في الأول من مايو، 16 أبيب بالتقويم القبطي، من كل عام تتجه أنظار المسيحيين المصريين إلى مذبح مارجرس بكنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير في مدينة منيا القمح، محافظة الشرقية، الذي يشهد ظاهرةً فلكيةً نادرة، هي تعامد الشمس عليه مدةً تتراوح بين ساعة وساعة نصف.
ويساوي إبراهيم بين ما تشهده الكنائس بالمناسبة التي يحتفل بها العالم سنوياً بوقوع أشعة الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني يومي ميلاده وتوليه حُكم مصر.
لم يستبعدِ الدكتور سامح البنا، أستاذ الآثار بجامعة أسيوط، حدوث هذه الظاهرة، معتبراً أن الفكرة موجودةٌ عند المصري القديم، خاصةً أن الفن والعمارة القبطيين استمدا الكثير من الحضارة المصرية القديمة "فشكل الكنائس البازيليكية يشبه إلى حدٍّ كبير عمارة المعابد عند المصري القديم، من حيث الأعمدة والأروقة ثم المذبح أو الهيكل الذي أُطلِقَ عليه في المعبد قدس الأقداس، حتى شكلُ الصليب مأخوذٌ من علامة عنخ الفرعونية، مفتاح الحياة".
يضيف لرصيف22 أن قدراً كبيراً من الأشكال الزخرفية المستخدمة في الكنائس موروثٌ من الفن المصري القديم، حتى صورة السيدة العذراء والمسيح تحاكي بعض لقطات الأمومة التي صورت على جدران المعابد المصرية "بالتالي فمن الممكن أن تكون العمارة القبطية في الكنائس، قد اقتبست نفس الفكرة الفرعونية، وأجرت ذاتِ الحسابات الفلكية التي تضمن تعامد أشعة الشمس على الهيكل في وقتٍ محدد".
واعتبر خبيرٌ أثريٌّ رفض ذكر اسمه، أن هذه الظاهرة مجرد "شائعة" تحاول الكنيسة نشرها لتحقيق نسبة زياراتٍ أكثر إليها، ولجذب أنظار مسيحيي العالم إليها، ما قد يجلب لها تبرعاتٍ كثيرةً لصالح صندوق النذور.
من جانبه، قال الدكتور محمد حمزة، العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، إنه لا وجود لدليل أثري يؤكد انتماء مبنى كنيسة الملاك ميخائيل لحقبة زمنية معينة، وليس فيها ما هو ذو قيمة أثرية سوى حامل الأيقونات العائد إلى الفترة من القرن 18 إلى القرن الـ19 الميلادي، مضيفاً لرصيف22 أن ظاهرة تعامد الشمس على هيكل الملاك ميخائيل مجرد "تقليد متوارث" وليس أمراً مُثبتاً علمياً.
واعتبر حمزة أن حدوثَ تعامدِ الشمس في هذه الكنيسة أمرٌ محال علمياً لعدة أسباب، أولها أن بناء الكنيسة بسيطٌ للغاية، لا ينمّ على أن من شيده يملك إمكاناتٍ ضخمةً وأدواتٍ تمكنه من تحقيق هذه الظاهرة، مشيراً إلى أن تحقيقها في معبد رمسيس تم برعاية دولةٍ قوية وتحت إشراف علماء في شتى فنون العمارة والفلك، فشيدوا معبداً ضخماً في الصخر واستطاعوا تحقيق ظاهرة فلكية فريدة من نوعها.
"أما المسيحيون القدماء فكانوا مواطنين بسطاء آمنوا بالمسيحية وفروا من الاضطهاد إلى الصحراء والقرى النائية، فبنوا أديرةً وكنائس متواضعة لم تظهر فيها أية إمكاناتٍ فنية ذات قيمة". بحسب العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة.
مؤكداً أنه إذا كان هناك توجهٌ لتحقيق هذه الظاهرة في العمارة القبطية بفترةٍ ما، لكانت رُصِدَت في أكثر من كنيسة، خاصة أن هناك مواقع أهم وأكثر أثريةً، كما في كنائس حارة زويلة وكنيسة البحر الأحمر والكنائس التي تقع ضمن مسار العائلة المقدسة، متسائلاً "لماذا لم تُرصد هذه الظاهرة سوى في كنيسة بسيطة بقرية نائية بالشرقية فقط؟"
طرحنا هذه الشكوك على المسؤول الكنسي، فاكتفى بردٍّ مقتضبٍ عن عشرات الدعوات التي توجهها الكنيسة كلّ عامٍ لعددٍ من الأثريين والفلكيين لحضور هذه المناسبة، وعندما واجهناه بتفنيدات "حمزة" رفض التعليق.
