بعد عدة عقود، نجح باحثون من سويسرا في فك رموز النص البردي الغامض الذي يعود إلى مخطوطة متهالكة عمرها ألفا عام، والتي كشفت عن نظريةٍ طبيةٍ رومانيةٍ مفادها أن المرأة كانت تصاب بالهستيريا في حال لم تمارس الجنس.
تتحدث هذه البردية، التي اعتبرها العلماء "وثيقة طبية" كتبها الطبيب اليوناني الشهير جالينوس، عن ظاهرة طبية غريبة تعرف بـ"انقطاع التنفس الهستيري" hysterical apnea وتصف حالة بعض النساء اللواتي يعانين من الحرمان الجنسي.
"شيطنة" الهستيريا الجنسية
باتت كلمة "هستيريا" شائعة في عصرنا الراهن، غير أن هذه الكلمة اعتبرت لفترةٍ طويلةٍ حكراً على النساء ومرتبطة بشهواتهنّ الجنسية. إن مصطلح "هستيريا" مشتق من الكلمة اليونانية "هستيرية" التي تعني الرحم، وبالرغم من أن الجمعية الأميركية للطب النفسي صنفت مؤخراً الهستيريا كاضطرابٍ عقلي، إلا أنه قبل العام 1980، كان ينظر إلى "الهستيريا" على أنها مرض جسدي مرتبط بالوضع الجنسي للنساء وبرحمهنّ.لطالما شكل "انقطاع التنفس الهستيري" لغزاً محيّراً بالنسبة إلى العلماء، إذ عجزوا عن تحديد ملامح هذه الظاهرة على وجه الدقة رغم أنها تعود لحقبةٍ زمنيةٍ قديمةٍ. ففي دراسة معمّقة بعنوان: "النساء والهستيريا في تاريخ الصحة العقلية"، تبيّن أن الهستيريا هي أول اضطراب عقلي يعزى إلى النساء، تم وصفه بدقة في الألفية الثانية قبل الميلاد.
واللافت أنه على مدى أكثر من 4000 عام، تم النظر إلى "الهستيريا الجنسية" من منظورين: علمي و"شيطاني". فمن ناحية كان البعض يعتقد أن حالة الهستيريا التي تصيب النساء مرتبطة بالشعوذة وبالخرافات، وبالتالي كان العلاج يقوم على فكرة معاقبة المرأة "الشهوانية" وتطهيرها بواسطة النار، أما من الناحية العلمية فكان ينظر إلى هذا المرض على إعتبار أنه مرتبط بالرحم ويشكل "هاجس" الأطباء اليونانيين القدامى، لاعتقادهم بأنه مفتاح تفسير سبب إختلاف النساء عن الرجال، سواء كان ذلك من الناحية الجسدية أو النفسية.
حيوان حرّ يطفو بحريّة داخل جسمها
في العصور اليونانية القديمة، لم يكن ينظر إلى النساء بنفس الطريقة التي ينظر فيها إلى الرجال، فكانت المرأة محرومة من عدة حقوق وتقبع تحت "رحمة" الرجل وسيطرته، ولعلّ أحد الأسباب الكامنة وراء هذا التمييز الجنسي يعود لتكوينها البيولوجي والذي قيل إنه يؤثر على مزاجها المتقلب وعلى سلوكها الخاطىء، في ظاهرة تعرف بـ"الهستيريا الجنونية" التي تجعلها غير قادرة على اتخاذ قراراتٍ عقلانية، وفق المنطق السائد حينها.
حالة الهستيريا ناجمة عن الاحتفاظ بـ"بذرة أنثوية" قد تصبح سامة في حال لم يتم إطلاقها عبر الجماع المنتظميعود تاريخ حالة "الهستيريا الجنسية" التي تصيب النساء إلى عام 1900 قبل الميلاد في مصر القديمة، أما الفضل في تشخيص هذه الحالة فيعود إلى أبقراط، أول مدون لكتب الطب تاريخاً، ونظريته الغريبة عن الرحم، واصفاً إياه بأنه "حيوان حرّ يطفو بحريّة داخل الجسم"، وعليه اعتبر أن المشكلة تكمن حين يطفو هذا الحيوان في مكانٍ غير متوقع أو بالقرب من عضو آخر، فعندها ستبدأ المشاكل لدى المرأة بالظهور على شكل تنقطاع في التنفس، وآلام في القلب، وصعوبة في البلع.
