خلافاً لكل التوقعات، قررت محكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء تأجيلَ النظر في قضية الصحافي المغربي توفيق بوعشرين، مدير نشر صحيفة "أخبار اليوم"، المُتابَع في حالة اعتقال على خلفية تُهَمٍ تتعلق بالاغتصاب والاتجار بالبشر، إلى غاية 10 سبتمبر المقبل، بسبب غياب نتائج الخبرة التقنية على الفيديوهات التي يُقال إنها تُوثِّقُ الاعتداءات الجنسية التي مارسها بوعشرين في حق مجموعة من النِّسْوة داخل مكتبه بالجريدة.
محاكمة بوعشرين، التي تُثِير الكثير من الجدل في المغرب، درجةَ أنها أصبحت تُعْرفُ إعلامياً بـ"محاكمة القرْن"، انطلقت أطوارُها يوم 8 مارس تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، بعد صدور الأمر باعتقاله يوم الجمعة 23 فبراير الماضي من مكتبه في مقر الجريدة، بناءً على شكاياتٍ توصلت بها النيابة العامة من طرف مجموعة من النساء اتهمن ناشر "أخبار اليوم" بالاعتداء عليهن جنسياً.
الفيديوهات الجنسية.. مُفَبْركة أم حقيقية؟
النقيب محمد زيان، أحد أبرز المحاميين في هيئة الدفاع عن توفيق بوعشرين، اعتبر في تصريح لرصيف22 أن المعطيات العلمية التي يمكن على أساسها إجراءُ خبرة تقنية على أي فيديو "غير متوفرة في الفيديوهات التي حجِزَت في مكتب بوعشرين في الجريدة"، مفسراً ذلك بقوله إن الفيديوهات المحجوزة في جهاز DVR داخل مكتب بوعشرين لا تتضمن أي مرجع يحيل إلى الرقم التسلسلي للجهاز، بالإضافة إلى رداءة جودة الفيديوهات. ويؤكد المحامي أن تلك الأشرطة لا يمكن إجراء أية خبرة عليها بسبب ضعف جودتها وصعوبة تمييز وجوه الأشخاص الذين يظهرون فيها لكونها صُوّرَتْ في الظّلامْ. المحامي زيان، الذي شغل منصب وزير حقوق الإنسان في وقت سابق، أكد أن هيئة الدفاع تَتَمَسَّكُ باعتبار أن الفيديوهات المنسوبة لبوعشرين مُفَبْركة، مُشيراً إلى تَوَفُّرِهِا على حُجَجٍ وبرَاهِينَ تُؤكِّدُ ذلك بالملموس، من قبيل حصولهم على دلائل تُظهر وجود بوعشرين في مدينة أخرى خلال تسجيل بعض الفيديوهات التي تُستَعْمَلُ لإدانته. لكن تبقى حالة الموظفة في الجريدة، عفاف برناني، التي طعنت في محضر الاستماع إليها واتهمت الضابطة القضائية بتزوير أقوالها للشهادة زوراً في حق بوعشرين لاتهامه بالاعتداء عليها جنسياً، قبل أن يتم الحكم عليها بستة أشهر حبساً نافدا بتهمة "البلاغ الكاذب والقذف"، وهو الحكم الذي قال زيان في حديثه مع رصيف22 إن الهدف منه الضغط على باقي المشتكيات حتى لا يتراجعن عن أقوالهن، (تبقى) من بين النقاط الغامضة والمثيرة للجدل في القضية التي جعلت الرأي العام المغربي يرى في موقف عفاف برناني الرافض للانضمام إلى قائمة من يتهمن بوعشرين بالاغتصاب فضحاً "للمؤامرة" التي حيكت ضده. أما عن الحالة النفسية لبوعشرين في السجن الانفرادي، أوضح زيان أن مُوكِّلهُ يتملكه الإحساس بالظلم كأي إنسان يشعر أنه غير مُنصَفٍ، موضحاً أنه لا يشعر بأيِّ تأنيب ضمير أو ندم لأنه مقتنع ببراءته التي يؤمن بها الجميع، ويشيرُ إلى أن أمله كمحامي كبير في الله بقوله "أملي كبير في الله، لإيماني بأن كلمة الحق ستنتصر في الأخير مهما طال الزمن". الصحافيون داخل الجريدة، يرون أن التأخر في الحكم على مديرهم من شأنه "تحطيم بوعشرين معنوياً"، وفق ما قاله صحافي بالجريدة في حديثه مع رصيف22، معتبراً أن التأخر في عرض نتائج الخبرة مع الإبقاء على بوعشرين في زنزانته الانفرادية منذ قرابة ستة أشهر هدفه "إلحاق انتقام معنوي بتوفيق بوعشرين بسبب خطه التحريري وافتتاحياته التي أصبحت تشكل مصدر إزعاجٍ لعدد من السياسيين والنافذين المعروفين بقربهم من السلطة".بنكيران: الافتتاحيات سبب اعتقال بوعشرين
