يوم 10 يوليو 1971، توجّه أكثر من 1000 ضيف إلى القصر الملكي بمدينة الصخيرات (قرب العاصمة الرباط) للاحتفال بالذكرى الـ42 لميلاد الملك الحسن الثاني. ضيوف من كل حدب وصوب ومن مختلف المستويات؛ سياسيون، أمنيون، جنرالات، رجال الأعمال، وفنانون.
الكل هنا في القصر المطل على شاطئ البحر من أجل الاحتفال بعيد الميلاد الملكي. ولكن مهلاً: محاولة انقلابية من إعداد امْحمَّدْ اعبابو، شاب ذو 33 عاماً، تَحَوّلَ من خادم وَفِي للعرش إلى انقلابي تراوده أحلام إقامة الجمهورية، ستقلب كل شيء رأساً على عقب، ليغرق القصر الملكي في حمام من الدماء أودى بحياة قرابة 500 شخص.
الآن، تكون قد مرّت 47 سنة على أول محاولة للانقلاب العسكري على نظام الحسن الثاني، وهي المحاولة التي كان مآلها الفشل. شكّلت منعطفاً حاسماً في تاريخ البلاد مهَّد بشكل كبير لدخول المغرب مرحلة ما يعرف تاريخياً بسنوات الجمر والرصاص، إلا أنها لم تكن المحاولة الوحيدة، بحيث ستشهد المملكة خلال أقل من سنة انقلاباً ثانياً، تجسد هذه المرة في محاولة إسقاط طائرة البوينغ التي كان على متنها الملك وهو في طريق عودته إلى المغرب قادماً من فرنسا.
وبعد الحوار الذي أجريناه مع الضابط أحمد المرزوقي، أحد المشاركين في المحاولة الانقلابية والناجين من جحيم سجن "تازمامارت" ، في ما يلي معلومات تاريخية عن عملية الصخيرات التي كادت أن تدخل المملكة المغربية في دوامة حكم العسكر.
حصيلة الانقلاب
- 8 أطنان من الذخيرة استعملت في الهجوم على قصر الصخيرات.
- أكثر من 100 من المدعوين لقوا مصرعهم أثناء الهجوم.
- حوالي 200 من تلامذة المدرسة العسكرية أصيبوا بنيران زملائهم.
- 74 حكم عليهم بالسجن مدةً تراوحت بين سنة ومؤبد.
- أكثر من 100 تلميذ لقوا مصرعهم أثناء المواجهات.
- 10 ضباط سامون تم إعدامهم، بينهم 4 جنرالات.
تأجيل الانقلاب (من الموكب إلى حفل عيد الميلاد)
كان كل شيء جاهزاً لتنفيذ الانقلاب في مايو 1971، لولا أن القدر كان إلى جانب الحسن الثاني ذلك اليوم. ففي اللحظات الأخيرة؛ فشل المخطط وتم إرجاؤه إلى موعد آخر غير بعيد.ففي ليلة 13 مايو، كانت كل الأمور جاهزة للانقلاب على عاهل البلاد، بحيث كان المخطط يتمثل في الهجوم على موكب الملك على طريق مدينة فاس/ الحاجب، لكن الحسن الثاني "أفشل" الخطة من دون أن يعلم عندما طلب من الجنرال محمد المذبوح، مدير الديوان الملكي وشريك اعبابو في الانقلاب، إرسال مروحيتي استطلاع تتقدمان الموكب الملكي.
هنا، شعر الجنرال بالخطر القادم واتصل بالكولونيل اعبابو واطلعه على المستجد الطارئ، ليتقرر بناءً على ذلك، العدول عن تنفيذ الانقلاب وانتظار أقرب موعد للقيام به، ليقع الاختيار على تاريخ عيد الميلاد الملكي، حيث ينتظر أن يقيم الملك الحسن حفلاً في أحد القصور ليطفئ شمعته الـ42. وتماماً كما حدث لحظة الهجوم على القصر الملكي في يوليو، لم يكن الطلبة العسكريون على علم بما كانوا سيقومون به على طريق فاس/الحاجب، حيث تم أخبرهم الكولونيل اعبابو بأنهم سيخوضون "مناورة عسكرية" ، وليس انقلاباً عسكرياً كما كان مقرراً ذلك اليوم.
أحكام الإعدام على المباشر
يوم 13 يوليو 1971 على الساعة 11 صباحاً، ربط التلفزيون المغربي الاتصال المباشر بمكان غير بعيد عن شاطئ "الهرهورة" -ضواحي العاصمة- يستخدمه الجيش للتدريب لكي يتابع المغاربة عملية إعدام المتهمين في التخطيط للانقلاب.يتعلق الأمر بأربعة جنرالات، خمسة كولونيلات وكوموندو واحد، أعدموا بأمر من الملك الحسن الثاني الذي تابع تنفيذ الإعدام في حقهم رفقة العاهل الأردني الملك حسين، من على تل رملي، بعيداً عن كاميرات التلفزة والمواطنين الذين حضروا إلى عين المكان بإيعاز من السلطات المحلية لمتابعة عملية إعدام قادة الجيش المتورطين في محاولة قلب النظام.
لقد وجد هؤلاء الضباط السامون أنفسهم مصلوبين على أعمدة خشبية، في انتظار أن تتلقى أجسادهم وابلا من الرصاص من فرقة الرماة التي أفرغت رشاشاتها في صدور نخبة الجيش. كان المشهد مثيراً للغاية وسابقة في تاريخ البلاد، لذلك أصر الملك على بث العملية على شاشات التلفزيون مباشرة من ساحة الإعدام، ليعرف الجميع مصير من خططوا للانقلاب على الملك لتولي الحكم مكانه.
المثير هو أن البعض بدأ يصرخ بحياة الملك ودوام الملكية قبل ثوانٍ من تنفيذ الإعدام في حقهم، ربما طمعاً في الحصول على "عفو" من عند الملك؛ لكن ما تبين لاحقاً هو أن تلك الإعدامات استعملت كوسيلة لتصفية الحسابات مع بعض " الجنرالات الأعداء"، إذ عمد وزير الدفاع محمد أوفقير إلى استغلال قرار تنفيذ الإعدام في حق المتورطين للتخلص من بعض الجنرالات الذين لم تكن تربطه بهم علاقة ودية، حتى يتمكن من التخطيط في هدوء تام لانقلابه الذي حصل في العام التالي.
الصخيرات : مجزرة سياسية
تعددت الكتابات والمقالات والتحقيقات التي ظلت تنشر بشأن تفاصيل انقلاب الصخيرات منذ أكثر من أربعين سنة. فقد طبعت أحداث 1971 في ذاكرة المغاربة وتحولت إلى مادة دسمة للباحثين والصحافيين والمثقفين بهدف كشف خبايا أول انقلاب عسكري هدد استقرار البلاد.في هذا الإطار، جاء كتاب "الصخيرات، المجزرة السياسية" الذي صدر أواخر العام الماضي، وكتبه قيدوم الصحافيين المغاربة مصطفى العلوي، الذي عاش تلك المرحلة بكل تفاصيلها؛ وهو الصحافي المعروف بقربه من رجال القصر والشخصيات النافذة التي كان لها تأثير كبير في المغرب القرن الماضي.
أصرّ الملك المغربي الحسن الثاني على بثّ عملية الإعدام على شاشات التلفزيون مباشرة، ليعرف الجميع مصير من خططوا للانقلاب على الملك لتولي الحكم مكانه، وكان برفقته آنذاك العاهل الأردني الملك حسين.
محاولة انقلابية تحوّل عيد ميلاد الملك الحسن الثاني إلى ليلة دماء أودت بحياة 500 شخص، وهي من إعداد "امحمد اعبابو"، الذي تحوّل من خادم وفي للعرش الملكي المغربي إلى انقلابي تراوده أحلام إقامة الجمهورية.ففي مقدمة كتابه الحافل بتفاصيل وحقائق مثيرة عن العملية الانقلابية، اعتبر العلوي أن أقطاب المغرب أرادوا دفن تفاصيل أحداث ذلك اليوم "لأنها مزعجة لمن حضرها، ومخيفة لمن لم يمت فيها" ، مشيراً إلى أن كتابه جاء بعد أن فرض الزمن زوال العوائق، وهذا ما دفعه إلى إصدار هذا الكتاب لأنه مقتنع بأن انقلاب الصخيرات "يشكل جزءاً من الجحيم الذي عاشه النظام المغربي، ملكاً وشعباً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...