ظاهرةٌ باتت تتكرر سنوياً مرتين خلال الأعوام الأخيرة، يوم 19 يونيو، 12 بؤونة، تسطعُ الشمس فوق مذبح رئيس الملائكة، فيما تتعذر رؤية تعامُدٍ على مذبح القديسة العذراء في الـ23 من أغسطس، 16 مسرى، بسبب إنشاءات أسمنتية أعاقت مسار الأشعة، وفي التواريخ الثلاثة يخصص الأقباط أعياداً للاحتفال بكلٍّ منها.
عام 2014 أُعلِنَ عن هذه الظاهرة، بعدما اكتشفها صدفةً فريق ترميمٍ خلال أعمال تجديدٍ للكنيسة، ومن وقتها ينظم القائمون عليها احتفالاً رسمياً في الأيام الثلاثة المحددة لتسمح للحضور، مسلمون كانوا أو مسيحيون، برصد هذه الظاهرة ومشاهدتها عن قُرب.
كنيسة الملاك ميخائيل
تحظى كنيسة الملاك ميخائيل بمكانةٍ تاريخيةٍ هامة، لعراقتها الإنشائية، فقد أُسِسَت على النمط البيزنطي منذ القرن الرابع الميلادي، وهي أقربُ كنيسةٍ لمسار العائلة المقدسة، تفصلُها 8 كيلومترات فقط عن مدينة "تل بسطا" التي اعتُمِدَت رسمياً كأحد مسارات الرحلة الشهيرة. ميخائيل في العقيدة القبطية هو كبير الملائكة ورئيسهم، لأنه "الواقف أمام الربِّ على الدوام، ويدافع عن الكنيسة من أعدائها الشياطين، لذلك تكرّمه وتبجّله في مناسباتٍ كثيرةٍ، لأن شجاعته فاقتِ الوصف، ومحبَّته لله عظيمة جداً، وغيرته على مجد الله لا تُحدّ". أما لقبه كلمةٌ عبرية من مقطعين، الأول: ميخا = قوة، والثاني: ئيل= الله، ومجمل الكلمة يعني "قوة الله". يقول "أدمن" صفحة الكنيسة على موقع فيسبوك لرصيف22، إن الظاهرة اكتُشِفت خلال أعمال ترميم، وفي كل مذبح وُجدت فتحاتُ تهويةٍ، لكن تراكم الأتربة أغلقها، وبعد تنظيفها لوحظ دخول شعاعٍ من الشمس على المذبح، وتطابق هذا التوقيت مع عيد الملاك ميخائيل السنوي، وبالبحث المستمر اكتشِفَ وجود هذه الظاهرة. يضيف "نعمل على استغلال الحدث بشكل أكثر رواجاً الفترات المقبلة، لأنها ظاهرةٌ فريدةٌ من نوعها، ونحتاج من كافة وسائل الإعلام تسليط الضوء عليها، مثلما يحدث في معبد أبي سمبل".أصل الظاهرة
يؤكد الفلكي يحيى وزيري في كتابه "العمارة والفلك: تأثير الظواهر الفلكية على مباني مصر القديمة" أن الفراعنة دمجوا بين براعتهم في علم الفلك وعبادتهم للشمس في صناعة حدث فلكي نادر، ومن أشهر المعابد التي تشهده معبد أبو سمبل الكبير، الذي شيده الملك رمسيس الثاني في عصر الدولة الحديثة بمنطقة وادي حلفا جنوب أسوان. يتابع "أُقيم أبو سمبل بطريقة هندسية بارعة، ضمنت عبورَ الشمس ممراتِ المعبد الطويلةَ حتى تبلغَ قاعة قدس الأقداس التي بها تمثال الإله "آمون رع" جالساً ومعه "بتاح" و"هارانتي" إله الشمس المشرقة، والملك "رمسيس" باعتباره أحد الآلهة، ينظرون جميعاً إلى الشمس التي تشرق على وجهه مرتين فقط بالعام، الأولى يوم ميلاده،21 فبراير، والثانية يوم جلوسه على العرش،21 أكتوبر". "تعامد الشمس على مذبح كنيسة لا يقع فقط في كنيسة الملاك ميخائيل" يقول الدكتور حجاج إبراهيم، أستاذ الآثار والترميم، مضيفاً لرصيف22 أنه يحدث أيضاً في كنيستي دير طموه بمحافظة الجيزة، وفي كنيسة مارجرجس اﻷثرية بصهرجت الكبرى في ميت غمر، ذلك بمناسبة "تذكار رئيس الملائكة ميخائيل".تعامد الشمس على مذبح كنيسة: لماذا لم تُرصد هذه الظاهرة سوى في كنيسة بسيطة بقرية نائية بالشرقية فقط؟
ويساوي إبراهيم بين ما تشهده الكنائس بالمناسبة التي يحتفل بها العالم سنوياً بوقوع أشعة الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني يومي ميلاده وتوليه حُكم مصر.
