طلب منّا جون لينون في أغنية "تخيّل"، أن نتخيل عالماً دون جنة أو نار، دون أوطان أو أديان أو حروب، وأن نتخيل عالماً تعيش فيه كامل البشرية بسلام. ورغم أنّه اعترف بأنه قد يكون حالماً، إلا أنه مع ذلك، دعانا أن نشاركه ذلك الحلم:
https://youtu.be/3wsYM1GgQLU?t=40s
لم تكن الدعوة الأولى من نوعها، فقد قدّمت ثقافات العالم تصوراً للحياة المثالية منذ القدم، وتفننوا في توصيف شكلها ودرجات السعادة التي يمكن أن ينالها قاطنيها، ولكن هذه الدعوات بقيت نظرية وأحلاماً، كحلم لينون، حتى نهايات ستينات القرن الماضي.
قبل نحو 50 عاماً، على هضبة مترامية الأطراف في بونديشيري (جنوبي شرق الهند)، تم تدشين أول بلدة عالمية "مثالية"، حيث في "أوروفيل" يمكن للجميع من دول العالم كافة الذهاب إلى هناك والعيش في سلام وتناغم، متحررين من مذاهبهم الدينية والسياسية والقومية. السعادة
"أوروفيل" بلدة شاطئية قبالة خليج البنغال، تقع على بعد 8 كيلومترات شمال غرب بودوتشيري، التي كانت ذات يوم جزءاً من أربعة أقاليم متفرقة خاضعة للاستعمار الفرنسي وتسمى بـ"الهند الفرنسية".
[caption id="attachment_148214" align="alignnone" width="700"] ميرا الفاسا[/caption]
وجاء ظهور المدينة الفريدة بمثابة تتويج للعلاقة الوطيدة والسرية بين ميرا الفاسا، التي تسمى بالأم، وسري أوروبيندو، الفيلسوف والقائد المؤثر في حركة استقلال الهند.
[caption id="attachment_148224" align="alignnone" width="700"] سري أوروبيندو[/caption]
متى ظهرت أوروفيل؟
تشكلت ملامح "أوروفيل" عندما التقت الأم والفليسوف السياسي في مارس 1914، وهو الوقت الذي لجأ فيه سري أوروبيندو إلى مناطق السيادة الفرنسية في بونديشيري للهروب من الاعتقال، بعد دعوته إلى الاستقلال وعودة البريطانيين إلى بلادهم.في مدينة الفجر، لا يوجد مال ولا حكومة ولا دين ولا ناطحات سحاب أو طرق سريعة ولا صحف تحمل عناوين الحرب والفقر والإبادة الجماعية
تخيل عالماً مثالياً لا توجد في مدارسه امتحانات، ويتم تشجيع الأطفال على تعلم الموضوعات التي يختارونها وبالسرعة التي تناسبهموبعد وفاته في 1950، كانت ميرا الفاسا أخذت على عاتقها مهمة تقديم فكرته عن "المدينة العالمية" لتؤتي ثمارها في تحقيق الوحدة الإنسانية وتكوين مجتمع مثالي. ومن المثير للاهتمام أنها كانت تبلغ من العمر أكثر من 90 عاماً عندما بدأت العمل مع المهندس المعماري روجر أنجر لوضع مخطط لمدينة يمكن أن يعيش فيها 50 ألف شخص. وفي 28 فبراير 1968، تم افتتاح البلدة رسمياً، واجتمع أكثر من 5000 شخص من 124 دولة (بما في ذلك الهند) في مدرج مكشوف للاستماع إلى الأم التي قرأت ميثاق أوروفيل، مؤكدة أن البلدة تنتمي إلى البشرية جمعاء. حافظت أوروفيل على ازدهارها رغم تعاقب الحكومات، ودام تعاون سكان البلدة الرائدون مع القرويين المحليين، بنيت أماكن الإقامة وحفرت الآبار وزرعت الحدائق وأقيمت المدارس. إلا أن مسيرة المدينة الفاضلة لم تمر دون عقبات، فبعد وفاة الأم في 1973، نشأ نزاع مرير بين السكان والمنظمة "الأم" في البلدة، وجمعية سيري أوروبيندو. واضطرت الحكومة الهندية إلى التدخل لإنهاء الصراع، وأقر البرلمان قانون مؤسسة أوروفيل لجعل البلدة كياناً قانونياً وحماية استقلالها الذاتي، في العام 1988.
ماذا يوجد في أوروفيل؟
يقول وليام سوليفان في كتابه "Dawning of Auroville"، إن البلدة مشروع تقابلت فيه الاشتراكية ذات النكهة الماركسية بالفوضى، لا يوجد مال ولا حكومة ولا دين ولا ناطحات سحاب أو طرق سريعة ولا صحف تحمل عناوين الحرب والفقر والإبادة الجماعية. ووفقاً لقرار المحكمة العليا الهندية لعام 1982، فإن أوروفيل "تتفق مع أعلى المثل والطموحات في الهند". وتتبرع الحكومة الهندية بأكثر من 200 ألف دولار لأوروفيل كل عام، وقد قامت اليونسكو بحماية البلدة منذ ولادتها في 1968. تبدو الحياة في أوروفيل سيريالية وروحية عميقة، وهي حالياً موطنٌ لأكثر من 2000 شخص، يتنوعون ما بين كتاب وفنانين وأطباء ومهندسين وطهاة ومدرسين ومزارعين وطلاب وغيرهم، من أكثر من 40 دولة. تشبه البلدة إلى حد بعيد حرماً جامعياً وسط الغابات، ولا تزال قيد التطور، فلديها عدد قليل من الطرق الممهدة (معظمها تم تركها عمداً) أو المباني الحضرية الخاصة بها (مثل مراكز الشرطة أو محطات السكك الحديدية). وتحظى بمنحدرات لولبية من جميع الجهات تؤدي إلى قاعة تأمل صامت تماماً- وهي شرنقة السلام والهدوء التي يعتقد أنها ظهرت لأول مرة في العديد من الرؤى للأم ميرا الفاسا. ويوجد في قلبها كرة كريستالية صُممت خصيصاً في ألمانيا (أكبر كأس زجاجي مثالي في العالم) تلتقط أشعة الشمس من قمة القبة. في أوروفيل، لا يستخدم السكان العملة داخلها، وبدلاً من ذلك يتم إعطاؤهم أرقام حسابات (مرتبطة بحسابهم الرئيسي) وتتم المعاملات عبر "aurocard" (التي تعمل مثل بطاقة السحب الآلي). وهناك لا شيء يقع تحت ملكية أي شخص، حيث تتوفر مرافق الرعاية الصحية الأساسية والكهرباء مجاناً، ومثلهم التعليم أيضاً ولا توجد امتحانات، يتم تشجيع الأطفال على تعلم الموضوعات التي يختارونها وبالسرعة التي تناسبهم. وحتى يمكنك المبيت فيها ليلة واحدة عليها دفع 2.5 دولار. أما بالنسبة لأعمال الصيانة، فإن السكان يوفرون القوى البشرية ويساهمون على أساس شهري نظير 5 ساعات عمل يومياً، ثم تكون بعدها حراً. كما تم إنشاء صناعات صغيرة، مثل صناعة الورق يدوياً، والبخور، وهي أيضاً موطن العديد من التجارب المستقبلية، من الطاقة والبيئة إلى الاقتصاد والتعليم، فيما يتم إنتاج محاصيل في مزارع بها لتستهلكها البلدة.هل المجتمعات المثالية ممكنة؟
عندما ظهرت "مدينة الفجر" كانت بمثابة "ثورة نفسية" في الستينات، لكن كان تصور "أوروفيل" أن تكون مجتمعاً دولياً خالياً من السلطة والمال والدين والصراع، ولم يتم العمل بهذه المبادىء تماماً، كما هو مخطط لها. مادي كرويل، صحفية في موقع "Slate" الأمريكي، خاضت رحلة إلى المدينة الفاضلة، وكتبت قائلة إنها تعاني من العديد من المشكلات وفي صدارتها البيروقراطية، وتصاعد معدلات الجريمة في المدينة، مثل حالات السرقة والتحرش الجنسي في مجتمع غير مسوّر ومحاط بالقرى المحلية، لافتة أنه كانت هناك حالات من الاغتصاب والانتحار وحتى القتل. وتقول مادي إنها سمعت أن النساء يمكن أن تكنّ عرضة للمضايقات وللهجوم في الليل، فلدى أوروفيل 32 مدخلاً ولا سياج، مُشيرة إلى أنه قبل بضع سنوات تعرضت شابة من الولايات المتحدة للهجوم أثناء الركض في منتصف النهار. إلا أنها تحدثت أيضاً عن كونها "أهدأ مكان في العالم"، ويأكل سكانها الأغذية العضوية المحلية، وفيها يتم الحفاظ على المياه بعناية، وإعادة تدوير واستخدام كل شيء، من حفاضات الأطفال إلى الزجاجات إلى الفوط الأنثوية وربطة الشعر القديمة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع