شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بعيدًا عن أحلام النوم، المجتمع يحدد قدركم يا عرسان

بعيدًا عن أحلام النوم، المجتمع يحدد قدركم يا عرسان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 5 يونيو 201802:22 م
"بعد زواجي بفترة قصيرة، بدأت تنهال عليّ الأسئلة هل أنت حامل أو تنتظرين مولودًا"، تقول لجين (29 عامًا)، "والأمر مزعج حقيقة، كوني لا أرى ذاتي أمًا، في الوقت الراهن على الأقل. فالإنجاب يُعتبر جريمة إهمال في حق الطفل، في انخراطي أنا وزوجي في دراستنا الأكاديمية، وتحضيرنا للزمالة في تخصصاتنا الطبية". من المألوف جدًا أن يُسأل حديثو الزواج مثل هذه الأسئلة، وسط إلحاح كبير ممن يكبرونهم سنًا. ولا يهم إذا ما كان السائل مقربًا، أو مجرد وجه تصادفه في المناسبات العائلية. وبعيدًا عن هذا الاقتحام الفج لخصوصياتنا كأفراد إلى حدٍ يجعلك تقف ببلاهة عاجزًا عن الرد على سؤال مستغرب: هل العيب الخَلقي منك أو من شريكك / شريكتك، لكن الحقيقة أن مثل هذه الأسئلة وغيرها التي لا تأخذ خصوصياتنا بعين الاعتبار، هي نتيجة لتلك التصورات المسبقة والمُعلّبة أيضًا لما سنكونه وتكون عليه اختياراتنا في الحياة. فمن المكتوب على الفتاة أن تكمل دراستها حتى يقرع العريس باب المنزل، فتتجه بعد ذلك إلى كونها زوجة وربة منزل بالدرجة الأولى، ولا مانع من عملها في وظيفة ثانوية شريطة ألا تؤثر على وظيفتها الأولى، والتي تنعكس نتائجها على نظافة بيتها وأناقة زوجها وآداب وتصرفات بناتها وأبنائها. وعلى هذا الأساس، يتم توزيع المهام والأدوار في الأسرة، فالأم مسؤولة عن واجهة المنزل إلى العالم الخارجي، بينما يتولى الأب مسؤولية تعامل العالم الخارجي مع المنزل. ولهذا تمثّل الصورة النمطية للأم في كونها الوطن الحنون، بينما الأب صاحب القرار في القضايا الكبرى، وهو بذلك يعرف كل شيء في العالم، فيغدق على أسرته الأموال الكافية لقضاء حوائجهم. تكمن الأزمة الأهم التي تخلقها مثل هذه التصورات المسبقة في كمية التضحيات التي يتطلبها الامتثال لكل هذه التصورات، أن يُخبرك الجميع بما يجب أن تكونه بدلًا من أن تخبرهم بما تحب أن تكون. "لا مساحة للأحلام في الحياة الواقعية"، يقول محمد (26 عامًا)، "يجب أن تختار التخصص الجامعي ذا المستقبل المادي الجيد، بغض النظر عن شغفك أو طموحك في الحياة. يجب أن تخلق توازنًا بين حياتين، إحداهما فقط التي تخصّك وتهتم بها".
من المألوف جدًا أن يُسأل حديثو الزواج عن نهار تشريف المولود الاول، سؤال فجّ يقحم خصوصيات الزوجين ويلجم أحلامهم بالخروج عن لعبة التكاثر
الجيل الأكبر سنًا يريد، مدفوعًا بالنوايا الحسنة، للأجيال اللاحقة أن تعيش هذه الحياة المثالية الممكنة، والمتمثلة في الأسرة السعيدة، بكل القيود التي تحملها
على الجهة الأخرى، يمثل الزواج وتكوين الأسرة الهاجس الأكبر والمحرّك الأساسي خلف كل هذه التصورات المسبقة. فالجيل الأكبر سنًا يريد، مدفوعًا بالنوايا الحسنة، للأجيال اللاحقة أن تعيش هذه الحياة المثالية الممكنة، والمتمثلة في الأسرة السعيدة، بكل الضوابط التي تحملها. وهو ما يجب أن تجد السعادة فيه، بدلًا من أن تحاول تغييره ليُلائم شخصيتك وطبائعك. "دائمًا ما يُردد والداي بأنهما أكثر خبرة بالحياة ودراية بأساليبها، وبأنهما يبحثان عن مصلحتي الشخصية بدافع الحب"، تقول رغد (25 عامًا)، "هذه هي الجملة الافتتاحية دائمًا لنصائحهما في الاهتمام بزوجي، والتفكير بالإنجاب، بغية الحفاظ على زواجي. وبالرغم من أنني حاليًا أحضّر شهادة الدكتوراه في تخصص دقيق ومن جامعة شهيرة، إلا أن ذلك لا يبدو كافيًا، وهو ما يشعرني بالإحباط على الدوام". يعقب محمد: "أنا على دراية تامة بأن كل هذه النصائح والتوبيخ المستمر، منبعه الاهتمام بنا وبمستقبلنا، وبالرغبة في أن نحيا حياة طيبة. لكن كل هذا التدخل في شؤوننا الخاصة، يمثل تهديدًا آخر، أجدني في غنىً عنه، على أحلامنا، بل حتى فهمنا وتعريفنا لذواتنا. الأمر الذي يجعلنا ننفر من قضاء أوقات طويلة مع الأجيال الأكبر منا، كردة فعل طبيعية". الحقيقة أن الآثار المترتبة على هذه التصورات المسبقة، المبنية على جنس الطفل، وإن كان تجليها بعد البلوغ عادة، إلا أنها تلازمه من اليوم الأول، وتؤثر بشكل كبير على بناء شخصيته أيضًا. الطفلة التي تُمنع من اللعب مع بقية الأطفال في الشارع، والتي توبخ بشدة إذا ما خدشت وجهها أثناء اللعب. الطفل الذي يتجرع إهمال الشؤون المنزلية، خوفًا من تميّع رجولته الموعودة، أو الذي يتم تدريبه على كبح مشاعره وتجنب البكاء وغيرهما من الصفات المرتبطة بأدوار كل طرف في الأسرة المستقبلية. لم يتوقف الأمر على هذه الصفات والطبائع، بل وحتى في الصفات الخَلقية والمظاهر وفقًا للمعايير التي تعرفها الأجيال السابقة. "أحد عمّاتي تسألني كلما التقيتها إذا ما كنت قد تشمست أخيرًا، في إشارة إلى لون بشرتي السمراء"، تقول دالية (29 عامًا)، "أذكر أنني سمعت والدي في حديث مع أحد إخوته متطرقًا إلى لون بشرتي، ويجعله المبرر لدراستي الجامعية، وكأنها الخطة البديلة في حال لم يتقدم أي شاب للزواج بي". يتابع إبراهيم (31 عامًا): "فترة الخطبة قد تعد الأكثر إزعاجًا، تكررت على مسامعي الكثير من الانتقادات حول خطيبتي وكونها غير جميلة بالدرجة الكافية، وزنها غير المثالي، شعرها المجعد، لون بشرتها الأسمر، وغيرها من الصفات التي لا تطابق المعايير". تكمل زوجته لينه: "يحصل النقاش نفسه مع الفتاة حول خطيبها عادة، العقلية ذاتها مع اختلاف تام في الصفات والمعايير: قصر قامته، نحوله، شعره الطويل، وحتى العمر المتقارب بيننا، ووضعه المادي طبعًا". تمثل الصورة المسبقة لحياة الإنسان بشكل واضح، كونها أضحت حديثًا متداولًا بين الأصدقاء المقربين، إثر ترتباته السلبية وما تخلفه من معاناة للآخرين. فقد خضعت هذه التصورات للاختبار على أرض الواقع في أكثر من حادثة، لكن، وكما تقول لينه عن اختلاف المعايير وعدم تغير العقلية وراءها، أتستمر العقلية نفسها وأسلوب التفكير في الجيل الحالي؟ يجيب الدكتور عبدالله غازي، الطبيب والباحث في السلوك البشري: "لا بد لنا من فهم الدوافع لهذا الأسلوب من التفكير، الزواج والإنجاب كتسلسل طبيعي لحياة الإنسان هما مسلمة ثقافية للإنسان التقليدي، الجيل الحالي وإن كان يشعر اليوم أنه تقدمي ويريد التخلص من الفكر التقليدي الذي تربى عليه سيجد نفسه غالباً في الخانة التقليدية في نظر الجيل الذي هو أصغر منه، لماذا إذاً ستستمر العقلية التقليدية نفسها وأسلوب التفكير المحافظ في الجيل الحالي؟ ثلاثة أسباب: 1- الفضول المعرفي، في بحث نشر في 2006 راجع فيه 92 دراسة بيّنت أن الفضول المعرفي للشخص يقل لدى تقدم العمر وهذا قد يفسر زيادة التفكير المحافظ مع تقدم السن. 2- آلية الحكم، في مراجعة علمية لـ88 دراسة من 12 دولة بيّنت أنه كلما تقدم الانسان في السن كوّن آراءه بشكل تعميمي حول الأفكار والأشخاص والأحداث بدون الأخذ في الاعتبار فردانية كل حالة. 3-الثقة في النفس، في دراسة نشرت في 2011 وجدت علاقة بين الثقة في النفس والأفكار المحافظة عند كبار العمر. الدراسة ترى أن الانفتاح على الأفكار الجديدة في هذه المرحلة العمرية قد يسبب اهتزاز الثقة في النفس وفي المكانة الاجتماعية للإنسان. بالطبع كل الأسباب هذه تفسر الثقافة المجتمعية بالمجمل، وبالتأكيد سنجد حولنا بعض الاستثناءات التي تثبت فردانيتهم وتؤكد القاعدة".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image