لا تعد الحرف اليدوية مجرد صناعات بدائية تعتمد على أدوات بسيطة فقط، وإنما هي توثيق وتعبير عن التراث وهوية المناطق التي تكوّن هوية مصر.
في بداية العام 2012، سافر أسامة غزالي إلى الهند وشاهد أطلس الحِرف اليدوية، ودُهش كثيرًا من عدم امتلاك مصر أطلساً مثله، بالرغم من ثرائها بالحرف اليدوية.
يقول لرصيف22 إنه فكر في توثيق الحرف اليدوية بعدما عاد إلى مصر في مارس 2012، ويوضح: "بدأت العمل على موسوعة أطلس، وجمعت الحرف اليدوية التي أعرفها، بالتعاون مع بعض الأصدقاء، ثم بدأت رحلة البحث».
عمل غزالي مديرًا لمحمية جبل علبة، جنوب البحر الأحمر، حتى العام 2012، ومن ثم ترك منصبه حتى يؤسس مشروعه الخاص تحت اسم «يدوية» من أجل تنمية وتسويق الحرف والمنتجات اليدوية.
جمع المعلومات من المصادر
يبحث غزالي عن الحرف التقليدية للمجتمعات المحلية في مدن ومحافظات مصر، عبر تبني نهج قائم على قوة التراث لكي يتمكن كل مجتمع من الحصول على ملكية تنميته الخاصة، كذلك للحفاظ على الحرف من الاندثار دون أن يعرف بها أحد سوى السكان المحليين للمحافظة أو الإقليم. يعمل غزالي حاليًا على رسم خريطة لكل محافظة عبر وضع نقاط داخل كل خريطة حتى يستطيع السائح أو الزائر أن يعرف أماكن كل حرفة. وتخضع كل حرفة أو مهنة لمعايير وآليات عدة لضمها إلى الأطلس، أهمها أن يراوح عمرها بين 50 و100 سنة، وأن تكون مصرية أصيلة.الصعيد هو الأكثر ثراءً
في كل محافظة في جنوب مصر، بدايةً من أسيوط وسوهاج والأقصر إلى قناة وأسوان، تم رصد نحو 40 حرفة في كل محافظة. ويرى غزالي أن محافظات الدلتا فقيرة إلى حدٍ ما في الحرف اليدوية، فكل محافظة تجمع نحو 8 حرف، تتنوع بين الحصر وصناعة الأكل الحلو، أما المدن الساحلية فتتميز بصناعة شباك الصيد والأطعمة أكثر من الصناعات اليدوية الحرفية.يعمل غزالي على رسم خريطة لكل محافظة عبر وضع نقاط داخل كل خريطة حتى يستطيع الزائر أن يعرف أماكن كل حرفة.
"بحثت كثيرًا في أسيوط عن صناع الآلات الحادة من العاج ولكني لم أجد إلا واحدًا فقط، يجعلنا هذا نقر أن هذه المهنة اندثرت"وأشار غزالي إلى الحرف في خرائط الأطلس بألوان عدة، منها الأخضر الذي يرمز إلى حرف يدوية، والبرتقالي الذي يرمز إلى حرف مندثرة، والأصفر الذي يرمز إلى حرف على وشك الاندثار، والرمادي الذي يرمز إلى حرف تمتهنها سيدات.