ما هي علاقة الرحم بنوبات الهستيريا؟
في بردية إيبوير، التي تعد أقدم وثيقةٍ طبيةٍ تتحدث عن أعراض الاكتئاب، تم وصف الأعراض التقليدية للهستيريا بأنها نوبات تشنج تولد شعوراً بالاختناق والموت الوشيك، وتتحدث البردية أيضاً عن تدابير علاجية يجب إتخاذها اعتماداً على موضع الرحم، من خلال إجباره على العودة إلى مكانه الطبيعي، ففي حال تحرك الرحم مثلاً إلى الأعلى، فإنه كان يوصى بوضع مواد ذات رائحة كريهة بالقرب من فم المرأة، أما الروائح الزكية فتكون على مقربة من مهبلها، أما في حال انخفض الرحم، فتوصي الوثيقة بوضع المواد الكريهة بالقرب من الرحم والروائح الزكية قرب فمها.
تحدث "أبقراط" عن نظرية معقدة معروفة باسم "الرحم المتجول"، وتقوم على فكرة أن الهستيريا التي تصيب النساء تعود لوجود رحم غير رطب و"غير سعيد" نتيجة الحرمان من الجنس لفترةٍ طويلةٍ.
الهزاز كان عبارة عن طاولة ضخمة فيها ثقب توضع فيه كرة هزازة تجلس فوقها المرأة، إلا أن الأطباء نصحوا النساء بعدم الجلوس لوقت طويل، كون هذه التقنية تؤدي إلى الإفراط في المتعة.من جهته تحدث "أبقراط" عن نظرية معقدة معروفة باسم "الرحم المتجول"، وتقوم على فكرة أن الهستيريا التي تصيب النساء تعود لوجود رحم غير رطب و"غير سعيد" نتيجة الحرمان من الجنس لفترةٍ طويلةٍ.
معالجة "الرحم المتجول"
في كتابه "أمراض النساء"، اعتبر أبقراط أن ما يسبب هذه الحالة الغريبة هو جسد المرأة "البارد والرطب" من الناحية الفيزيولوجية على عكس جسد الذكور الذي يكون جافاً ودافئاً، من هنا أوضح أن الرحم يكون عرضةً للمرض حين يكون محروماً من الفوائد الناجمة عن الجنس والإنجاب والتي تركز بشكلٍ أساسي على توسيع قنوات المرأة وتطهير جسمها.
واللافت أن "أبقراط" ذهب في نظريته إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أنه بالنسبة إلى النساء العازبات والأرامل والعقيمات، فإن رحمهنّ "السيىء" لا يقوم فقط بانتاج مواد سامة إنما يتسبب أيضاً في أنواع مختلفة من الإضطرابات مثل القلق والشعور بالاختناق، لأن الامتناع عن الجنس، وفق رأيه، يسبب انقطاعاً في التنفس بسبب توقف تدفق الهواء في الرئتين إضافة إلى مشاكل حادة في القلب.
أما الطبيب والفيلسوف اليوناني جالينوس الذي تعمّق في نظرية أبقراط، فقد عارض نظرية "الرحم المتجول"، معتبراً أن حالة الهستيريا ناجمة عن الاحتفاظ بـ"بذرة أنثوية" قد تصبح سامة في حال لم يتم إطلاقها عبر الجماع المنتظم.
تدليك الأعضاء الجنسية وطرق علاجية أخرى
بعدما تم ربط مدى رطوبة الرحم وموضعه بالحالة الهستيرية التي تصيب بعض النساء، فإن بعض العلماء شددوا على أن علاج هذه المشكلة يكون عن طريق الإشباع الجنسي. فبحسب أسطورة "يوربيديس"، اعتبرت الطريقة الجماعية للعلاج هي الحل عن طريق إتباع التجربة الديونيزية التي كانت تقوم على فكرة إشباع الرغبات عن طريق الكحول وممارسة الجنس الجماعي.أما جالينوس فقد أوصى بالتغلب على "هستيريا الجنس" عن طريق الزواج، على اعتبار أن ممارسة الجنس بانتظام تشكل مفتاح الحل للتغلب على هذه الحالة الغريبة.
وبمعزل عن الممارسة الجنسية التقليدية، فقد اعتبر الهزاز، الدوش المهبلي وتدليك الحوض، من أهم الطرق لمعالجة "الهستيريا الجنسية"، وفق ما أكدته المؤلفة "راشيل ماينز" في كتابها The Technology of Orgasm "تكنولوجيا الشهوة" الذي تحدثت فيه عن أعراض الهستيريا التي تشمل الإغماء، والقلق، والأرق والتهيّج العصبي، بالإضافة إلى الفانتازيا الجنسية وطرق معالجتها للوصول إلى الشهوة الجنسية.
كما أشرنا في السابق، فإن الجنس كان يعتبر من الأمور الضرورية للحفاظ على صحة المرأة، فالمرأة المتزوجة تمارس الجنس بانتظام، أما المشكلة فتكمن عادة لدى النساء غير المرتبطات، وعليه كان يتم "استقدام" قابلات وظيفتهنّ الأساسية: تحفيز الأعضاء التناسلية للشابات العازبات والأرامل والنساء المتزوجات العاجزات عن الوصول إلى النشوة الجنسية، من أجل التخلص من السوائل الضارة، الأمر الذي فتح المجال في وقت لاحق لما يعرف ب"تدليك الرحم"، وهي التقنية التي أوصى بها جالينوس، قائلاً: "من خلال إتباع العلاج الذي تضمن لمس الأعضاء الجنسية، أفضى ذلك إلى رجفة مصحوبة بألم ومتعة في نفس الوقت، وبعد ذلك خرج سائل كثيف ووفير، ومنذ ذلك الوقت أصبحت المرأة حرّة من كل شرٍ شعرت به من قبل".
فبالرغم من استخدام هذه التقنية في البداية لعلاج بعض الحالات التي تصيب الجنديات مثل هبوط الرحم، إلا أنه سرعان ما تحول "تدليك الرحم" إلى العلاج الرئيسي في شفاء العديد من الأمراض النسائية من مشكلة نزول الرحم وصولاً إلى النيمفومانيا المعروفة بفرط النشاط الجنسي.
واللافت أنه في العصر الفيكتوري، وصلت الهستيريا إلى ذروتها مع تقارير طبية تفيد أن حوالي ربع النساء يعانين من اضطرابات النقص في النشوة الجنسية (الهستيرية الجنسية)، الأمر الذي دفع إلى اللجوء إلى الدش المهبلي، بحيث كانت تجلس المرأة على كرسي خاص ويتم توجيه المياه على منطقة الحوض لديها.
وهي الطريقة التي اعتبرت الأفضل للتحكم بالذروة الجنسية، إضافة إلى الهزاز الذي كان عبارة عن طاولة ضخمة فيها ثقب توضع فيه كرة هزازة تجلس فوقها المرأة، إلا أن الأطباء نصحوا النساء بعدم الجلوس لوقت طويل، كون هذه التقنية تؤدي إلى الإفراط في المتعة.
يذكر أنه في العام 2011، عالج فيلم Hysteria مسألة "انقطاع التنفس الهستيري " بطريقةٍ كوميدية مستقاة من العصر الفيكتوري في بريطانيا، بحيث تدور الأحداث حول قيام أحد الأطباء المتخصصين في الطب النسائي باختراع جهاز هزاز يساعد في علاج "الهستيرية الجنسية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 9 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.