شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"محاكمة القرن".. 100 يوم على اعتقال أكثر صحافي مزعج للسلطات في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 4 يونيو 201805:07 م
100 يوم مروا على اعتقال توفيق بو عشرين (49 سنة)، مؤسس جريدة "أخبار اليوم" المعروفة بانتقادها نظام الحكم في المملكة المغربية. 100 يوم وبو عشرين يقبع خلف القضبان في إطار ملاحقته بتهم جنسية ثقيلة، جعلت الوسط الصحافي المغربي يعيش على وقع انقسام حاد بين من يعتبر أن اعتقاله جاء للقضاء عليه بعدما صار "قلماً مزعجاً" ومن يرى أنه سقط فعلاً في شباك المتعة الجنسية لإشباع نزواته "الشاذة" كما وصفها محامو النساء المشتكيات، لتتحول محاكمته المتواصلة منذ نحو ثلاثة أشهر إلى "محاكمة القرن"، كما قال أحد أعضاء هيئة دفاع المتهم فور صدور صك اتهامه. بدأت القصة عندما دهمت قوات الأمن مقر جريدة "أخبار اليوم" في مدينة الدار البيضاء، يوم 23 فبراير الماضي، لاعتقال مديرها واقتياده إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومن ثم إلى السجن، ليجد الرجل نفسه متابعاً بتهم تصل عقوبتها إلى 20 سنة حبس نافذة: الإغتصاب، محاولة الإغتصاب، الإتجار في البشر واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي. منذ ذلك الحين، يثير اعتقال بو عشرين جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والحقوقية للمملكة، بحيث لم يتردّد كثيرون في التشكيك بالتهم الموجهة إليه، رابطين ذلك بالخط التحريري للصحيفة والافتتاحيات اللاذعة التي ينشرها يومياً، بعدما حوّل "أخبار اليوم" إلى منبر ينتقد فيه أسلوب الحكم في المغرب وحتى الشخصيات المعروفة بقربها مما يسمى بـ"المحيط الملكي". في المقابل، تؤكد أطراف أخرى اختارت الترافع ضد بو عشرين بأن التهم الموجهة لناشر "أخبار اليوم" ثابتة في حقه، وأن اعتقاله مردّه إلى الشكاوى التي تقدمت بها مجموعة من النساء اللواتي أكدن أنهن كن ضحايا لاعتداءات جنسية مارسها عليهن أشهر كاتب افتتاحيات في المغرب... أما الذي جعل من القضية أكثر إثارة للجدل فهو حجز "فيديوهات جنسية" قيل إن مدير "أخبار اليوم" كان يصورها دون علم ضحاياه. 