لم يستبعدِ الدكتور سامح البنا، أستاذ الآثار بجامعة أسيوط، حدوث هذه الظاهرة، معتبراً أن الفكرة موجودةٌ عند المصري القديم، خاصةً أن الفن والعمارة القبطيين استمدا الكثير من الحضارة المصرية القديمة "فشكل الكنائس البازيليكية يشبه إلى حدٍّ كبير عمارة المعابد عند المصري القديم، من حيث الأعمدة والأروقة ثم المذبح أو الهيكل الذي أُطلِقَ عليه في المعبد قدس الأقداس، حتى شكلُ الصليب مأخوذٌ من علامة عنخ الفرعونية، مفتاح الحياة".
يضيف لرصيف22 أن قدراً كبيراً من الأشكال الزخرفية المستخدمة في الكنائس موروثٌ من الفن المصري القديم، حتى صورة السيدة العذراء والمسيح تحاكي بعض لقطات الأمومة التي صورت على جدران المعابد المصرية "بالتالي فمن الممكن أن تكون العمارة القبطية في الكنائس، قد اقتبست نفس الفكرة الفرعونية، وأجرت ذاتِ الحسابات الفلكية التي تضمن تعامد أشعة الشمس على الهيكل في وقتٍ محدد".اكتُشِفت ظاهرة تعامد المشس مع مذبح كنيسة الملاك ميخائيل خلال أعمال ترميم، وفي كل مذبح وُجدت فتحاتُ تهويةٍ، لكن تراكم الأتربة أغلقها، وبعد تنظيفها لوحظ دخول شعاعٍ من الشمس على المذبح، وتطابقَ هذا التوقيت مع عيد الملاك ميخائيل السنوي"
الفن والعمارة القبطيين استمدا الكثير من الحضارة المصرية القديمة، من شكل الكنائس البازيليكية الذي يشبه إلى حدّ بعيد المعابد، إلى شكلُ الصليب مأخوذٌ من علامة عنخ الفرعونية، مفتاح الحياة
مجردّ شائعة وتقليد متوارث؟
في المقابل رأى الدكتور عاطف نجيب، نائب رئيس القطاع للآثار القبطية ومدير المتحف القبطي، أن الاعتقاد بتعامد الشمس على هياكلِ بعض الكنائس أسوةً بمعبد رمسيس هو اعتقادٌ خاطئ، ولا وجود له سوى في بعض الأذهان التي تتوهم ذلك، على حد قوله. مؤكداً لرصيف22 أن هذه الظاهرةَ لم ولن تحدث في أي مكانٍ في العالم سوى في معبد رمسيس، بعدما أراد الأخير الاحتفال بيوم تنصيبه بشكلٍ مختلف، فاقترح عليه أحد علماء الفلك أن يتم نحتُ معبدٍ خاص به في الصخر وإجراء حساباتٍ فلكية معينة يتم بموجبها تعامد الشمس على وجهه في يوم تنصيبه وعيد ميلاده مدةَ 25 دقيقة من كل عام. "لم يحدث أن تكررت هذه الظاهرة في أيِّ معبدٍ أو كنيسة أو مكانٍ أثري لا في مصر ولا خارجها، فقط في معبد أبو سمبل، وقد اكتُشِفَت بمحض الصدفة منذ 50 عاماً فقط". يقول عاطف نجيب. ويشير إلى أن الحديث عن حدوث تلك الظاهرة في بعض الكنائس "أمر خاطئ تماماً"، متابعاً أنه دُعي لحضورها بكنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير بالشرقية في إحدى المرات، لكنه لم يرَ أي تعامدٍ على المذبح "إنما فقط مجرد دخول الشمس من فتحةٍ بالسقف بشكل عادي، مثلما تفعل في أي مكانٍ آخر". "تعد كنيسة الملاك ميخائيل أقدم الكنائس بالدلتا، إلا أنها ليست ذات قيمةٍ فنية أو أثرية كبيرة، كما خضعت للتجديد والترميم أكثر من مرة، كان آخرها في القرن الـ19 الميلادي، بالتالي فلم يعد بها ما هو ذو قيمة أثرية سوى حامل الأيقونات العائد إلى القرن الـ18 الميلادي" يقول مدير المتحف القبطي، متسائلاً كيف لمكانٍ تغيّر بناينه أكثر من مرةٍ وليس به أيّةُ عبقرية فنية يمتلك مثل هذه الظاهرة التي تحتاج إلى إبداعٍ فلكيٍّ وفنيّ غير عادي؟مدير المتحف القبطي: لم تقع ظاهرة تعامد الشمس على المذبح إلا في معبد أبو سُمبل، أما ماحدث في مذبح كنيسة الملاك ميخائيل، هو مجرد دخول الشمس من فتحةٍ بالسقف بشكل عادي، مثلما تفعل في أي مكانٍ آخر.
واعتبر خبيرٌ أثريٌّ رفض ذكر اسمه، أن هذه الظاهرة مجرد "شائعة" تحاول الكنيسة نشرها لتحقيق نسبة زياراتٍ أكثر إليها، ولجذب أنظار مسيحيي العالم إليها، ما قد يجلب لها تبرعاتٍ كثيرةً لصالح صندوق النذور.
من جانبه، قال الدكتور محمد حمزة، العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، إنه لا وجود لدليل أثري يؤكد انتماء مبنى كنيسة الملاك ميخائيل لحقبة زمنية معينة، وليس فيها ما هو ذو قيمة أثرية سوى حامل الأيقونات العائد إلى الفترة من القرن 18 إلى القرن الـ19 الميلادي، مضيفاً لرصيف22 أن ظاهرة تعامد الشمس على هيكل الملاك ميخائيل مجرد "تقليد متوارث" وليس أمراً مُثبتاً علمياً.
واعتبر حمزة أن حدوثَ تعامدِ الشمس في هذه الكنيسة أمرٌ محال علمياً لعدة أسباب، أولها أن بناء الكنيسة بسيطٌ للغاية، لا ينمّ على أن من شيده يملك إمكاناتٍ ضخمةً وأدواتٍ تمكنه من تحقيق هذه الظاهرة، مشيراً إلى أن تحقيقها في معبد رمسيس تم برعاية دولةٍ قوية وتحت إشراف علماء في شتى فنون العمارة والفلك، فشيدوا معبداً ضخماً في الصخر واستطاعوا تحقيق ظاهرة فلكية فريدة من نوعها.
"أما المسيحيون القدماء فكانوا مواطنين بسطاء آمنوا بالمسيحية وفروا من الاضطهاد إلى الصحراء والقرى النائية، فبنوا أديرةً وكنائس متواضعة لم تظهر فيها أية إمكاناتٍ فنية ذات قيمة". بحسب العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة.
مؤكداً أنه إذا كان هناك توجهٌ لتحقيق هذه الظاهرة في العمارة القبطية بفترةٍ ما، لكانت رُصِدَت في أكثر من كنيسة، خاصة أن هناك مواقع أهم وأكثر أثريةً، كما في كنائس حارة زويلة وكنيسة البحر الأحمر والكنائس التي تقع ضمن مسار العائلة المقدسة، متسائلاً "لماذا لم تُرصد هذه الظاهرة سوى في كنيسة بسيطة بقرية نائية بالشرقية فقط؟"
طرحنا هذه الشكوك على المسؤول الكنسي، فاكتفى بردٍّ مقتضبٍ عن عشرات الدعوات التي توجهها الكنيسة كلّ عامٍ لعددٍ من الأثريين والفلكيين لحضور هذه المناسبة، وعندما واجهناه بتفنيدات "حمزة" رفض التعليق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...