مُعْطى مُثير كشف عنه الصحافي المغربي مصطفى الفنْ، مدير نشر موقع "آذار" الذي كتب مقالة نشرتها صحيفة "أخبار اليوم" في عددها الصادر اليوم الأربعاء، جاء فيها أن رئيس الحكومة المُقَالْ، عبد الإله بنكيران، كشف لمصطفى الفنْ في آخر لقاء جمعهما في بيته بالعاصمة الرباط أن "توفيق بوعشرين اعْتُقِلَ بسبب الافتتاحيات وليس بسبب الفتيات"، مضيفاً أن بنكيران يعتبر أن الفتيات اللواتي تقدمن بشكايات ضد بوعشرين "لسن سوى مبرر لتسويغ اعتقاله"، بحسب ما فهم الصحافي من كلام الزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية الإسلامي. موقف بنكيران، الذي ذكره الفنْ في مقاله أضيفَ إلى قائمة المواقف التي عبّر عنها عدد من السياسيين والحقوقيين والإعلاميين الذين لم يترددوا في التشكيك في صك اتهام ناشر "أخبار اليوم"، وأجْمَعَتْ جُلُّ الآراء على أن وضعه رهن الاعتقال منذ ستة أشهر سببه الافتتاحيات التي كان يكتبها بشكل يومي في جريدته، والتي حوَّلها إلى منبر لتوجيه الانتقادات إلى مُربَّع السلطة والشخصيات النافذة في الدولة التي لها نفوذ وتأثير كبير على القرار السياسي والاقتصادي للمملكة. وكتب الصحافي مصطفى الفنْ أن "بوعشرين اعْتُقِلَ لأنه لم ينتبه إلى حجم الدمار الذي تُحدِثُهُ كلمات صحافي مستقل يكتب ما يمليه عليه ضميره المهني لا ما تجود به سمَّاعة الهاتف، واعْتُقِلَ أيضاً لأنه رفع منسوب النقد عالياً ضد أعطاب السلطة لا ضد أعطاب المجتمع."رئيس الحكومة المُقَالْ عبد الإله بنكيران كشف أن توفيق بوعشرين اعْتُقِلَ بسبب الافتتاحيات وليس بسبب الفتيات وأن الفتيات اللواتي تقدمن بشكايات ضده لسن سوى مبرر لتسويغ اعتقاله.
المحامي: الأشرطة المنسوبة لبوعشرين مُفَبْركة، ولدينا دلائل تُظهر وجوده في مدينة أخرى خلال تسجيل بعض الفيديوهات التي تُستَعْمَلُ لإدانته.
"أخبار اليوم" تحقق ارتفاعاً في نسبة المبيعات
مع حلول شهر أبريل، غيَّرتْ جريدة "أخبار اليوم" حُلَّتها وأصبحت أكثر أناقة، مع زيادة درهم واحد في ثمنها، لينتقل من 4 إلى 5 دراهم (0,53 دولاراً أمريكي)، فأصبحتْ بذلك اليومية الوحيدة الناطقة باللغة العربية التي تُبَاع بخمسة دراهم في المغرب، ارتفاعٌ يفسره العاملون في الجريدة بالنظر إلى حرمانهم من الحصول على بعض الإشهارات للقضاء على النموذج الاقتصادي ليومية توفيق بوعشرين. خلال الأسبوع الماضي، قُمْنا بجولة استطلاعية في بعض الأكشاك التي تعرض الجرائد والمجلات للبيع في شارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط، ولاحظنا أن جريدة بوعشرين، مقارنةً مع باقي الجرائد المعروضة، تلقى إقبالاً من القراء، درجةَ أن بعض الأكشاك احتوت نسخاً قليلة من الجريدة. سعيد، أحد بائعي الصحف والمجلات في شارع محمد الخامس بالرباط، أكد لرصيف22 أن "أخبار اليوم"، رغم ارتفاع ثمنها تحظى بالمزيد من الإقبال من طرف القراء "أحيانا لا تتبقى سوى نسختين أو ثلاث من الجريدة، فبمجرد توزيعها في المساء يأتون لشرائها، وأحيانا يحدث أن يسألوني عنها إذا تأخر الموزعون في جلبها". كما لاحظنا خلال جولتنا في شوارع العاصمة قُرْبَ نفاذ نُسَخ العدد الذي أصدرته الجريدة نهاية الأسبوع الفارط بمناسبة ذكرى عيد العرش الذي يصادف 30 يوليو من كل عام، إذ أكد لنا عدد من بائعي الصحف أن العدد الخاص الذي أصدرته "أخبار اليوم" عن حصيلة العاهل المغربي حقق نسبة مبيعات مرتفعة، بل منهم من كان ينتظر أن يحصل على دفعة أخرى من العدد الذي تضمن ملفاً خاصاً عن حكم الملك محمد السادس يرصد آراء فاعلين سياسيين واقتصاديين وحقوقيين حول مغرب 2018.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...