شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
رقصة السالسا وازدواجية الانفتاح القطري

رقصة السالسا وازدواجية الانفتاح القطري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 20 أكتوبر 201601:42 م

بحسب أستاذ للرقص الأميركي اللاتيني في أحد مراكز السالسا التي أنشئت مؤخراً في الدوحة، فإن دخول هذا النوع من الرقص الى قطر لا يعود الى زمنٍ بعيد.

كان هذا الأستاذ من أوائل الذين خاضوا هذا المجال قبل ٧ سنوات، مواجهاً في البداية صعوبات ومعوقات كثيرة. لم يكن ثمة أماكن مناسبة لممارسة هذا النوع من الرقص، إذ تعتبر دولة قطر من "الوافدين الجدد" من الناحية العمرانية والتطور الحداثي وانتشار الفنادق وأماكن اللهو. لم تقتصر المعوّقات على "الناحية العمرانية"، فقطر كانت في السابق بلداً منغلقاً على ذاته،  انتقل من وجود "المطاوعين" وما يفرضونه من حدود على الحريات الشخصية، إلى إلغاء هكذا نوع من الشرطة الدينية الموجودة حتى اليوم في المملكة العربية السعودية.

تجربة أستاذ الرقص تعكس التغيّر الحاصل في قطر. في السابق، كان وتلامذته يسترقون مكاناً لهم في ملهى داخل فندق يحجزون فيه بضع طاولات في زاوية ما لمزاولة هوايتهم، حيث أنه، ولكونه رقصاً متحرراً، لم يلقَ الترحيب الكافي في مجتمع ما زال في بدايات طريقه نحو الانفتاح. تغيّرت الأمور كثيراً اليوم، فعدا عن وفرة الفنادق والملاهي الليلية، أصبح للسالسا جمهور واسع نسبياً، وعدة أماكن مخصصة لسهرات الرقص الأميركي اللاتيني.

ترافق إقبال الناس على هذا الفن مع زيادة نسبة تسامح القطريين وسكان دول الخليج عموماً مع الأجانب في ممارسة بعض حرياتهم الشخصية. لكن الإقبال على الرقص الأميركي اللاتيني ما زال يقتصر على الجاليات المهاجرة، إذا يشير أستاذ الرقص إلى أنه لم يشهد مشاركة لمواطنين أصليين خلال كل مسيرته. يعود ذلك إلى طبيعة المجتمع القطري المحافظ على التقاليد والعادات الاجتماعية الإسلامية التي تتعارض مع الرقص الأميركي اللاتيني المتحرر إلى حدٍ بعيد.

جورج، الذي يعيش في قطر منذ بضعة سنوات، وجد في السالسا متسعاً للهروب من الجو الخانق في "الأماكن العامة". يشكو جورج من ازدواجية الحياة التي يعاني منها المهاجر في الدوحة. فهو يكاد لا يجد متسعاً لـ"التواصل الحر" خارج جدران الفنادق حيث ملتقى الأفراد القادمين من كافة المشارب والأقوام من حول العالم. لذا، يعتبر أن المهاجر يعيش حياتين، واحدة تقتصر على المستلزمات الضرورية للتواصل اليومي مع زملاء العمل، وأخرى حرة تتعدى الرقص لتصل إلى تمضية السهرات وبناء الصداقات.

إذا كان الانفتاح الاجتماعي في الداخل القطري ما زال في بداياته، فالانفتاح على العالم الخارجي مضى بعيداً وجعل قطر تنافس دولة الإمارات العربية. مثل بقية دول الخليج، وعت قطر إلى أن النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الخارجية لن يتم دون الانفتاح الاقتصادي والثقافي على العالم الخارجي. واذا كانت الإمارات العربية سبّاقة في هذا المضمار، فها هي قطر اليوم تسرق الأضواء وتمضي قدماً في منافستها سواء من ناحية جذب الاستثمارات الخارجية أم من ناحية التسامح مع الجاليات الأجنبية.

فرانشيسكا، مثلاً، لم تكن تتوقع التسامح الذي وجدته في قطر، استناداً إلى ما سمعته قبل قدومها. كانت تتوقع مواجهة حياة صعبة في مجتمع محافظ، وكانت قد بدأت بالتأقلم مع فكرة الحد من حريّاتها الشخصية، لكنّها فوجئت بالتسامح الموجود في التعامل مع الأجانب.

تجدر الإشارة إلى أن دخول دول الخليج في سوق الاقتصاد الحر خلق منافسة كبيرة فيما بينها، من ناحية جذب الاستثمارات والكفاءات الخارجية الضرورية لتشغيل عجلة الاقتصاد، وهذا التنافس استلزم المضي في سياسة انفتاح وتسامح ضروريين في تفهم خصوصيات العمالة الوافدة، حتى وإن كانت الحالة السعودية عصية على ذلك.

من هنا يمكن القول إن الانفتاح القطري له أبعاد "خارجية" تتعلق بالانفتاح على العالم الخارجي من ناحية، وبجذب اليد العاملة الكفؤة من ناحية أخرى، وما التسامح مع العمالة الوافدة، من ناحية ممارسة هذا الجزء من الحرية الفردية المتعلق بحياة الرقص واللهو وشرب الخمور، غير المتاحة بسهولة للقطريين أنفسهم، إلا دليل على ذلك.

يعدّ المجتمع القطري مجتمعاً منفتحاً إذا ما قيس بالمجتمع السعودي. والمقارنة ما بين هذين المجتمعين على وجه التحديد، تعود إلى كون كلا البلدين يعتمدان على تطبيق المذهب الوهّابي في الإسلام، ولأن التشابه في تطبيقه على المجتمع كان كبيراً. ولكن إذا كانت الأوضاع في قطر قد بدأت في التغير منذ منتصف تسعينيات القرن المنصرم، والاختلاط في أماكن العمل وعمالة المرأة مؤشران مهمان على ذلك، فما زالت المشاركة القطرية في الرقص الأميركي اللاتيني تقتصر على المشاهدة والإعجاب.

يذكر أستاذ الرقص انه أقام حفلات خاصة وحفلات زفاف لقطريين معجبين بهذا نوع من الرقص وما يمثله من بعد فني. لكن الإعجاب هذا لم يأخذ طريقه بعد إلى الممارسة. عبدالله، شاب قطري لا يجد حرجاً في تعلم الرقص، سوى "الخجل" أو ما يسميه "العائق النفسي" الذي يمنعه من مراقصة النساء في الأماكن العامة، وهذا ما حذا به إلى الاكتفاء بالمشاهدة وإبداء الاعجاب. برأيه: "ما زال الوقت مبكراً على الحديث عن إقبال القطريين على نشاط مثل الرقص الأميركي اللاتيني".

تعاني قطر من ازدواجية في مسار الانفتاح، شأنها شأن معظم دول الخليج. فهي تشهد انفتاحاً على العالم الخارجي يترجم في سياسة التسامح الكبيرة تجاه المهاجرين، ولكنها سياسة لا يتمتع بها المجتمع المحلي. ويبقى أن نشير إلى أنه إذا كان الرقص، موضوع الحديث، مؤشراً من مؤشرات انفتاح المجتمعات، فهذا لا يعني أنه يختصرها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image