"قمة تاريخية". هذا هو أنسب وصف للقاء الذي عقد في 12 يونيو بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في منتجع جزيرة سنتوسا في سنغافورة.
ما الرسائل التي حملها اللقاء؟ لماذا سنغافورة تحديداً؟ وما الذي تخبرنا به لغة جسد كل من ترامب وكيم؟ ما تكلفة اللقاء ومَن الذي دفع الفاتورة؟ والسؤال الأهم: ما أهمية هذه القمة غير المسبوقة لمستقبل عالمنا؟
ماذا ناقش ترامب وكيم؟
بعد أن صافح كيم ترامب وتبادل معه الابتسامات، قال له: "تشرفت بلقائك أيها الرئيس". وبثقة وابتسامة، ردّ ترامب: "ينتابني شعور عظيم حقاً، أتوقع أن نجري نقاشاً عظيماً وسنحقق نجاحاً"، مضيفاً أن اللقاء شرف له أيضاً. بدا أن اللقاء الذي استمر لمدة 41 دقيقة أقرب إلى لقاء صديقين أكثر مما هو لقاء يجمع بين زعيم قادم من دولة منعزلة، كرست جهودها طوال سنوات لتطوير أسلحة نووية وصواريخ، وبين رئيس دولة تعودت أن ترى كوريا الشمالية أحد الأخطار المحتملة على السلام الدولي. التقى ترامب وكيم في البداية بحضور المترجمين فقط، وبدون حضور أي مسؤول من البلدين. وبعد انتهاء لقائهما الثنائي، انضم إليهما من الجانب الأمريكي وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، بينما انضم من فريق كيم مدير المخابرات العسكرية السابق كيم يونغ تشول، ووزير الخارجية ري يونغ هو، ونائب رئيس حزب العمال الحاكم ري سو يونغ. بحسب ما قاله ترامب، ستكون العلاقات مع كوريا الشمالية مختلفة بشكل كبير عما كانت عليه في السابق، لافتاً إلى أن القمة نجحت في إرضاء الطرفين وأنها ستحقق السعادة للجميع. ولم يفت الرئيس الأمريكي أن يدعو نظيره الكوري الشمالي لزيارة البيت الأبيض. أما كيم، فأكد أنه سيطوي صفحة الماضي، رغم أنه يعلم أنه سيواجه العديد من التحديات على حد قوله. لكنه بثقة، تعهد بالعمل مع ترامب، لمواجهة تلك التحديات. أبرز ما تمخض عنه اللقاء هو توقيع ترامب وكيم على وثيقة شاملة، تظهر "أن نزع الأسلحة النووية الكورية الشمالية سيبدأ سريعاً جداً"، على حد وصف ترامب لهذه الوثيقة. تضمنت الوثيقة العديد من النقاط، أبرزها العمل على إقامة علاقات جديدة بين البلدين، وتجاوز الماضي، ونزع كامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية، إضافة إلى ضمانات أمنية أمريكية لحماية بيونغ يانغ."كان ترامب واثقاً من نفسه بدرجة كبيرة، لا يظهر الخوف أو التردد على ملامحه، أما كيم فظهر هادئاً، مبتسماً، يعرف جيداً ما الذي يريده من هذا اللقاء"
بدا أن اللقاء الذي استمر لمدة 41 دقيقة أقرب إلى لقاء صديقين أكثر مما هو لقاء يجمع بين زعيم قادم من دولة منعزلة وآخر قادم من دولة "عدوة"ويأتي هذا اللقاء بعد مرحلة شد وجذب بين البلدين، انتهت بأن قدمت كوريا الشمالية مبادرات مهمة لحسن النية منها وقف تجاربها النووية والصاروخية، وغلق أهم منشآتها النووية. فردت الولايات المتحدة على ذلك بأن استقبلت أحد أكبر مستشاري كيم في البيت الأبيض.
لماذا سنغافورة تحديداً؟
لم يكن اختيار سنغافورة كمكان محايد لعقد اللقاء اعتباطياً. أسباب عدة أدت إلى هذا الاختيار. فالدولة تتميز بإجراءات الأمان الشديدة التي تجعل سلامة ترامب وكيم مضمونة. وبحسب تقرير نشرته مجلة "تايم" الأمريكية، فإن مستوى الأمن ويقظة الشرطة وتمكن جهاز الاستخبارات من القيام بمهامه هناك تحتل مراتب متقدمة وفق المقاييس العالمية. وتصنف سنغافورة الدولة الأكثر أماناً في قارة آسيا، كما يأتي ترتيبها السادس عالمياً في نفس التصنيف. إذاً فنحن نتحدث هنا عن دولة يمكن للرئيس الأمريكي بشكل خاص أن يضمن سلامته الشخصية على أراضيها. وهناك سبب مهم آخر لاختيار مكان عقد القمة، هو خبرة الدولة المعروفة عالمياً في تنظيم المؤتمرات واللقاءات الدولية المهمة. سبب ثالث لا يقل أهمية بحسب تايم هو أن الدولة غنية، ولديها القدرة المالية على تنظيم وتأمين هذا اللقاء الذي تكلف مبالغ طائلة. ولا تنفي سنغافورة أن التكلفة المادية لهذا اللقاء ضخمة لكنها ترى أن الأمر يستحق القيام بلعب "دور حتى ولو كان صغيراً في هذا اللقاء التاريخي". وبحسب ما قاله رئيس وزراء سنغافورة لي هسيين لونغ، بلغت التكلفة الإجمالية لاستضافة القمة التاريخية نحو 20 مليون دولار، مضيفاً أن بلاده متحمسة لتحمل كافة تكاليف هذا اللقاء التاريخي. تتميز سنغافورة أيضاً بأنها دولة محايدة، لها علاقات مهمة مع كوريا الشمالية منذ سنوات عدة، وفي نفس الوقت علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية مميزة.لغة جسد ترامب وكيم
يؤمن الطبيب النفسي محمد إدريس بأن شخصيات مثل ترامب وكيم تمتلك القدرة على التحكم في لغة الجسد الخاصة بها بسبب حساسية مناصبها، لكنه يؤكد أن ما بدا في القمة يظهر أن كلاهما فخور بشكل ما باللقاء، وقد يكون السبب أن اللقاء بالفعل تاريخي ويحسب كإنجاز لكل منهما. ويرى إدريس أن ترامب كان واثقاً من نفسه بدرجة كبيرة، لا يظهر الخوف أو التردد على ملامحه، أما كيم فظهر هادئاً، مبتسماً، يعرف جيداً ما الذي يريده من هذا اللقاء، وهو أمر يتناقض مع الصورة التي تعودت بعض وسائل الإعلام على رسمها له. "ظهر أيضاً أن ترامب صار أكثر قدرة على التحكم في لغة جسده، بعكس ما كان يظهر دائماً في اجتماعاته في بداية توليه منصبه كرئيس للولايات المتحدة، وقد يكون تلقى تدريبات عملية على هذا الأمر"، يتوقع إدريس. ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في السادس من يونيو الجاري، قرار الرئيس الأمريكي بعقد قمة مع كيم جونغ أون بأنه قرار "شجاع وناضج". لكن على العكس تماماً نصحت إيران كوريا الشمالية، بأن تحترس جيداً خلال تفاوضها مع ترامب، وأن تكون واعية، وتدرك أن ترامب والولايات المتحدة "معروفان بعدم الوفاء بالمعاهدات والالتزامات"، على حد تعبير المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي. ويرى الكثير من المراقبين أن اللقاء يصبّ بدون شك في مصلحة السلام العالمي، بشرط أن ينجح فعلاً في تحقيق انفراجة دبلوماسية بين البلدين، وإذا حدث ذلك فعلاً، فقد يتغير الواقع الأمني في منطقة شمال شرق آسيا. ويشبّه بعض المحللين هذا اللقاء بزيارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون للصين عام 1972، والتي كانت سبباً في تحول كبير في سياسات بكين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...