مُحبط ومُحزن... هكذا هو وقع قرار الرقيب المصري حجب رصيف22 علينا. أنْ يأتي شخص ويحاول فصلك عن جمهور أحببته وبعضه أحبّك ليس أمراً بسيطاً على العاملين في وسيلة إعلامية. وما هو هدف وسائل الإعلام المستقلة إنْ لم يكن خلق مساحة تواصل لتعميق فهم الناس بعضهم لبعض؟
في السادس من سبتمبر 2018 وصلت مقصلة الرقيب المصري إلى رصيف22. لم يكن وقع القرار سهلاً علينا ولكنه لم يكن مفاجئاً لنا. منذ أشهر طويلة تصلنا أخبار بـ"الهمس" تقول لنا "امشوا جنب الحيط. العيون مفتوحة عليكم".
لم نحاول يوماً الاستثمار في سياسات الكره التي تعمّ الدول العربية وشرائح من شعوبها في السنوات الأخيرة. لم ننقل شائعات. لم نحرم أية جهة من منصتنا للتعبير عن رأيها في القضايا التي نكتب عنها. لم ننشر شائعات لا حول دول ولا حول سياسيين وابتعدنا عن الأخبار الصفراء ونفتخر بذلك.
ولكن أن "نمشي جنب الحيط"؟ لماذا؟ لمَن الشوارع والميادين إنْ لم تكن للمواطنين ولوسائل الإعلام ولكل إنسان بما يمتلكه من حق أصيل في حرية التعبير؟
المقصود من نصيحة "امشوا جنب الحيط" هو الابتعاد عن قضايا الناس وهمومها والتطبيل والتزمير للسلطات ورجالاتها، وهذا تماماً نقيض ميثاق الشرف الذي تعاهدنا عليه في رصيف22.
لم نكن يوماً نجهل "الخطوط الحمراء" التي رسمها الرقيب المصري أمام وسائل الإعلام. تابعنا قصص أخبار حجب المواقع، ككل المهتمين بمجال الإعلام، ولكننا قررنا أن نتجاوزها، لأن فلسفة وجودنا قائمة على تجاوز "الخطوط الحمراء". هناك إعلام السلطة وهناك إعلام المواطن ورصيف22 هو جزء من إعلام المواطن.
يتساءل كثيرون لماذا حجبنا الرقيب المصري. "الهمسات" التي كانت تصل إلى مسامعنا، ورصدنا للمشهد الإعلامي في مصر، يعرّفنا على "جريمتنا"، أو بالأحرى على "جرائمنا".
وللأمانة، نعترف ونقرّ بأننا ارتكبنا الجرائم التالية:
ـ كتبنا عن القيود على الصحافة وعلى التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي؛
يتساءل كثيرون لماذا حجبنا الرقيب المصري. "الهمسات" التي كانت تصل إلى مسامعنا، ورصدنا للمشهد الإعلامي في مصر، يعرّفنا على "جريمتنا"، أو بالأحرى على "جرائمنا"... نعترف ونقرّ بأننا ارتكبنا الجرائم التالية:
لم نكن يوماً نجهل "الخطوط الحمراء" التي رسمها الرقيب المصري أمام وسائل الإعلام. ولكننا قررنا أن نتجاوزها، لأن فلسفة وجودنا قائمة على تجاوز هذه الخطوطـ كتبنا عن الإجراءات الحكومية الهادفة إلى إنكار الحقائق التي تكشف عنها المنظمات الحقوقية؛
ـ كتبنا عن إلقاء القبض على كل صاحب صوت مختلف عن صوت أجهزة السلطة، أكان سياسياً أو فناناً أو ناشطاً حقوقياً؛
ـ كتبنا عن إلقاء القبض على أقارب معارضين للي أذرعتهم؛
ـ كتبنا عن احتضان معارضين غير مصريين لاستثمارهم سياسياً ثم التضييق عليهم لنفس الغرض؛
ـ كتبنا عن سيطرة "الأجهزة السيادية" على وسائل الإعلام لتحويلها كلها إلى إعلام الصوت الواحد؛
ـ كتبنا عن عدم ضعف آليات حماية النساء من التحرّش؛
ـ كتبنا عن السياسات التي تستهدف المثليين والمتضامنين معهم؛
ـ كتبنا عن أسباب ظاهرة التطرّف الكثيرة والمتداخلة؛
ـ كتبنا عن جمود الفكر الديني وعدم جدية الحديث عن إصلاح الخطاب الديني؛
ـ كتبنا عن تزييف أحداث التاريخ وقلب الحقائق...
هذا غيض من فيض جرائمنا. نقرّ ونعترف بها ونضعها برسم القضاء والقضاء الذي نحتكم إليه هو قراء الموقع، فقط لا غير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...