كفاح من أجل البقاء

بعد مرور قرابة شهرين على اعتقال بو عشرين، أصبح يونس مسكين، الصحافي البارز في هيئة تحرير الجريدة، مديراً لنشر "أخبار اليوم"، من دون أن تظهر بوادر إلى قرب حدوث انفراج في قضية مؤسسها. 20180531_182943~2 وكانت 'أخبار اليوم" تأسست سنة 2009، في فترة عرفت ازدهاراً في الصحافة المغربية مع عدد من الجرائد المعروفة باستقلاليتها وجرأتها كمجلة "لوجورنال" و"تيل كيل" و"نيشان"، وقد شكل تأسيسها آنذاك إضافة نوعية للحقل الصحفي في المغرب، خصوصاً وأن الصحيفة اتخذت خطاً تحريرياً نقدياً، منذ عددها الأول، حيث ظلت تواظب على تخصيص ملفات تتعلق بالملك والملكية ونظام الحكم وسنوات حكم الملك الراحل الحسن الثاني؛ مع تسليط الضوء على أقوى المحطات التي كانت فيها البلاد تتخبط في دوامة ما يسمى في المغرب بـ"سنوات الجمر والرصاص". هذا الخط التحريري الذي انتهجته الجريدة سيعجّل بإغلاقها بعد أقل من ستة أشهر على ميلادها، في قضية صنعت الحدث خلال سنة 2009، كان أطرافها توفيق بوعشرين وأمير علوي هو مولاي مولاي إسماعيل، ابن عم العاهل المغربي.
سعي للقضاء على "قلم مزعج" أم تورط فعلي في قضايا اغتصاب وفيديوهات جنسيّة... يستمر الجدل حول قضية ناشر "أخبار اليوم" توفيق بو عشرين بعد أكثر من 100 يوم على اعتقاله
سواء كان متهماً أم مظلوماً، فإن غياب افتتاحياته وأسلوبه اللاذع في الكتابة هو خسارة فادحة للوسط الإعلامي المغربي الذي سيكون بذلك قد ودّع آخر صحافي مشهود له بالاستقلالية والمهنية خلال العقد الأخير
وتعود القصة إلى أواخر سبتمبر، عندما قامت الجريدة بنشر رسم كاريكاتوري يظهر فيه ابن عم الملك فوق "العمارية" بمناسبة حفل زفافه، لتقرّر السلطات إغلاق الجريدة بدعوى أن الرسم الذي نشرته شكّل "مساً صارخاً بالاحترام الواجب لأحد أفراد الأسرة الملكية" و"إساءة إلى العلم الوطني". وفي الوقت الذي قرّر الأمير متابعة الجريدة مع مطالبتها بأداء تعويض مالي قدره 300 مليون سنتيم (حوالى 314 ألف دولار)، سيتنازل لاحقاً عن متابعة مدير النشر ورسام الكاريكاتير، وذلك بعدما نشر بو عشرين رسالة اعتذار رسمية إلى الأمير، عبّر له فيها عن غياب أية نية للإساءة إليه كواحد من أفراد الأسرة الملكية، أو للعلم الوطني الذي يُعتبر رمزاً للأمة. أما بالنسبة للذين راهنوا على تغيير بو عشرين توجهات جريدته بعد عودتها للصدور، فقد خاب ظنهم، إذ واصلت "أخبار اليوم" السير على المنوال نفسه، والتطرق إلى المواضيع الأكثر إزعاجاً للسلطات كالحديث عن هيمنة الملكية على الحقل السياسي وانتقاد الأشخاص المعروفين بقربهم من مربّع الحكم في المملكة الشريفة. ومع انطلاق الانتفاضة الشعبية في تونس، أواخر سنة 2010، كانت جريدة بو عشرين هي الوحيدة في المغرب التي تواكب تطور الأحداث في بلاد الياسمين، بحيث ظلت تخصّص صفحتها الأولى لرصد آخر التطورات التي تشهدها البلاد. أما عندما اتخذت الأحداث منحى آخر، وتحولت الاحتجاجات الشعبية إلى ثورة، تحولت معها "أخبار اليوم" إلى صحيفة ناطقة باسم الثورة التونسية والربيع العربي بصفة عامة في المملكة المغربية. "هذا كان يزعج شيئاً ما السلطات المغربية، كون (أخبار اليوم) السباقة إلى اتخاذ موقف واضح من انتفاضة تونس والربيع العربي وتخصيصها حيّزاً مهماً من صفحاتها لنقل آخر التطورات في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن. لقد أزعج الأمر السلطات التي كانت في حالة استنفار بعدما تحولت الأحداث في تونس إلى ثورة شعبية أسقطت نظام الرئيس بن علي"، كما يقول صحافي في هيئة تحرير الجريدة لـ"رصيف 22".

متهم أم بريء؟

بالنسبة لغالبية المتابعين، أصبح ملف بو عشرين يكتسي طابعاً غامضاً يجعل المتتبع العادي يتردد في اتخاذ موقف واضح من القضية. 20180531_183056~2 بعد مرور 100 يوم على اعتقاله، انتقلت المحكمة منذ أسبوع إلى مرحلة عرض الفيديوهات الجنسية، التي يزعم دفاع المشتكيات أنها دليل قاطع على أن الرجل كان بالفعل يستغل المستخدمات والصحافيات اللواتي يشتغلن في مؤسسته الإعلامية. ولم يتردّد دفاع الضحايا المفترضات في القول إن بو عشرين "مريض جنسياً يمارس ممارسات شاذة على ضحاياه في امتهان حقير لكرامتهن وآدميتهن" . وفي انتظار صدور حكم في القضية المعروضة الآن على أنظار القضاء المغربي، يبقى المؤكد أن تجربة توفيق بو عشرين كصحافي في المغرب قد انتهت.. وسواء كان متهماً أم مظلوماً، فإن غياب افتتاحياته وأسلوبه اللاذع في الكتابة هو خسارة فادحة للوسط الإعلامي المغربي الذي سيكون بذلك قد ودّع آخر صحافي مشهود له بالاستقلالية والمهنية خلال العقد الأخير.  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image