أثار الحديث عن اتجاه لبنان لمنح جنسيته لعشرات الأجانب جدلاً واسع النطاق، وأيقظ المخاوف من فزاعة "إعادة التوطين الديموغرافي" للسوريين والفلسطينيين. واستدعى انتقادات للقيود المفروضة على حق اللبنانية المتزوجة من أجنبي في نقل جنسيتها لأبنائها. في لبنان، أصبحت قرارات منح الجنسية عادة كل استحقاق انتخابي، يربطها البعض بـ"مصالح مالية" عائدة إلى وسطاء تمريرها، والبعض الآخر يقول إنه مكافأة التعبئة لمصلحة التصويت لمرشحين معينين في الانتخابات. وحسب تقارير صحافية محلية، يقدر عدد الحاصلين على الجنسية بموجب مرسوم (لم يصدر أو يُعلن عنه رسميًا) بين 300 و 400 شخص، معظمهم من جنسيات سورية وفلسطينية وعراقية وأردنية ويمنية وتونسية ومصرية وسعودية وألمانية وفرنسية وبريطانية وإيرانية وتشيلية وأميركية وهندية، وعدد من مكتومي القيد. وقد نقلت وكالة الأنباء الرسمية عن مصادر قولها إن المجنسين الجدد "ميسورون"، منهم رجال أعمال قد يسهم تجنيسهم في تنشيط حركة الاقتصاد من خلال استثمارات تخلق فرص عمل للكثير من اللبنانيين، وآخرون ينحدرون من أصول لبنانية تعرقلت معاملاتهم لأسباب معينة إبان مرسوم التجنيس الأخير.

"التجنيس" بين "الضرورة" والتوازن الطائفي

من وقت لآخر يسود الجدل حول هذه المسألة التي تعتبر أحد خطوط الحمراء المتوافق عليها في البلاد، للحفاظ على التوزان الطائفي والديموغرافي. وتبرز قضية التجنيس والتوطين كواحد من مصادر إثارة الانزعاج والجدل بين اللبنانيين منذ صدور مرسوم يونيو 1994 في عهد الراحلين رئيس الوزراء رفيق الحريري ورئيس الجمهورية إلياس الهراوي.

"العهد القوي بدو مصاري" منح الجنسية لأجانب يثير مخاوف من التغير الطائفي بلبنان

"دولة فصل اجتماعي"... الجنسية اللبنانية للأغنياء فقط والحرمان لأبناء اللبنانيات

وقدر مسؤولون سابقون عدد من حصلوا على الجنسية في هذه الفترة بنحو 53 ألفاً نتيجة "ضرورة" تستدعي رفع الظلم عن بعض الناس ممن حرموا من الجنسية لأسباب غير قانونية، بحسب وزير الداخلية وقتذاك بشارة مرهج. وتذهب التقديرات إلى أن 250 ألفًا على الأقل تم تجنيسهم من تسعينيات القرن الماضي حتى اللحظة.

"بس ما عرفنا بأديش البسبور البناني"

وأفادت وسائل إعلام محلية بأن محاولاتها فشلت في التواصل مع مسؤولين حكوميين للتعليق على ما أثير عن المرسوم، وذكرت أنه صدرت تعليمات بعدم نشره في الجريدة الرسمية، فيما نشرت صحف عشرات الأسماء، وقالت إنها لعدد من الحاصلين على الجنسية. وصبَ عدد من السياسيين ومستخدمي تويتر غضبهم على وزير الخارجية جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، الذي يضغط من أجل "توزيره" أو الفوز بحقيبة وزارية مؤثرة في الحكومة الجديدة. وفي فضاء تويتر، ظهر وسما #تيار_التجنيس و #لا_للتجنيس_لا_للتوطين للتعليق على "فضيحة" منح الجنسية اللبنانية للميسورين. وتضمنا تغريدات تهاجم باسيل، الذي يعتقد البعض أنه يقف وراء صدور القرار. وكتب السياسي اللبناني وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني: "الدولة هي في عالم ثاني فهي منهمكة في مرسوم تجنيس الميسورين كي تستفيد بعض القوى الظلامية في الحكم من المغانم والسمسرات". ومثله، قال النائب زياد الحواط: "خلصت سكرة الانتخابات وجاءت فكرة التغيير والاصلاح من خلال مرسوم تجنيس مهرب من أمام عيون اللبنانيين، معياره الميسورون، مباشرة بعد الانتخابات وقبيل تشكيل حكومة العهد الأولى الغارقة بالمحاصصة والتقاسم. مبروك لكم ولهم .المواجهة مستمرة والشعب حاسب سلفاً". وأُعيد تداول تغريدات قديمة لوزير الخارجية كان خلالها يرفض منح اللبنانية المتزوجة من أجنبي الجنسية لأبنائها، وهو ما وصفته الصحافية يمنى فواز بأنه "انفصام على عُهر". وقال مغردون إن "التجنيس للفقير ومكتوم القيد والحالات الاجتماعية ولأبناء الأم اللبنانية ممنوع ومسموح للأغنياء. دولة فصل اجتماعي". ورأى فريق ثان أن المرسوم "محدود الأثر"، وأشار إلى أنه غدا أمرًا معتاد للرؤساء، لافتًا إلى ما فعله الرئيس ميشال سليمان عندما أقر منح الجنسية لـ400 شخص قبل مغادرته منصبه. واتخذت الانتقادات مسارًا آخرًا يميل إلى تعليقات حملت طابع السخرية والتهكم، بين تساؤلات عن "سعر بيع الجنسية" واتجاه البعض إلى تقديم نصائح ومحاذير إلى "المتجنسين الجدد"، مثل الكلمات الدارجة، وتعاملات الحياة اليومية، وملامح العلاقات الاجتماعية والسياسية. من بين ذلك، كيفية التعامل مع المواقف الحرجة والأزمات، مثل انقطاع المياه والكهرباء، والوقت غير المناسب لاستخدام المصاعد، وأسعار المواصلات، والمناسبات التي يطلق فيها اللبنانيون النار في الهواء. وأيضًا وقت الاستماع إلى جارة القمر فيروز مثلما قال أحدهم "بنتعامل معها مثل المنقوشة بس بنسمعها الصبح إذا بيسمعك حدا حاطت فيروز بعد الساعة 12 بيسحبوا منك الجنسية".