من عادة ذكور القطط عند البلوغ أن تتبول في مكان معيّن لفرض سيطرتها على محيطها ولاستقطاب القطط من الجنس الآخر. ويبدو أن الرجال في مدننا تعلموا من القطط هذا السلوك الغريزي بل فاقوهم بنشر بصاقهم ونفالهم وغيرهما فى كل مكان حتى أصبحت الشوارع مهرجان للحمض النووي الذكوري.
لا أقصد هنا التحدث عن النظافة العامة ولكن عن المدينة التي تفوح برائحة الرجال حتى ظن هؤلاء أنهم وحدهم من يملكونها. ففي اعتقادي أنه حين يتحرش الرجل بإمرأة في الشارع فذلك ليس بالضرورة لغرض جنسي ولكنه يفرض بشكل ما غير إرادي سيطرته ونفوذه ووجوده فى الشارع.
إذا فكرنا بشكل واقعي وعدنا إلى الماضي فسنجد أنه لم يكن في مخيلة المهندسين المعماريين أو القائمين على أى مدينة، أنه سيأتي يوم تعج فيه مدننا بالنساء كحالها اليوم. لهذا السبب لم تُعد المدينة لاستقبالهن وأصبحت بالتالي تعاقبهن على الخروج كل يوم.
وحتى أكون منصفة في حق الرجال الصالحين أيضاً، فالحقيقة أن المدينة وصلت لدرجة أنها لا تصلح للبشر من الأساس. فالخروج يومياً هو معركة دائمة للرجل أو للمرأة على حد سواء، نعم فالمدينة في حرب، أنظر إلى كل شيء حولك تجد أثار معركة دامية ولو كانت الشوارع والمباني تذرف دماً، لكانت المدينة غارقة فى دمائها.
لماذا لا نعامل النساء في الشوارع كالرجال في المنزل الذين توفر لهم كل سبل الراحة حين يطأون عتبة بيتهم ويعاملون كملوك؟
حين يتحرش الرجل بإمرأة في الشارع فذلك ليس بالضرورة لغرض جنسي ولكنه يفرض بشكل ما غير إرادي سيطرته ونفوذه ووجوده فى الشارعيضيق الخناق كل يوم على الشوارع التي كان السير فيها متعة. وأصبحت السيارات تسيطر على كل مكان بصورة فجة. ومع غلاء الأسعار ولجوء أعداد أكثر من النساء والرجال على السواء لركوب الأتوبيس والمترو و الميكروباصات أو السير بدلاً من الركوب تزيد المشكلة تعقيداً أكثر فأكثر ويصبح الاحتكاك حتمياً. ومع الضغط على المواصلات العامة المتاحة يكون الحل توفير أتوبيسات أخرى مما يزيد من التلوث والازدحام. والكثير من الشوارع والأرصفة لا يصلح للسير. علماً أن الأرصفة التي من المفترض أنها صُنعت للمارة ولكن بالتدريج تسطو عليها المقاهي والكافيهاات، مما جعلها للرجال الجالسين على الطرقات عرض أزياء متواصل يُستحل النظر إليه. حتى وإن توفرت، ففي بعض الأماكن تمكن الأرصفة المتحرشين من التضييق على المرأة، فتضطر السيدة أو الأنسة بإلقاء نفسها فى قلب الشارع وسط السيارات هرباً من الشخص المشبوه. أضف إلى ذلك إضاءة الشوارع الخافتة، والأماكن المهجورة التي تتوسط بعض الأماكن في المدينة وقلة الأمن أو انعدامه أحياناً. لماذا لا نعامل النساء في الشوارع كالرجال في المنزل الذين توفر لهم كل سبل الراحة حين يطأون عتبة بيتهم ويعاملون كملوك. حتى وإن كانت المرأة ضيفة فى الشارع كما يظن البعض فلنعاملها كذلك ونحسن ضيافتها، ولكن الحقيقة أن المرأة تستحق أن تُهيأ الشوارع لها وأن تنشر فيها سبل الراحة من أجلها. وعندما يحين الوقت ليلتقطن هؤلاء النساء أنفاسهن بعيداً عن الروتين اليومى يجلسن على الشاطئ فى الإجازة الصيفية مرتديات كامل ملابسهن ولا يتمنعن بهواء البحر سوى ما يتسلل من فتحات الملابس. بينما يلهو الرجال بكروشهن البارزة. وحدث ولا حرج عن منع البوركيني في الكثير من القرى السياحية. ومع كل ما سبق لم يعد حلم الفتيات أن يمشين في الشارع بجونلات واسعة وشعر يتطاير وكعب عالٍ لا يغرز فى حفرة أو بالوعة، بل أن يعدن إلى المنزل دون إيذاء جسدي أو نفسي. وأبسط حقوقهن أن يسرن في الشوارع بكرامة ولا يشعرن أنهن في كل مرة ينزلن إلى الشارع تطاردهن شياطين الإنس. ليست الأزمة أخلاقية فقط، ولكنها تتعلق بالتخطيط العمراني وتصميم الشوارع ووضع المرأة وكرامتها ضمن أولويات المدينة. نريد مُدناً تصلح للنساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
KHALIL FADEL -
منذ 3 ساعاتراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ 21 ساعةعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 4 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري