شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصص الموتى: العائدون من هناك والمغادرون بابتسامة

قصص الموتى: العائدون من هناك والمغادرون بابتسامة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 3 سبتمبر 201802:25 م
حينما أراد ويل سميث في رائعته Collateral Beaughty شرح أهم النقاط التي يرتكز عليها عالم التسويق، وضع الموت من ضمن ثلاثة أشياء بجانب الحب والزمن، في قائمة صغيرة تمتاز بأنها الأكثر بحثًا وشغفًا لدى جميع البشر. لذلك بطبيعة الحال فإن للموت معادلة غريبة تتمثل في أن يكون هو العدو الأكثر رعبًا في العالم حتى ولو كنت أنت لا تخشاه ولكنه قادر على قلب موازين حياتك إذا ما قرر زيارة ديارك من أجل أحد الأحباب، وفي نفس الوقت، وبالرغم من حدسنا الذي يخبرنا دائمًا أن نهرب منه، أكثر ما يشغل بالنا حتى أنه يستحق لقب ملك العقل الباطن دون منازع بين هروب وغموض وشغف في بعض الأحيان. السبب في الغموض حول الموت هو أنه لم يذهب إليه أحد مسبقًا ثم عاد لكي يخبرنا كيف يبدو، أو أي قصة رويت عنه كانت هي القصة الحقيقية أو حتى يؤكد لنا أنه كان في عدم فارغ تمامًا، ولكن كل ذلك تغير لدى قطاع كبير من الناس بمختلف معتقداتهم عندما أفصح البعض عن خوضه تلك الرحلة بالفعل.

رأيت ما آمنت به!

في 19 يونيو 2013 نشرت شبكة CNN الأمريكية تقريرًا بعنوان "رأينا الجنة، إنها فعلًا موجودة" عن روايات لأشخاص نجحوا في العودة من الموت ما أثار ضجة كبيرة حينذاك". القصة الأولى يرويها إيبن ألكسندر الذي كان يرتاد الكنيسة بانتظام إلا أنه كان يفعل ذلك دون اهتمام، فقط مجرد أمر اعتيادي، حتى وجد نفسه في يوم ما يلاحق ضوءًا أبيض لامعًا يعلوه بريق ذهبي في طريق مؤدٍ إلى الجنة – على حد وصفه – قبل أن يعرف من زوجته لاحقًا أنه كان قد مات عن عمر يناهز الـ 54 عامًا حينما خاض تلك الرحلة في عام 2008 ومن ثم عاد ليرويها لنا، حتى تطور الأمر وقرر ألكسندر توثيق تجربته تلك في كتاب أسماه "دليل على الجنة" بقي متربعًا على قمة المبيعات ما يقرب من 6 أشهر كاملةً ظل محبوه يرددون خلالها جملته الشهيرة "لا تخافوا ولو بقدر ضئيل...إنّه مجرد انتقال، وليست نهاية لأي شيء. سنكون مع أحبتنا من جديد."
قصة أخرى بطلتها هذه المرة طفلة تعرضت لوعكة قوية حينما كانت في عمر الـ 8 أسابيع بسبب خطأ في إرضاعها تسببت فيه والدتها ما جعلها تفقد القدرة على حركة أطرافها ووعيها أيضًا، وبدت الأمور طبيعية لثلاث سنوات قبل أن تكرر الأم زيارة المستشفى نفسه، وكانت المفاجأة الصادمة في انتظارها حينما صاحت الفتاة "أمي انظري.. هذا هو المكان الذي أعادني فيه الرب إليك"، ووفقًا للأم فهي لم تحدث ابنتها مطلقًا عن الله واللاهوت طوال تلك السنوات الثلاث.
السبب في الغموض حول الموت هو أنه لم يذهب إليه أحد مسبقًا ثم عاد لكي يخبرنا كيف يبدو، أو أي قصة رويت عنه كانت هي القصة الحقيقية، أو حتى يؤكد لنا أنه كان في عدم
يسوع سالت منه الدماء وهو معلق على صليب خشبي، ومحمد قُتل مسمومًا يتألم من سكرات الموت، حتى بوذا تركته وجبته الأخيرة يصارع آلامه، أما هتلر فقد مات مبتسمًا في أحضان زوجته الجديدة حينما قررا الانتحار معًا دون معاناة الخاتمة.
ولم تكن تلك القصص نهاية رحلات البشر بين الموت والحياة، بل تعددت الروايات المُشابهة من مُختلف الثقافات والمُعتقدات.

مصري عاد من الموت وشاهد نفقًا يؤدي إلى الشمس

ريتشارد... اقتادته الملائكة إلى العرش وتحدث مع الرب عن الرياضيات

جول روكو العائد من الجحيم

للذاهبين علامات أيضًا... ابتسامات مثلًا

وعلى عكس قصص العائدين من الموت هناك حكايات أخرى لأشخاص تركوا علامات قوية لرؤيتهم شيء ما قبل الذهاب إليه، مثل مقطع الفيديو ذلك الذي يحمل عنوان "شهيد يرى الجنة"، حيث يظهر شخص يردد الشهادتين ويقرأ آيات من القرآن بل يقوم بوصف الجنة لمن حوله وكيف أنها حقًا تمتلك عرض السموات والأرض وسط تأثر كبير من مرافقيه طال بعض المشاهدين للمقطع أيضًا، قبل أن يتدخل البعض لتوضيح أن الموجود أمامهم ينتمي لمتطرفي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مشككين فيما يحدث.
وفي واحدة من أشهر لقطات الموتى المبتسمين نشاهد شي جيفارا يبتسم بوضوح بعد إعدامه رميًا بالرصاص، والغريب أن جيفارا كان قد تعرض لطلقات مؤلمة قبل تلك الرصاصة القاتلة وما يُزيد الأمر غرابة أنه كان مُلحدًا لا يؤمن بالجنة أو الحياة الأخرى حتى أنه رد مسبقًا على سؤاله حول ما إذا كان يفكر في حياته والخلود. قائلًا: "لا، أنا أفكر في خلود الثورة."
الرياضة أيضًا شهدت لقطات مروعة لوفاة لاعبين أثناء سير المباريات، قد يكون أبرزها لحظة وفاة المجري ميكلوش فيهير في 25 يناير 2004، أثناء مباراة ناديه بنفيكا مع فيتوريا جيماريتش، ويُمكنك رؤية ابتسامة عريضة ارتسمت على ملامحه قبل ثوان قليلة من اصابته بأزمة قلبية ووفاته.
مقطع فيديو آخر لكاهن بوذي يبتسم أثناء موته، تلك المرة كان قد مر على وفاته نحو شهرين

بين طريقَيْ الذهاب والعودة

مقاطع فيديو أخرى تُظهر أحدهم يتمتم بحديث مع الرب أو يشرع في تأدية أحد الطقوس الدينية على الرغم من كونه في غيبوبة تامة، أي أنه لا يعي تحديدًا ماذا يفعل في تلك اللحظة، ولكنه قد يكون يشاهد شيئًا ما لا يراه من حوله، جعله يفعل ذلك دون إرادة منه أو ترتيب.

بروك نيك دخل في غيبوبة والتقى بيسوع

فيديو لرجل يتوضأ في غيبوبته

هل حقا حدث كل ذلك؟ وماذا يقول العلم؟

يقول الطبيب الهولندي "بيم فان لوميل"، الكاتب والباحث في طبيعة الوعي وتجارب الاقتراب من الموت، أن ما يحدث لهؤلاء ممن يسردون قصصًا خاصة عن عودتهم من الموت ومقابلتهم للإله، هو فقط مجرد تقرير من الذاكرة، إذ يستعيد العقل في غياب الوعي بعض الصور التي تكونت داخله في وقت سابق مثل الخروج من الجسد ولقاء الموتى من الأحباء بجانب رؤية مشاهد مكررة من الأنفاق والنور والعناصر الدينية في غالب الأحيان، وأنه خلال عمله في البحث داخل تلك القصص وما شابهها من تجارب وجد عناصر ثابتة تعود إلى الثقافة الدينية مع فروق بسيطة يحددها اختلاف تلك الثقافة حسب هوية الفرد. ويتفق "بيم"، وهو أخصائي الأمراض القلبية بمستشفى ريجنستيت، مع تحليلات علمية تُرجح حدوث مثل تلك التجارب كأعراض لحالات خطيرة مثل حوادث السقوط من ارتفاعات شاهقة والغرق، فيما يُعطي الأفضلية لحالات السكتة القلبية خصوصًا لأنها أكثر الأسباب الكامنة وراء تكرار هذه التجارب. فيما يُرجع البعض الآخر طبيعة روايات العودة من الموت تلك إلى تغير طارئ في فسيولوجية الدماغ كموت خلايا الدماغ أو إفراز مادة الإندورفين مع النقص في الأوكسجين إلى جانب عوامل نفسية أخرى.
أما عن حالات ظهور ابتسامة تعلو شفاه الموتى، فتحليل ذلك علميًا يعود إلى نقطتين: الأولى هي اختيار العقل لرد فعل عشوائي من ردود الأفعال الفردية للشخص المتوفي مثل مظهر الفزع أو الحزن وبطبيعة الحال الابتسام، لذا كلما كان الشخص يُصدر ابتسامات أكثر خلال وعيه زادت نسبة اختيار رد الفعل المُبتسم من العقل في لحظته الأخيرة، النقطة الثانية تعود إلى إيمان البعض بأن الموت هو عبور لحياة أخرى فقط وليس نهاية كل شيء، حينذاك قد يتخذ العقل قراره الأخير بالتقلص أو الارتخاء لعضلات الوجه وفقًا لما كان يشعر به الفرد المتوفي. ومن ناحية أخرى، يشرح الدكتور ماجد مطر لرصيف 22 السر وراء  ظاهرة ابتسام الميت، فيؤكد أن جل ما يحدث هو في غالب الأحيان خلل اصاب العصب السابع ليس أكثر، وأن ما يراه الناس ليس في حقيقة الأمر ابتسامة أو فزعًا ولكنه تقلص أو ارتخاء في عضلات الوجه ما يُعرف علميًا بإسم "تشنج عضلي وجهي" أو Hemifacial spasm. ويُضيف استشاري المخ والأعصاب بالقصر العيني، أن في حالات الإصابة بطلق ناري مثلًا قد يحدث ذلك التقلص نتيجة تلامس الرصاصة مع العصب السابع، وعلى العكس من الممكن أن يرتخي العصب إذا ما أثر عليه شيء أقل كثافة مثل قطرات الدم، ولكن في غالب الأحوال فإن الجسم يبدأ وينتهي من عملية تقلصه كاملًا خلال 4 ساعات تقريبًا وتصبح جميع الأجساد متشابهة. وفي النهاية، على ما يبدو أن الردود العلمية على تلك التجارب تُعطي سببًا كافيًا لتنوع أصحابها بين المعتقدات المُختلفة، أما عن قصص حسن الخاتمة وما لها من انتشار كبير بين أوساط المجتمعات المتدينة، فقد يتردد طوال الوقت على مسمعيك عن فلان الذي توفي مبتسمًا، أو ذلك العدو الذي مات في فاجعة كبرى تدل على سوء الخاتمة وما إلى ذلك من روايات لا تنتهي تبعث بالطمأنينة أحيانًا ولذة الانتقام أحيانًا أخرى، فهل يكفيك أن تعرف بأن يسوع سالت منه الدماء وهو معلق على صليب خشبي يتوسل إلى الرب، وأن محمدًا قُتل مسمومًا يتألم من سكرات الموت داعيًا الله تقليل تلك الأعراض الفتاكة في لحظاته الأخيرة، حتى بوذا تركته وجبته الأخيرة يصارع آلامه، أما هتلر فقد مات مبتسمًا في أحضان زوجته الجديدة حينما قررا الانتحار معًا دون معاناة الخاتمة.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image