في يوليو الماضي، هُدمت سينما فاتن حمامة، إحدى أشهر دور العرض السينمائي في مصر، لبناء برج خرساني محلها، فيما جدد احتراق سينما ريفولي المخاوف من مصير مماثل لمبناها التاريخي العريق والضارب في القدم.
تقع سينما "ريفولي" في قلب ما يُعرف بـ"القاهرة الخديوية" التي يعرف بها تاريخ العاصمة ويشار إليها للتأكيد على واحدة من أزهى الحقب التي عاشتها المدينة.
هذه السينما كانت شاهدة على أحداث سياسية وفنية، واقترن اسمها بألمع نجوم الفن والغناء في مصر والمنطقة العربية طوال القرن الماضي. وتقول السلطات المحلية إن التحقيقات قدرت الخسائر الأولية لحريق السينما بحوالى مليون جنيه.
عقب سيجارة واحتكاك كهربائي يشعلان نار نظرية "المؤامرة"
على بعد خطوات قليلة من موقع سينما ريفولي، دارت آلات الهدم في الآونة الأخيرة في ما يسمى ب"مثلث ماسبيرو"، حيث يفصل بينهما شارعا رمسيس و26 يوليو (شارع الملك فؤاد سابقًا). يحتل المثلث موقعًا مُتميزًا بالقرب من كورنيش النيل، وقد حاولت الحكومة لسنوات إخلاءه من سكانه البسطاء لمصلحة مخطط "تطوير" يتوقع تدق فيه دعائم كتل خرسانية لأبراج عالية. وفي غمار عمليات الهدم المُستمرة، اندثر تاريخ عقارات تاريخية، منها العقار رقم 54، الذي يضم في طابقه الأرضي أقدم محل ساعات في مصر والشرق الأوسط (إس هنهايات)، المُنشأ منذ العام 1907. وينسب اسمه إلى مالكه اليهودي المجري سلامون هنهايت. قبل سنوات، تصاعد نداء المهتمين بالتراث لحماية مبنى سينما ريفولي المسجلة كمبنى ذي طراز معماري متميز بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، ومع حريقها الأخير تجددت المخاوف من احتمالات تعرضها للهدم، خاصة بعد رحلة من المعاناة طوال السنوات الأخيرة. تقول التحقيقات إن الحريق أسفر عن تآكل صالة العرض كلها، والدور العلوي للسينما، مُرجحةً أن يكون سببه "عقب سيجارة" ألقاه شخص ما أو احتكاك كهربائي أشعل النار في تجمعات أخشاب كانت بداخلها. إلا أن الحادث الجديد استدعى تخمينات البعض حول كونه محاولة تمهيدية للإسراع بهدم المبنى من أجل إقامة مول تجاري بحسب شهادات للسكان الذين يعيشون جوارها في منطقة التوفيقية. "جدول السينما غير متاح, السينما مغلقة حاليًا"، إشعار كُتب في أحد المواقع الفنية المُهتمة بمواعيد حفلات السينما، في إشارة إلى الوضع الحالي لـ ريفولي. تروي صحيفة "المصري اليوم" سيرة السينما، قائلة إنه تم إنشاؤها في العام 1950، وهي من أملاك الأمير طلال بن عبدالعزيز لتنتقل إلى ابنه الوليد بن طلال بموجب حق انتفاع منذ ثمانينات القرن الماضي.أُنشئَت سينما "ريفولي" عام 1950 ، وهي من أملاك الأمير طلال بن عبد العزيز لتنتقل إلى ابنه الوليد بن طلال بموجب حق انتفاع منذ ثمانينات القرن الماضي
ريفولي التي تبلغ مساحتها 8 آلاف متر، وتضم 5 قاعات تحوي 2350 مقعدًا، اعتادت فساتين السهرة والألحان الموسيقية المنسابة في خفة بين أركانها، كما عُلقت على جدرانها العتيقة صور الفنانين العمالقة في هذا الزمن، مثل رشدي أباظة وفريد شوقي وفاتن حمامةوحسب أرشيف مكتبة الإسكندرية، استأجرها الفنان فريد شوقي في مارس 1990 عبر "اتحاد الفنانين" ليتم عرض الأفلام والمسرحيات فيها، علمًا أن آخر مسرحية عُرضت فيها هي (شارع محمد على) عام 1991. إلى أن استأجر رجل الأعمال السعودى الشيخ صالح كامل المسرح، وقسمه إلى خمس قاعات وحوله إلى دار عرض سينمائية تديرها ابنته "هديل". وظلت في حيازة الشيخ صالح حتى 2003 وهو ميعاد انتهاء العقد، فعادت السينما إلى شركة "جدة" المملوكة للأمير الوليد بن طلال. وبقيت السينما مفتوحة لفترة طويلة إلى أن أغلقت في أواخر 2013 بشكل نهائي، لتعيش رحلة جديدة من المعاناة والإهمال، ويحتل واجهتها الأمامية الباعة ومحال تجارية. وكان فيلم "القط" للفنان عمرو واكد من آخر الأفلام التي عرضت فيها، إذ كانت تنظم آنذاك نحو ١٤ حفلة يوميًا بموجب تعاقد لمصلحة الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي، المملوكة للفنانة إسعاد يونس.
عبد الناصر وملك المغرب أبرز ضيوفها.. وأم كلثوم وحليم والأطرش أبرز نجومها
"بقيمة هذه الحفلة وبقيمة الحضور إليها، وبقيمة المساهمة فيها، حفلة تجمع بين سهرة فنية خالصة وبين مساهمة كريمة يقوم بها شعبنا العربي لإخوة لنا في مدينة أغادير.. ورُفع الستار (تصفيق حاد)" قال مُقدم الحفل عندما طلت السيدة أم كلثوم على الجمهور. التاريخ 31 مارس 1960، والحدث فني بصبغة سياسية، والمناسبة حفل غنائي لكوكب الشرق يذهب ريعه لمنكوبي زلزال مدينة أغادير المغربية. وأبرز حضوره ملك المغرب محمد الخامس. حينذاك، قدمت أم كلثوم أغاني عدة، منها "لسه فاكر، الحب كده"، وبدأت السهرة بـ"ذكريات" من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي، التي تقول مقدمتها "ذكريات عبرت أفق خيالي. بارقا يلمع فى جنح الليالي. نبهت قلبي من غفوته. وجلت لي ستر أيامي الخوالي. كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي. إنها قصة حبي. ذكريات". وسجل التاريخ الحريق الأول لسينما ريفولي في 26 يناير 1952، بالتزامن مع ما عرف وقتذاك بـ"حريق القاهرة"، حيث كانت بداية الحرائق التي هزت مصر في تلك المرحلة، من دار العرض هذه. ريفولي التي تبلغ مساحتها 8 آلاف متر، وتضم 5 قاعات بـ 2350 مقعدًا، اعتادت فساتين السهرة والألحان الموسيقية المنسابة في خفة بين أركانها، كما عُلقت على جدرانها العتيقة صور الفنانين العمالقة، مثل رشدي أباظة وفريد شوقي وفاتن حمامة. وفي أكتوبر 1955، حضر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع المشير عبدالحكيم عامر حفل أم كلثوم، حيث غنت "قصة حبي". وعلى خشبة مسرحها، تعرّض العندليب عبد الحليم حافظ لحالة إغماء بعد غنائه رائعته "موعود"، نتيجة تعرضه للإجهاد الشديد بعد مطالبة الجمهور له بتكرار مقاطع الأغنية في حفلة عام 1971 قبل أن يسافر بعد ذلك إلى لندن لتلقي العلاج. ومثلما شدا الموسيقار الكبير فريد الأطرش على مسرح سينما ريفولي في بيروت، كذلك اعتاد تقديم حفلاته لسنوات في أعياد الربيع، على مسرح السينما المصرية التي تحمل نفس الاسم، وذلك قبل أن يحل مكانه العندليب. ومن ريفولي، تم رفع فيلم "عرق البلح" للمخرج المشاكس رضوان الكاشف من السينما في يونيو 1999، بعد يوم واحد من عرضه، بسبب الضجة التي أحدثها لمناقشته قضية الهجرة للخليج وكشفه عورات وعادات المجتمع إبان تلك الحقبة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...