"لكنني في كلّ يوم أتعلم أكثر، في كلّ يوم أتعلم أنّ بعض الأفعال-الأقوال التي اعتبرها عاديّة ولا تعني شيئًا تُسيء إلى إنسانٍ ما مختلف عني ببعض الصفات الفيزيائيّة الجسمانيّة، لذا أحاول تجنب هذه الأفعال-الأقوال".*
ما الذي يعنيه قول رجل نسويّ؟ وهل يمكن للرجل أن يكون نسويًا؟ ما هي تصرفات الرجل النسويّ مقارنة بالرجل غير النسويّ؟ في مقابل الرجل النسويّ هل هناك رجل ذكوريّ؟ هل يجب عليك أن تنضم لإحدى المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة قبل أن تطلق على نفسك لقب "رجل نسوي"؟ تقافزت هذه الأسئلة وشبيهاتها في ذهني وأنا أهمّ بكتابة هذا المقال.
في الحقيقة، لا أملك إجابات واضحة وصريحة ومباشرة عن هذه الأسئلة ومثيلاتها، لكنني سأحاول في هذه التدوينة التفكير في ما تعنيه هذه الأسئلة، وما هي الأفكار التي تدور في رأسي في هذه اللحظة حول هذه القضيّة.
أفترض أنّ الرجل النسويّ هو الرجل المؤمن بحقوق النساء والمؤمن بالمساواة والعدالة بين البشر المختلفين في كلّ تفصيل من تفاصيل الحياة، وهو الرجل المؤمن بأنّ نوع جنس الإنسان لا يوفر له/لها أيّ أفضلية في أيّ مجال علمي أو نظري أو تطبيقي. وإنّ هذا الإيمان لا يكمن في القول فقط بل يجب أن يكون مقترنًا بالفعل اليومي.
#لست_وحدك وسويّة بإمكاننا تغيير مجتمعاتنا نحو الأفضل
الرجل النسوي هو الرجل الذي لا يؤمن بتفوقه على الآخرين بسبب رجولتههذا يعني أن يتوقف الرجل عن التعريف عن نفسه كرجل فقط، وأن يفترض أنّ له أفضلية على النساء بمجرد كونه رجلًا. كذلك يعني أن يتوقف عن "التحكم" بحياة النساء، فقط لمجرد ولادته بعضو جنسيّ ذكريّ، وأن يحترم خصوصيّة الأفراد وقرارتهم بغض النظر عن جنسهم، وهذا يعني أيضًا أن تتوقف الشتيمة التي تستخدم أعضاء النساء الجنسيّة. كما أفترض أنّ الرجل النسوي يؤمن بأحقيّة اختيار الأفراد لتوجهاتهم الجنسيّة، وأن يدافع عنها دون أن يطلق أحكامًا مسبقة على من يخالفه التوجه. برغم كلّ التهم والإساءات التي قد يواجهها الرجل النسويّ بسبب انحيازه إلى أساسيات حقوق البشر، لا بدّ من الوقوف بحزم في وجه العقليّة الذكوريّة التي تحكم مجتمعاتنا. برغم كلّ الصعوبات والمعوقات التي قد ترافق تغيرات الحياة من رجل ذي عقليّة ذكوريّة إلى رجل يهتم بكرامة الآخرين وحقوقهم الآخرين، فيجب إكمال الطريق كي نصل إلى عالم أفضل لنا جميعًا. عادة، يكون الامتحان الحقيقي للرجل النسوي عند اقتراب القضية من حياة نساء في حياته، كأن تكون ابنته مثليّة الجنس مثلًا، أو أن تقرر أخته الزواج من رجل تحبه من طائفة أخرى، أو أن تقرر أمه الطلاق من أبيه، حالات مثل هذه تُظهر حقيقة إيمان الرجل بحقوق المرأة وقدرتها على اتخاذ قراراتها. في حالات مثل هذه، على الرجل أن يعرف بأنّ المطلوب منه هو الحب والدعم فقط وليس اتخاذ القرار وفرضه على الآخرين. باختصار، فإنّ الرجل النسوي هو الرجل الذي لا يؤمن بتفوقه على الآخرين بسبب رجولته، وهو الذي يسعى إلى عالم مبني على أسس قوامها العدالة والمساواة والحريّة. بكلمات أخرى: الرجل ليس محور الكون. الرجل ليس أهم عنصر في منظومة البشر. ربما من المفيد القول -وربما ردًا على بعض الاعتراضات التي قد تقول إنّ الوقت الحالي، وفي ظل ما تمر به بلادنا، ليس مناسبًا للحديث عن حقوق المرأة والنسويْة وقضايا مشابهة، والأولويّة هي لقضايا أخرى- الآن وفي كلّ آن، إن الوقت مناسب للحديث عن أيّة قضية، والدفاع عنها، وإنّ الحريات لا تتجزأ، وإنّ من يسعى إلى حقه لا بدّ أن يسعى إلى حقوق الآخرين كذلك، وإلا كان سعيه كاذبًا، أو على الأقل أنانيًا. هذه التدوينة هي صوت أردت نقله إلى النساء وإلى مجتمع الميم وإلى كلّ المستضعفين في بلادنا، #لست_وحدك وسويّة بإمكاننا تغيير مجتمعاتنا نحو الأفضل، وأقصد بالأفضل: مجتمعات مبنية على أسس العدالة الاجتماعيّة والكرامة الإنسانيّة والحريّات العامة والفرديّة. وبرغم أن الطريق شاق وصعب والمعوقات كثيرة فإننا نستطيع معًا، يدًا بيد، أن نحصل على حقوقنا الفكريّة والثقافيّة والسياسيّة والجنسيّة، ولو من فم الشيطان. * مقتبس من تدوينة لي عنوانها "هل أنا أيضًا متحرش بالنساء؟" نُشرت في رصيف22 بتاريخ 12.11.2017
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...