تنقّل بين الشعر والمسرح والفكر والتاريخ، وكتب عشرات الكتب عن العقائد الدينية للشعوب القديمة وعن تاريخ الديانات والحضارات، آخرها كتاب صدر قبل أسابيع بعنوان "أنبياء سومريون"... إنه المؤرخ والأستاذ الجامعي والشاعر والكاتب المسرحي العراقي المقيم في هولندا خزعل الماجدي.
قبل فترة وجيزة، زار الماجدي القاهرة وألقى محاضرة بعنوان "كيف تحوّل عشرة ملوكٍ سومريين إلى عشرة أنبياءٍ توراتيين". وعلى هامشها كان هذا الحوار مع رصيف22.
-
تقول إن غربة الحضارات الشرقية سببها انتشار الأنظمة الثيوقراطية أو الدكتاتورية أو العشائرية. ألا ترى أنه، على مستوى الشعوب، هناك مقاومة للتحديث وتمسك بشكل الدولة الثيوقراطية أو العشائرية؟
-
إلى أي مدى تنطبق مقولتك "الدين ظاهرة تطورية وليست ثابتة" على الديانة الإسلامية خلال تاريخها، وهل تطورت أم تمسكت بجمودها، أو ربما ارتدت إلى الخلف أيضاً؟
"الفرق بين العقل المسيحي والعقل الإسلامي أن الأول توقف واستبدلته المجتمعات المسيحية الغربية بالعقل العلمي"
العقل الإسلامي عقل تاريخي، مثل كل العقول، بدأ في القرن السابع الميلادي واكتملت أسسه في العصر الكلاسيكي العباسي لغاية ظهور المتوكل في القرن التاسع للميلاد. ثم دخل في مرحلة الاجترار وما زال إلى يومنا هذا مجتراً معاداً وهذا ما يعرفه المسلمون عامةً. والأصول الماسكة له والتي شكّلت الفكر الإسلامي الأول هي النواة الصلبة الجامدة التي ما زالت تعيد المجتمعات الإسلامية إلى الخلف دائماً.
الفرق بين العقل المسيحي والعقل الإسلامي أن الأول توقف واستبدلته المجتمعات المسيحية الغربية بالعقل العلمي، في حين لم يُستبدل العقل الإسلامي بعد بعقل آخر.
-
كيف تأثرت الديانات الإبراهيمية بأساطير العالم القديم، تلك التي أنتجتها حضارات المنطقة العربية؟
"هناك عمليات قصّ وقطع ومونتاج واسعة جداً للأساطير والتراث القديم قام بها كهنة الأديان الإبراهيمية".
فمثلاً، قامت الزرادشتية بتحويل الآلهة القديمة إلى ملائكة في نظامها الروحيّ، وكان هذا الإجراء محط اعتبار وأهمية للديانات الإبراهيمية، فأخذته وعملت به لأنه يتفق مع نزعتها التوحيدية. وقامت الغنوصية بابتكار نوع من التوحيد الباطني الخالي من الوحي والمعتمد على معرفة الله في الروح التي تدور داخل الجسد، فقامت الديانات الإبراهيمة بأخذ هذا المفهوم ووضعت الوحي بدل المعرفة. وهكذا، حدثت عمليات قصّ وقطع ومونتاج واسعة جداً للأساطير والتراث القديم قام بها كهنة الأديان الإبراهيمية وجعلوها مناسبة لتوجهاتهم.
-
قلت إن الأسطورة جزء من الدين، فهي المكون الثاني له. هل يفسر هذا تشابه القصص القرآني، مع الأساطير القديمة، كقصة الخلق مثلاً والتي تشابهت ملامحها بين الديانات الإبراهيمية الثلاث؟
خزعل الماجدي لرصيف22: الإيمان في الدين هو وجه من وجوه الأيديولوجيا لأنه نوع من الإيمان الأعمى غير القابل للحوار والجدل فهو إيمان مغلق لكنه قد يسبب الراحة لمعتنقه ليكون علاجاً سيكولوجياً أكثر منه بحثاً عن الحقيقة
أهم الأساطير التي بقيت هي أساطير البدايات (الخليقة) وأساطير النهايات (الإسكاتولوجيا) أي كيف بدأ العالم وكيف سينتهي وهي موجودة بوضوح في الديانات الإبراهيمية وتتشابه بشكل كبير مع ما في الديانات القديمة.
