عمامة ضمنت لطائفة من المسلمين السيطرة على الدنيا والآخرة
الجمعة 3 أغسطس 201802:02 م
مجلسٌ به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعه أئمة الشيعة الاثني عشرية من أولاده وأحفاده، حضره السلطان الصفوي وشيخ الطريقة الصفوية حيدر ابن الشيخ جنيد، وأثناء ذلك نظر عليّ بعين العطف والرحمة إلى حيدر، وأمره أن يجعل لأصحابه علامة مميزة، فوقع في نفسه أنه اخترع تاجاً من الخوخ الأحمر، له اثنا عشر ركنا ولبسه على رأسه.
كان ذلك في رؤيا منامية لحيدر، بحسب الرواية المتداولة حول اختراع تاج أو قبعة أو عمامة "القزلباش"، بحسب ما ذكرت مصادر عدة (منها "الطريقة القزلباشية")، منها ما أورده محسن الأمين في كتابه الموسوعي "أعيان الشيعة"، والذي يوضح أن "قزلباش" تعني بالعربية "ذوي الرؤوس الحمراء"، فـ"قزل" بالتركية تعني الأحمر، و"باش" تعني رأس، كما يعرف أيضاً بـ"تاج حیدر".
هذه "العمامة" ليست مجرد غطاء للرأس، ولكنها كانت رمزاً لحياة كاملة، فهي اسم الجنود الذين أسسوا الدولة الصفوية، امبراطورية المشرق الإسلامي القوية لأكثر من قرنين، والتي جعلت التشيُّع على المذهب الاثني عشري واقعاً في إيران.
عمامة القزلباش في المعتقد الصفوي كانت تحمل بداخلها خلاصاً لمرتديها في الدنيا وفي غيرها، فهي الوقاية والكمال والهيمنة على الدنيا، عقيدة ومجرى حياة مرتديها، ومن لم يلبسها فهو في نظر الصفويين كالجسد الميت بلا رأس.
القزلباش تجعلنا نرى العالم يدور في فلك عمامة، أو يصح أن نختزله في قبعة كما وصف الباحث الباكستاني شاهزاد بشير في دراسته "The World as a Hat: Symbolism and Materiality in Safavid Iran"، والتي تناول فيها الرموز وعلاقة الروحاني بالمادي لدى المجتمع الصفوي في إيران.
الشاه طاهماسب الأول[/caption]
من هؤلاء، الشيخ صفي الدين الأردبيلي مؤسس الطريقة الصفوية (تـ.1334/735)، الشيخ الجنيد الجد الأكبر للملك أو الشاه طاهماسب الأول (تـ.1460/864)، حمزة بن الإمام السابع موسى الكاظم الذي يعتقد الصفويون أنه من ساداتهم، وسهل التستري (تـ.283/896) أحد أهم أعلام التصوف المحسوبين على أهل السنة والجماعة. وقيل للنجفي إنه لا يملك القدرة على تحمل معرفة الأفراد الثلاثة المتبقين الحاضرين.
حمزة أخبر النجفي أن النبي محمد كان له تاج -أو عمامة- من 5 طبقات أو ثنيات، ولكنه حين وضع تاج الولاية والخلافة على رأس علِيّ بن أبي طالب كان مكوناً من 12 طبقة، في إشارة إلى الإمامة الاثني عشرية والولاية التي مُنحت إلى عليّ، بحسب المعتقد الشيعي.
ثم انتقلت تلك القبعة من إمام إلى آخر حتى وصلت إلى الإمام "الثاني عشر" الغائب، محمد بن الحسن العسكري، الملقب بـ"المهدي المنتظر"، ثم وضعها المهدي على رأس الشاه إسماعيل عندما أصبح ملكاً.
الشاه إسماعيل هو إسماعيل بن حيدر بن الجنيد الصفوي (ولد في 892 هـ /1487م - توفي في 930/ 1524م), والد الملك طهماسب الأول، وهو المؤسس الحقيقي للدولة الصفوية، التي كانت بالأساس طريقة صوفية (سنية) أسسها الشيخ صفي الدين الأردبيلي في مدينة أردبيل الإيرانية قرب الحدود مع أذربيجان، وتحولت على يد خلفائه إلى دولة شيعية تدين بالمذهب الاثني عشري، وانتشرت في كامل إيران وبلاد مجاورة، وفرضت المذهب الاثني عشري على أهلها في عهد إسماعيل.
لم تنتهِ الرؤيا بعد، فقد طلب النجفي من الإمام سهل التستري أن يضع على رأسه التاج الصفوي وأن يلبسه خرقة التصوف، فألبسها له الشيخ صفي الدين الأردبيلي.
ثم أكد حمزة على النجفي ألا يُخفي عن الناس العلم الذي تلقاه في رؤياه، وأخبره أنه يذهب هو والأئمة كل ليلة جمعة إلى ضريح الإمام علي بالنجف في العراق، يطوفون حوله ويدعون للشاه طهماسب الأول، وفي هذا الوقت هم متاحون أيضاً لتلبية أي طلب لأي شخص هناك.
بعد هذه الرؤيا يقول النجفي إنه تأخر في الكتابة عن التاج، فجاءه شخص في رؤيا أخرى يلبس أبيض ويمتطي حصاناً أبيض، وأمره ألا يعترض أو يؤخر ما طُلب منه في الرؤيا الأولى.
وهنا نلاحظ تعمد النجفي اختيار تلك الآيات ومناسبتها مع موضعها في الرأس لربط مرتدي القبعة بالله.
تشير الآيات في الأعلى والداخل إلى مسائل كونية، مع إضفاء انطباع عام بأن القبعة تربط الإنسان وخلق الله النهائي بحضوره الكوني، أما سورة يس وآية الكرسي فمشهورتان لدى المسلمين عموماً بأنهما حافظتان من الأذى، ومنهما تكتسب القبعة وظيفة وقائية لمرتديها.
وضْعُ الآيات التي تشير إلى "وجه الله" على الجزء الأكثر وضوحاً من القبعة، يدل على وجود توافق بين الوجه البشري تحت القبعة والوجه الإلهي.
وتشير الآيات أيضا إلى ملمح أخروي مميز، حيث تلمح إلى مرتديها كجندي في جيش المهدي، فمجموع الآيات يظهر مرتدي القبعة كحليفٍ وقريبٍ من الله، متصل به ومحمي به، والتمثل بوجه الله يشير إلى محاولة لطمس الحدود بين الإنسان والله، ليصبح هذا الإنسان ممثلا لله، فتصبح أفعاله وكأنها تمثيل للفعل الإلهي.
في أعقاب وصف النقوش، ينتقل النجفي إلى مناقشة الصفات المرتبطة بتراكيب جسم للقبعة، فيشير إلى أن جزءها العلوي المستطيل المستقيم يعبر عن استقامة مرتديها، وهذا يقود إلى تحديد أكثر شمولية بين جسم الإنسان والقبعة الطبيعية.
ويقول إن الاعتناء بالقبعة وتنظيفها يعادل الوضوء للصلاة، ويظهر أن للقبعة طقوساً خاصةً للعناية بها واجبةً على الأجساد البشرية.
ويوضح النجفي أن إنتاج القبعة يتم من خلال عناصر مختلفة، يُحصَل عليها من أجزاء مختلفة من الأرض، وتدخل في إنتاجها جميع الحرف الموجودة بالمجتمع.
ويعلق شاهزاد بشير، بأن وصف النجفي للنقوش القرآنية على القبعة، يعطي انطباعا بأنها جعلت الكون متصلاً عبر الزمن، وأصبحت أكثر العناصر المركزية في الكون، ما يمثل نقطة انصهار بين الوقت، الفضاء، المادية، المجتمع، والتجربة الظاهرية.
ما القزلباش؟ وكيف نتج؟
القزلباش رغم غرابة فكرتها بالنسبة لعصرنا، هي نتاج نمط فكري كان شائعاً خلال التاريخ الإسلامي. فكرٌ أسس دولاً وشكل هوية مجتمعات، يقوم على ماورائيات العالم التي تنتقل إلى العالم عن طريق رؤى وأحلام منامية، لتفرض الرؤية عقائداً وإيديولوجيات وسياسات وقوانين بل وعادات وتقاليد، وهذا أمر أصيل في التاريخ الإسلامي، خاصة لدى الشيعة والصوفية، بل لدى أهل السنة ولو بدرجة أقل. فبنص الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه، أن ابن عباس قال إن النبي كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، والناس صفوفٌ خلف أبي بكر، فقال: "يا أيها الناس إنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو تُرى له". هذا الحديث يؤكد أن من البشر العاديين بعد النبي محمد من سيتلقون وحياً من الله عن طريق الرؤى المنامية. وكثيرٌ من الروايات تدل على أن النبي كان يوحَى إليه في منامه كثيراً، وكذلك كان الصحابة يقصون عليه أحلامهم ويفسرها، واعتبر البعض أن تفسير الأحلام علمٌ مستمد من القرآن والسنة، وعلى رأسهم التابعي محمد بن سيرين (تـ. 110هـ/729م) صاحب موسوعة "تفسير الرؤى والأحلام". ويوصف تاج–أو عمامة–القزلباش بأنه ضيق على الجبهة ويأخذ في الارتفاع ويمعن في الاتساع على الرأس، وهو من أعلاه مسطح ولكنه يتألف من اثني عشر طبقة أو ثنية، طبقا لعدد الأئمة الاثني عشرية، ويعلوه من الوسط شبه ساق ضيق صلب له طول شبر، بحسب ما جاء في أكثر من مرجع، منها ما نقله رعد مطر مجيد في كتابه "أثر عصر النهضة على التصوير الإسلامي: دراسة تحليلية تاريخية"، عن كتاب "زندكاني شاه عباس أول" لنصر الله فلسفي.القبعة القزلباشية وُضعت على رأس آدم لحظةَ خلق البشرية، وأُعطيت للنبي محمد قبل رحلة المعراج، ثم نُقِلت منه مع العباءة والوشاح إلى علي بن أبي طالب في موقعة "غدير قُم" بحسب رؤيا النجفي
تتميز قبور العثمانيين بوضع عمامةِ المتوفى فوقها كشاهدٍ عليه، ما يدلّ على تبجيل واحترام العمامة كرمز داخل مجتمع سنّي
رؤى منامية تدير العالم
الباحث شاهزاد بشير عثر على مخطوطة في مكتبة برلين لكتاب بعنوان "طريق الإرشاد" مؤلفها هو هاشم بن أحمد بن محمد النجفي، الذي يدّعي أنه كتبه عام 1083هـ/1672م، في زمن الشاه الصفوي طهماسب الأول. ويوضح شاهزاد أنه لم يجد أي مخطوطات أخرى للكتاب، كما لم يستطع التحقق من هوية المؤلف، ولكن المخطوطة فخمة مكتوبة بماء الذهب ولها إضاءة فضية، وهو أمر يدل على أن كتابتها حظيت برعاية قد تكون من أحد الملوك الصفويين. بحسب الكتاب، فإن مؤلفه "النجفي" رأى في منامه بإحدى الليالي بعد أن فقد وعيه نتيجة البكاء والتضرع للإمام عليّ، لتخفيف جهله وإخباره عمّا يعني "القزلباش"، فشاهد أنه نُقل إلى منزل الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكر "المهدي" في الحلة، وهناك قابل مجموعة من سبع شخصيات دينية رفيعة. [caption id="attachment_155274" align="alignnone" width="1000"]
