق محددة، واتباع إجراءاتٍ معقدة تؤدي نهايةَ المطاف إلى التضييق على حقّهم في السكنِ والعمل، ما أنتج زيادةَ نسبةِ الأميّةِ بينهم وتفشي الجريمة.
 مطلعَ التسعينيات، بعد تحرير الكويت مباشرةً من براثن العدو الغاشم، روَّجتِ السلطة عدّةَ دعاياتٍ كاذبة، ساعد على انتشارها رأيٌ عامٌ مشوشٌ ومشحون، كانتساب فئةِ الكويتيين البدون للجيش الشعبي، والحقيقة، فئةُ الكويتيين البدون أولُ من تصدى للقواتِ الغازية موقفِين تقدمها ومانعِين وصولها إلى العاصمة في معركة الجسور أو معركة اللواء 35 أو معركة الأطراف، كواحدةٍ من أهم المعارك التي خاضها الجيش الكويتي يوم الثاني من أغسطس 1990، فشكّلوا 90% من قوات اللواء 35 ومن الجيش الكويتي 80%، وكان منهم المقاتل والمقاوم والأسير والشهيد.
 شائعةٌ أخرى رُوجَت منتصفَ التسعينيات، هي أن البدون دخلوا فترةَ الغزو الغاشم، الحقيقة، وجود ‎البدون سببٌ لإقرارِ الأمم المتحدة شرعيةَ تحرير الكويت حين احتج الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران قائلاً إن نسبة الكويتيين قليلةٌ في الداخل، فأضافت الحكومة إليهم عديمي الجنسية أو ‎البدون باعتبارهم كويتيين مشمولين في حصة النفط، ورغم هذه الحقائق إلا أن دعايةَ السلطة نجحت في زرعِ الكراهية تجاههَم، والغضبِ، والحيرةِ في التعامل معهم.
 أما في العقدَين المنصرمين أنشأت السلطاتُ المتعاقبة، أجهزةً تتبعُ سياسات 1986 ولجاناً أشبه بثكناتٍ عسكرية، وبأسلوب ترويعٍ وتهديدٍ وبحث وتحرٍ بإدارة عسكرية لا تقدم حلولاً، أبرزها اللجنة التنفيذية التي أُنشئَت عام 1996 واستمرت 14 عاماً. احتقارٌ ومهانةٌ وتكتمٌ إعلامي، هيّأ الأرضَ الخصبة لكل عملٍ عنصري، إلى أن أنشئ الجهاز المركزي عام 2010 من طرف مجلس الوزراء، يترأسُه صالح الفضالة المرشح من مجلس التخطيط، وليس سراً أن هذا الأخير لم يأتِ لحل قضية البدون بل جاء لعرقلة الحل، وتفنَّنَ في ظلمهم، إذ مترجَمُ ما قاله قبل سنواتٍ عندما كان نائباً في مجلس الأمة أن "تجنيسَ البدون هو طمسٌ لهويتنا وهؤلاء سيحكمونَنا بعد عشرين سنةً"! الفضالة المُكلف بحلّ القضية يمارس صلاحياتِه للآن 2018 بصفةٍ غيرِ قانونيةٍ بعد انتهاء مدة عمله في نوفمبر 2017 دون تجديدٍ حتى اللحظة، ومن سخرية القدر تحولَ البدون في رئاسته إلى "مقيمين بصورةٍ غير قانونية" بعد أن كان مُسمَّاهم "غير محددي الجنسية"، مصطلحٌ لا ينطبق على فئةِ البدون أو عديمي الجنسية، ومصطلح "غير محددي الجنسية" وردَ للفئات المشردة، نتيجةَ الحربين العالميتين الأولى والثانية! منذ إنشاءِ الجهاز المركزي، المنبثقِ أصلاً من اللجان السابقة، حتى اللحظة، لم يحقق شيئاً، سوى ممارسةِ التضييق والأذى وطمسِ هويتهم الكويتية، ومحاربتِهم في أرزاقهم ومصالحهم الشخصية والحياتية، ولم يكتف إذْ سعى طوالَ السنواتِ التسع، لتضليلِ الرأي العام بتصريحاتٍ وأرقامٍ خادعة.

بدون الكويت غالبيتهم أبناءُ البادية من قبائل شمال الجزيرة العربية، استوطنوا في فتراتٍ متفاوتةٍ من تاريخ البلاد، صُنِّفوا تحت مسمياتٍ عدة، مواطنون بدون جنسية، مقيمون بصورةٍ غير قانونية، غير محددي الجنسية.. وجميعها بهدف طمسِ هويتهم الكويتية
تمّ فصل البدون من الوظائف الحكومية والتضييق عليهم في القطاع الخاص، وتركيز سكنِهم في مناطق محددة، واتباع إجراءاتٍ معقدة تؤدي نهايةَ المطاف إلى التضييق على حقّهم في السكنِ والعمل، ما أنتج زيادةَ نسبةِ الأميّةِ بينهم وتفشي الجريمة
اليَوْم، تقدر هيومن رايتس ووتش تعدادَ فئة الكويتيين البدون بنحو 105.702 شخص بدون جنسية من سكان الكويت، يتجرّعون مرارةَ الظلم والحرمان من أبسط مقومات الحياة، غدوا "مقيمين بصورةٍ غير قانونية" في بلدٍ وُلدوا وترعرعوا أجيالاً منذ نشأته ولا يعرفون غيره وطناً. 60 عاماً قضية البدون في رحى دراسةٍ وتمحيص، وما زال النظر مستمراً! في الختام، لا بد من شكر رئيس حركة الكويتيين البدون سيد محمد والي العنزي، ومن ساهم في هذه القضية الإنسانية، مِن أجل إحقاقِ الحق لأهلها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image