كيف تحوّلت الحضارات الزراعية النهرية إلى حواضن للأصوليات الدينية؟ وما أسباب هذا التحول؟
الأمر كله يتعلق بعاملين أساسيين كبرا واجتاحا الأديان وهما قسوة المناخ وحب السلطة.
-
هل تتآكل الحاجة إلى الأديان في ظل التفسيرات التي يقدمها العلم كل يوم عن الكون والحياة؟
"مستقبل الأديان سيكون في الروحانية وستذوب تدريجياً العقائد المتشددة".
لا شك أن للعلم دوراً عظيماً في تنوير الإنسان وتوسيع مساحة حياته ونعيمها، لكن الإنسان سيبقى بحاجة إلى الروحانية وأظن أن مستقبل الأديان سيكون في الروحانية وستذوب تدريجياً العقائد المتشددة في الأديان لصالح الجانب الروحاني الذي قد يكون منها أو من الفنون والآداب معاً، وهو ما يتجه إليه الكثيرون في الغرب وخصوصاً الذين هجروا الأديان المعروفة.
-
ما هي الحلقة المفقودة بين الأديان المتعددة والأديان الموحدة؟ وهل يمكن اعتبار أن الأديان الإبراهيمية ما هي إلا تطور لديانات التعددية السابقة؟
إن هذه الحلقة المفقودة التي تجمع المسارية والهرمسية والغنوصية هي البادئة بفكرة التوحيد العرفاني الباطني الخالي من الوحي، والتي تحملت عناء الاصطدام مع كتلتين كبيرتين: الأولى هي كتلة الماضي الصلد للأديان التعددية المشركة، والثانية هي كتلة الأديان ذات التوحيد الظاهري الناشئة حديثاً والمؤمنة بالوحي والتي انتعشت بفضل المناخ الروحاني والفلسفي الذي أشاعته المرحلة الهلنستية.
خزعل الماجدي لرصيف22: ليست الأديان وحدها سبب شقاء الإنسانية، لكنها حاضنة لاستعباد الإنسان وهي وسيلة للتحكم بالناس وجعل السيطرة عليهم سهلة...
وبعد صراع طويل، تمكن التوحيد الباطني من الانتصار على الأديان المشركة ولكنه فشل أمام الأديان التوحيدية الظاهرية الجديدة (غير العرفانية) التي أخذت التوحيد وجعلت منه شعاراً مميزاً لها وجعلته ظاهرياً لا باطنياً وأسبغت عليه صفة الوحي وهيأت له شرائع متزمتة، أصبحت مع الزمن موجهة لعقائده وفازت بالتوحيد النهائي ولكنها دمرت كل تلك الجذور الأولى التي بدأها التوحيد العرفاني (الغنوصي) ودمرت كل ما يمت بصلة إلى التوحيد العرفاني الباطني الذي تسلقت عليه وظهرت من خلاله.
-
كيف نفرق في الدين بين ما هو علم، تاريخ، أو إيمان؟
أما الإيمان في الدين فهو وجه من وجوه الأيديولوجيا لأنه نوع من الإيمان الأعمى غير القابل للحوار والجدل فهو إيمان مغلق لكنه قد يسبب الراحة لمعتنقه ليكون علاجاً سيكولوجياً أكثر منه بحثاً عن الحقيقة.
-
هل يمكن انتزاع الفتيل الأيديولوجي من الأديان الإبراهيمية، تحديداً في منطقتنا كما انتزع في الغرب على حد تعبيرك؟ وهل يمكن انتزاعه داخل كل ديانة على حدة من الأساس؟
سيكون مثل هذا التنازل صعباً بالنسبة للفقهاء والشيوخ والقادة المسلمين لأنهم يعتقدون أن الإسلام يقود الدين والدنيا، وهو وهم خطير فالإسلام دين مثل باقي الأديان، والأديان، كلّها، لم تعد تصلح لقيادة البشرية في التاريخ الحديث والمعاصر. سأكون صريحاً وأقول بوضوح إن وظيفة الأديان وظيفة روحية وهي تنظم العلاقة بين الله والإنسان فقط.
-
يذهب سيد القمني إلى اعتبار أن الديانة اليهودية ما هي إلا تجميعة أو إعادة صياغة من أساطير حضارات مصر والعراق. كيف ترى الأمر؟
كذلك، فإن الديانات الغنوصية في المنطقة ساهمت في صياغة هيكل اليهودية وهذبتها. الأمر معقد ويحتاج إلى شرح تفصيلي.
-
ماذا قصدت بأن الديانات الموحدة جذورها كلها غارقة في الأديان القديمة متعددة الآلهة؟
-
في محاضرتك عن كيفية تحوّل عشرة ملوكٍ سومريين إلى عشرة أنبياءٍ توراتيين، من آدم إلى نوح، وهي مادة كتاب جديد لك بعنوان "أنبياء سومريون"، كشفت أن هؤلاء العشرة لم يكونوا أنبياء بل كانوا ملوكاً. أين يقع هذا الكتاب في مجمل جهودك العلمية في كشف أسرار الديانات؟
ولطالما التبس الأمر وكثر الجدل دون فائدة ترجى، وكان الحلّ دائماً هو إقفال هذه الصفحة الأولى من تاريخ الإنسان والتسليم، دائماً، بما هو معروف وشائع دون إشباع الفضول والعطش المعرفيين اللذين يرافقان الإنسان ولا يهدأ نبضهما إلاّ بجواب وحجة مقنعة.
وكان علماء الآثار والتاريخ والأديان المقارنة يتهربون من هذه المنطقة لعدم وجود ما يشير إليها ويسندها على مستوى البحث العلمي، وكان التصدي لها نوعاً من الحراثة في الوهم.
تثير قضية آدم ومَن تلاه من الأنبياء ممن يمكن أن نسميهم مع آدم بـ"أنبياء ما قبل الطوفان" أو "الآباء الأوائل قبل الطوفان" لبساً حقيقياً، في الدراسات التاريخية والدينية، فهم، على المستوى الديني، أول سلالة بشرية، وهم، على المستوى الآثاري، لم يخلّفوا شيئاً وراءهم وإن خلفوه فقد اكتسحه الطوفان. وهم، على المستوى الزمني، يتراوحون بين تحديدات زمنية لا حصر لها تقدر بآلاف السنين، وهم، على المستوى التاريخي، خليط من الميثولوجيا التاريخية التي تتماهى فيها الآلهة مع البشر مع الطبيعة وتبدو كما لو أنها هيولات تاريخية مسربلة بالأساطير.
قمت في محاضرتي وفي كتابي بكشف حقيقة هؤلاء الآباء/ الأنبياء وأثبت أنهم ملوك سومريون حكموا في خمس مدن رافدية قبل الطوفان هي أريدو، بادتبيرا، سبار، لرك، شروباك.
هكذا إذن، نقف أمام الأصول البشرية مندهشين حيناً ومستسلمين أحايين كثيرة أمام بديهيات الكتب المقدسة وشروحاتها الشعبية التي لا تخبرنا بالحقيقة كما يجب.
الكتاب لا يريد ولا يدّعي الإحاطة بتراث كل هؤلاء الآباء في المرويات اليهودية والمسيحية والإسلامية فهذا مجهود يتطلب مجلدات كاملة لكنه حاول تنظيم بعض المعلومات عنهم بما يخدم غاية الكتاب وهدفه وهو إمكانية التطابق بين الآباء العبرانيين والملوك السومريين.
مشكلة آباء أو أنبياء ما قبل الطوفان هي أولى مشاكل الأصول ولذلك فهي تحتجب وراء ستار كثيف من الغموض والأسئلة المعلقة دونما أجوبة، ولذلك لا بد من التصدي لها، بمنهج علميّ، وكشف أسرارها وخفاياها.
-
قلت في ديوانك" فيلم طويل جداً" إن ما نحن فيه ليس من صنع أعدائنا، بل من صنعنا "نحن". مَن قصدت بـ"نحن"؟ وكيف ساهمنا فيه؟ وهل له نهاية يوما ما؟
-
هل الأديان سبب شقاء الإنسانية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...