أسيوط مركز للتجارة
كل محافظة تتميز بحرفة معينة، فعلى سبيل المثال، فإن محافظات الصعيد هي الأكثر ثراءً بالحرف اليدوية، والأبرز بينها أسيوط. يقول غزالي. وكانت أسيوط مركزًا للتجارة في القدم، بحكم موقعها الجغرافي في وسط الصعيد، إضافة إلى وجودها على نهر النيل، وهذا كله ساعد في إنعاش الصناعة اليدوية فيها. وأهم الحرف في هذه المحافظة: الغرابيل، الكليم القباطي الجوبلان، تطريز التلى الأسيوطي، الأبواب الخشبية الأسيوطي، تسكيل العاج والعظم، نول الكليم الصوف، الكليم العدوي، تطريز المكرمية، كسوة حشو برادع الدواب، تشكيل قرون الجاموس، تشكيل الحدايد والأدوات، فنون تشكيل النحاس، صناعة النرجيلة الأسيوطي، العمة والمحارم الصوف، الكليم القصاقيص، رسم زخارف شعبية على جداريات، صناعة الموازين اليدوية، صناعة الفخار والطين، باته البوص، حسبما رصد غزالي في خريطته الأولية.اندثار كبير للحرف في الأقاليم
يرى غزالي أن الحرف اليدوية تمثل تراثًا للمكون الحقيقي للمجتمع الثقافي المصري، وإذا فُقد يفقد المصريون جزءًا كبيرًا من ثقافتهم التراثية. أما الحرف اليدوية التي اندثرت، فهي صناعة سكاكين من العاج وقرون الحيوانات الإفريقية. "بحثت كثيرًا في أسيوط عن صناع الآلات الحادة من العاج ولكني لم أجد إلا واحدًا فقط، ربما يجعلنا هذا نقر أن هذه المهنة اندثرت"، قال غزالي. وفي سيناء اندثرت صناعة البرقع السيناوي بسبب التقدم، كذلك بدأت صناعة التطريز النوبي تضمحل بسبب ارتفاع سعر الخامات. علمًا أن المهن التي كادت تندثر هي صناعة الثوب السيناوي الذي يتميز بألوانه الزاهية وامتزاجها بالأسود، وكان يصنع حتى أواخر التسعينيات، إلا أن ارتداءه قلّ بنسبة كبيرة في سيناء.21 من أصل 29 محافظة
انتهى غزالي من رسم وتدوين 21 محافظة من أصل 29 داخل المحروسة، ويقول: كلما بحثت اكتشفت حرفًا نادرة كادت تندثر، وبقيت أمامي محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية والسويس والإسماعيلية وبورسعيد. سأرصد الحرف الموجودة فيها قريبًا". وتربعت المرأة على عرش صناعة الحرف اليدوية في محافظة البحر الأحمر، بنسبة قاربت 99%، حسبما رصد غزالي في خريطته، أما في الماضي فكانت نسبة عمل المرأة نحو 80%. ومن حرف وتراث البحر الأحمر: رسم فني بالزيت، تشكيل بالخرز والأساور، حقائب من جلود الغنم والماعز، كليم الهمل الملون الحريري، صناعات حلي من الفضة، صناعة برش سعف النخيل، حفر وتشكيل المونيوم، الكليم العبادي من صوف الغنم. وقد تنوعت الحرف في محافظة الأقصر، وهي جلود الحقائب، نول شيلان، كليم قصاقيص الملابس، الحلي والفضة، الرسم والتشكيل بالحنة النوبي، صناعة جريد النخيل، الحفر على النحاس.نقل التراث
يعتقد مدير مؤسسة يدوية أن المئات من الحرف في مصر ستندثر عام 2030 نتيجة التطور التكنولوجي. ووفق رصد غزالي، فإن عدد العاملين في بعض الحرف قليل جدًا، وغالبيتهم من كبار السن، لذا لا تتوفر ظروف نقل الخبرة إلى جيل آخر من أجل حفظ التراث. وعليه، أنشأ موقعًا إلكترونيًا باسم يدوية «Yadaweya» حتى يكون بوابة ترويجية لبيع منتجات المجتمعات، وأرشيفًا رقميًا للتاريخ المصري المتنوع. ومن جهة أخرى، يشجع غزالي على الاستهلاك الاجتماعي الواعي الذي يقدّر المنتجات المصنوعة محليًا. ويريد من وراء «الأطلس» أن يضع مصر على قوائم الدول الحرفية والتراثية، وينقذ بعض المهن من الاندثار.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...