شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عذراً كولاني

عذراً كولاني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 27 أغسطس 201804:53 م
كولاني: "العاملة المنزلية"، كما صاروا يقولون. أما أنا، فأراها أكثر كابنتي. ابنتي التي أظلمها… لأني مضطرة…. حقاً. تباً! كولاني، عيني المهى، شفاه اللُمى. الجمال الخام، الخارج بتوحش لطيف من الأرض، الملاك الأسود. شعرت بالأمومة تجاه كولاني منذ مجيئها. وصلت من المطار صبية هادئة، لائقة. قوامها رشيق أولمبي، تلبس ثياباً وحذاءً رياضيين. مهاجرة إلى بلاد غريبة، آتية لتشتغل هنا سنتين، وكل ما معها أمتعة قليلة تحملها بشنطة على ظهرها. أغراض متواضعة، لكنها مرتبة والأساسية من أجل العناية الشخصية. كان واضحاً أنها كلها جديدة، اشترتها خصيصاً للسفر. عندما وقع نظري على كولاني، أول ما طلت من باب المدخل، مسّ دفءٌ حميمٌ صدري كما عندما كنت أشتاق لطفلي، جوجو وراني، وأنا بالمكتب ويحين موعد الرضاعة. ثم شعرت بالذنب تجاهها يوم عيد ميلادها. إذ حصل أن دخلت غرفتي لتريني فيديو أرسلته لها صديقتها بالمناسبة، على واتسآب. غنيت لها "Happy Birthday" بصوت عالٍ مع "ًWooooo" طبعاً وكل هذه الحركات البلا طعمة. عبطتها. بستها. سألتها: "قديش صار عمرك؟" "Seventeen"، ردت. صُعقت! اعتقدت أنها أخطأت بقول ما تقصد. طلبت منها أن تكتب عمرها. كبست على الشاشة: 17. انعصر قلبي عصراً. أنا إذاً ربة عملٍ لقاصر. هذه عمالة أطفال، لا اسم آخر لها، وكل تبرير هو حتماً ساقط منطقياً وأخلاقياً.  اتصلت بصديق حقوقي يعمل بمجال العدل والمساواة. فتحت له قلبي، بحت له أني أتألم، جسدياً حتى. حكيته كما أحكي نفسي: كيف خُدعت لأشارك بهذه الجريمة؟ كيف نظرت في الباسبور إلى الصورة والاسم (الشكل)، انشغلت بهما، وفاتني أن أنتبه أكثر إلى سنة الميلاد (الجوهر). لكن، حسب رأيه، لست وحدي المسؤولة. هذه أمور من شأن وزارة العمل قبلي، كذلك موظفي المطار و"مكتب الخدم" (كما يُسموه) وما يسمحون بتمريره، هم القيمون على القوانين وواضعيها أساساً... قد يكون صديقي على شيء من الحق، أو ربما أراد فقط أن يخفف عني، هو العارف تماماً أني أم تعمل وتربي وحدها تقريباً طفلين لدى كبيرهما حاجات خاصة لا تنتهي. "ماذا يمكنك أن تفعلي أكثر، رنا؟" ختم حديثنا مربتاً على كتفي عبر الأثير.
أنا إذاً ربة عملٍ لقاصر. هذه عمالة أطفال، لا اسم آخر لها، وكل تبرير هو حتماً ساقط منطقياً وأخلاقياً.
أويقن أن "الكفالة" وجه خبيث لعبودية زالت من كل العالم إلا هنا وأمارسها. هكذا. بوقاحة.
أسعى لتكون كولاني مرتاحة بيننا. أحرضها ضد أهلها الذين أرسلوها من أثيوبيا إلى لبنان لأنها رفضت أن تتزوج رجلاً غنياً لا تحبه، فأعلمها أن لا ترسل لهما جنى شقائها وتعبها. يستطيعون أن ياكلوا "بطيخ"… أحرضها ضدي أيضاً، أنا التي أعطيها معاشاً قدره $150 لا غير بالشهر، مع أنّي بدونها لا أستطيع أن أجني حتى دولارا واحدا. أنا جزءٌ من هذا النظام الأبوي - الذكوري الذي أحاول إسقاطه. أؤمن أن "الكفالة" وجه خبيث لعبودية زالت من كل العالم إلا هنا وأمارسها. هكذا. بوقاحة. فاعذريني كولاني - إذا شئت - لأنه، حتى الآن، هذا كل ما طالع بيدي. صورة المقال "قطرتا مطر" للفنانة Kim Seung Young, 김승영، من مقتنيات متحف كوريا للفنون. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard