منذ التغيير الدرامي في سلم الحكم الملكي، حظيت السعودية بدعاية تُبشر بعهد جديد في "السعودية الحديثة"، التي تسنّ إصلاحات تقدمية وانفتاحية وتكافح الفساد، لا سيما مع تقلد الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد.
وفي وقت أحدث الخلاف بين السعودية وكندا هذه الأيام على خلفية سجل الأولى في حقوق الإنسان، صدمة عالمية، كونها المرة الأولى التي تأخذ فيها المملكة تحركات “انتقامية “بسبب "تغريدة" كندية، رغم أن التعليقات في هذا الشأن يتم إطلاقها دومًا، وإن على استحياء.
وجه آخر "صدامي" يراه العالم في شخص ولي العهد الشاب الجامح، 32 عامًا، الذي ينسب إليه الوقوف وراء الخطوات الإصلاحية في بلاده، مثلما تؤول إليه مسؤولية خلافات المملكة السياسية مع دول عدة في المنطقة، كقطر وتركيا وإيران.
ويدور الحديث حاليًا حول جدوى حملات العلاقات العامة التي روجت للخطاب الرسمي السعودي على أمل دفع العالم إلى غض الطرف أو تجاهل ما يحدث خلف الأبواب المُغلقة في وقت ترى تقارير صحافية أن هذه الحملات لن تسعف بن سلمان في تحديث بلاده.
الزعيم الشاب "يخسر"
في مقال بمجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية في 22 مايو الماضي، قال الصحافي سيمون هندرسون، إن الذين التقوا ولي العهد السعودي من قبل قالوا إنه "نادرًا ما يغير رأيه. هذا أمر مؤسف، لأنه يكتسب سمعة اتخاذ قرارات سيئة أيضًا". وأضاف الكاتب أنه على مدى أشهر، كانت السعودية تتمتع بفوائد (حملات) العلاقات العامة، فيما أغوى بن سلمان "زعيم المستقبل الكاريزمي"، العالم برؤيته لأمة حديثة، بينما أصبحت هذه الآمال موضع شك، لا سيما مع حملة الاعتقالات التي شنها بحق ناشطين وعشرات الأمراء من قبل، فضلًا عن خطته "البطيئة" للتحول الاقتصادي، بينما لا تزال هناك بوادر "مُحرجة" لتمتعه بالبذخ. وفي لقاء مع قناة "CTV" الكندية، قال وزير الشؤون الخارجية السابق، لويد أكسورثي: "أعتقد أن الأمر المختلف هو ردود أفعال السعوديين المفاجئة"، مُشيرًا إلى تكتيكات بن سلمان "العدوانية"، وتساءل عما إذا كان الزعيم الشاب "يخسرها"."كل هذه شركات العامة التي كانت تروّج لولي العهد السعودي في الولايات المتحدة تم دفع ثمنها من قبل أبو ظبي"، واستأجرها الإماراتيون نيابة عن بن سلمان، رغم نفي العتيبة، الذي يعزى إليه الضلوع بهذا الأمر.
يدور الحديث حاليًا حول جدوى حملات العلاقات العامة التي روجت للخطاب الرسمي السعودي، على أمل دفع العالم إلى غض الطرف أو تجاهل ما يحدث خلف الأبواب المُغلقة في وقت ترى تقارير صحافية أن هذه الحملات لن تسعف بن سلمان في تحديث بلاده.واعتبر أكسورثي أن حملات العلاقات العامة لولي العهد "لا تفعل الكثير لتحديث بلاده"، موضحًا "أن ولي العهد جاء بضجة كبيرة حول كونه مصلحًا جديدًا لعصر وجيل جديدين، لكن هو ووالده انخرطا بالفعل في أسوأ أنواع الإساءات، بما في ذلك عمليات الإعدام، ورفض "أي شخص لديه وجهة نظر معارضة". ومن وقت لآخر، تتناثر تقارير الصحافة الغربية حول حملات "برنس العلاقات العامة"، على حد وصف موقع "فرانس 24" لـ بن سلمان، بين تعاقدات مع شركات أوروبية وأمريكية، منها شركة APCO العالمية. وقد تحدثت مجلة "ذا نيوركر" الأمريكية في أبريل الماضي عن تفاصيل الدور الذي لعبته الإمارات عبر سفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة، من أجل الترويج لملك السعودية القادم، والتمهيد لتقلده ولاية العهد ومن ثم خلافته لوالده بشكل هادىء وسلس. ونقلت المجلة عن مسؤول أمريكي سابق قوله "كل هذه شركات العامة التي كانت تروّج لولي العهد السعودي في الولايات المتحدة تم دفع ثمنها من قبل أبو ظبي"، واستأجرها الإماراتيون نيابة عن بن سلمان، رغم نفي العتيبة، الذي يُعزى إليه الضلوع بهذا الأمر". ونقلت المجلة عن بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، قوله: "السعوديون والإماراتيون لديهم أكثر لوبيات وجماعات ضغط فعاليةً في واشنطن، أود أن أقول إنهم مسؤولون عن تصوير أوباما على أنه ضعيف في الشرق الأوسط أكثر من أي شخص آخر. لقد ألقوا بنا (في القمامة) في جميع أنحاء المدينة". وأشار أحد كبار المسؤولين السابقين في البيت الأبيض إلى بن سلمان خلال حديثه إلى المجلة، قائلاً: "سوف يكون ملكًا لمدة خمسين عامًا".
يتصرف كـ"طاغية في بلد بوليسي" دون خطة واضحة
كما أن صحيفة "واشنطن بوست" نشرت مقالًا باللغة العربية للإعراب عن رأيها في الأزمة الدائرة، متسائلةً "كندا لن تنظر في الاتجاه الآخر فيما يخص السعودية، فهل سنفعل مثلها؟". وقالت: "باختصار، إن ما تريده السعودية هو أن ينظر العالم في الاتجاه الآخر بعيدًا عنها... الرسالة واضحة للجميع، لا تتدخلوا في الشأن السعودي وإلا فسيصلكم ما وصل الكنديين". "ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان يرفض أي معارضة، وقد سجن العشرات من المنتقدين، بينهم مثقفون وصحفيون ومطالبون بحق النساء في قيادة السيارة. معظمهم ألقي بهم في السجن لمدة طويلة بدون أي احترام للإجراءات القضائية. وبعدما طالبت السيدة فريلاند (وزيرة خارجية كندا) بإطلاق سراح السيدة (سمر) بدوي رد ولي العهد بطرد السفير الكندي وقطع العلاقات التجارية والسفر، وأمر بمغادرة آلاف الطلبة السعوديين كندا". وأضافت "واشنطن بوست": "حظى ولي العهد بالإعجاب في تحديث المملكة اقتصاديًا، وتنويع مصادر دخلها بعيدًا عن النفط، بعدما أخذ يلبي رغبات مواطنيه وغالبيتهم من الشباب المتشوقين للحياة الغربية وترفيهها، فلماذا لا يرى كيف أن مشروعه المستقبلي هذا يتأثر سلباً عندما يلقي بالناقدين في الزنازين ويتصرف كطاغية ببلد بوليسي؟". وأعربت الصحيفة عن انسحاب الولايات المتحدة من دعم كندا، وعدم قيامها بدورها التقليدي في الدفاع عن القيم الكونية والوقوف في وجه المستبدين المتنمرين "فلا تسمح لهم بإخفاء أعمالهم القذرة خلف أبواب مغلقة"، مؤكدةً أن "الحقوق الأساسية مسألة تخص الجميع". ومثلها علقت "الجارديان" البريطانية: "تغريدة ثم تجميد التجارة: بن سلمان يرسل إشارة"، لافتةً إلى أن محللين ومسؤولين محليين يرون أن الإجراءات السعودية لا تعني كندا تحديدًا، لكنها أصبحت مطية لإخبار الغرب "لا تتحدونا فيما يتعلق بشأننا المحلي، فلن نقبل أي انتقادات لسياساتنا الداخلية". وقالت الصحيفة إن إظهار القوة من بين الاهتمامات الرئيسية لولي العهد، موضحةً أنه يُغضب الحلفاء ويبدأ النزاعات "دون خطة واضحة للتعامل مع الموقف" رغبةً في التأكيد على قواعد جديدة في اللعبة الإقليمية، وفي أن ولي العهد يشعر أن لديه الدعم للقيام بذلك. وتساهم في ذلك مواقف ترامب من حقوق الإنسان التي ليست على قائمة اهتماماته. بالإضافة إلى عدم تأييده مناقشته لهذه القضية مع حلفاء أو خصوم الرياض، وهو ما أعطى الرياض الكثير من الراحة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...