شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"بعد ما شاب ودوه الكتاب"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 10 أبريل 201806:16 م
"بعد ما شاب ودوه الكتّاب"! هكذا يصف المثل الشعبي محاولات التعلم لمن تقدم به العمر. لكن، هل إكمال التعلّم النظامي أو الدراسات العليا كالذهاب إلى الكتاب؟ وهل نكتفي من التعلم؛ وقد أمرنا بأن نتعلم من المهد إلى اللحد؟ سارة صحافية وأم لطفل، أو يمكن تعريفها بشكل آخر. هي أنموذج للمثابرة. اتجهت إلى دراسة الطب البديل بعد أن بدأت حياتها العملية في مجال الإعلام وتطورت في مسيرتها المهنية.  تحكي عن دراستها، فتقول: "بداية اهتمامي بالطب البديل جاءت بعدما استخدمته واقتنعت بجدواه، فبدأت القراءة عنه ثم قررت دراسته باستفاضة". واجهت سارة تحديات مختلفة، حيث كان عليها العمل لتوفير نفقات الدراسة لتنجح وكذا رعاية ابنها؛ فتجاوزتها ونجحت في مسارها الجديد.    "لم أدرس بهدف الكسب المادي، لذا أتقبل فكرة أن أخطو نحو مستقبلي بخطى بطيئة لكن واثقة؛ وأنا سعيدة بما حققت". سارة ليست استثناء في سوق عمل تفرض منافسة شرسة تتطلب قيمة مضافة يصنعها الإنسان لنفسه؛ وفرصاً متعددة لدراسة مجالات كثيرة لم تكن متوافرة من قبل. فقد جرت العادة أن يكون المسار التقليدي هو الاستمرار في الدراسة بعد التخرج مباشرة، حيث يكون ذهن الإنسان لا يزال مهيأ ولديه متسع من الوقت قبل تراكم المسؤوليات المادية والعائلية. بينما لو نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، فسنرى أن بين التخرج ومعاودة الدراسة، فرصة طيبة تتيح للإنسان اختبار أكثر من مجال؛ قبل الاستقرار في العمل الذي يريد. القرار ليس سهلاً، فمعاودة الدراسة النظامية (الدراسة الجامعية أو الدراسات العليا) تتضمن تغييرات كثيرة في نمط الحياة وترتيب الأولويات. وجدت راندا، أربعين سنة، ن فرصها تقل في سوق العمل، حيث إنها متاحة فقط لحديثي التخرج أو الخبراء؛ وهي لا تنتمي إلى أي من الفئتين. "وجدت نفسي في انتظار أن أحصل على ترقية في مسيرتي المهنية بلا جدوى، وواجهت خيارين إما أن أقدم على خطوة الماجستير، أتعلم مع من هم أصغر مني بكثير، وأعمل وأدرس لمدة سنتين؛ أو أتوقع الأسوأ في السنين المقبلة". بطبيعة الحال، الأمر يختلف من شخص إلى آخر، وبين مجالات العمل المتباينة. فبينما يقنع أشخاص بما لديهم من خبرات ومؤهلات تكفي لإيجادهم فرصة عمل مناسبة، يميل آخرون إلى التفكير في أن هناك دائماً فرصاً أفضل لمن يجتهد أو يتعلم أكثر. وفي النهاية، لكل حالة خصوصيتها. هنا، يجدر بالإنسان قياس المنافع التي سيجنيها مقارنة بالتحديات التي سيواجهها، وستكون الخطوة الأولى نحو اتخاذ قرار مدروس مبني على معطيات الواقع التي قد تتغير مع الوقت؛ ولكن ليس كثيراً. يمكن الإنسان أن يطرح على نفسه أسئلة، مثل ماذا سأجني من المعرفة الجديدة؟ ذهناً نشطاً، أم اهتمامات جديدة تكافح ملل الحياة ورتابتها، أم أملاً بتقدم مهني أو فرصة عمل، وبمَ سأضحي في المقابل؟ في جميع الأحوال، يجب النظر إلى المستقبل. فليس منطقياً في عصر التكنولوجيا الاكتفاء بالدرجة الجامعية والعالم يتغير بسرعة من حولنا وكذلك سوق العمل، حيث نرى باستمرار وظائف جديدة تظهر وأخرى يأفل نجمها. فما العمل إذا وجد الإنسان نفسه متخلّفاً عن سوق العمل؟ لا شك في أن وجود الدورات المختصّة لاكتساب المعارف والمهارات وانتشارها قد وفرا لكثر بديلاً من الدراسة النظامية، فهي تقدم معرفة من خلال خبراء في جميع المجالات، وتضرب عصفورين بحجر واحد؛ معرفة وخبرة وشهادات للمتخرجين. مع هذا، لا يزال هناك مَن يتجه إلى الدراسات العليا؛ حيث تتنوع الدوافع بين شغف بمجال مغاير، والبحث عن فرص عمل، أو الثقافة بشكل عام. بالنسبة إلى أحمد، فقد اختار الدراسة النظامية لأنها تحقق الالتزام الذي لا يحققه المجهود الفردي أو القراءة الحرة، والذي يكون عشوائياً في أحيان كثيرة، إضافة إلى أن المحاضرات والاختبارات تخلق حالة من الانتظام في التحصيل الدراسي واكتساب خبرة أكبر وفي وقت أقصر. اتجه أحمد إلى دراسة السينما التي كانت مجالاً مختلفاً عن دراسته وعمله، بهدف الاختصاص. وفي حين لا ينكر أحمد التحديات المتعلقة بضيق الوقت لأن الدراسة بما فيها من محاضرات وتكاليف تحتاج إلى نحو 25 ساعة أسبوعياً، ما ينعكس على مسؤولياته في العمل من دون شكّ، يرى أن هذه التحديات هي مجرد ضريبة منطقية جداً لتكثيف التحصيل المعرفي في فترة قصيرة؛ إضافة إلى مميزات كثيرة. أهم المميزات بحسب أحمد هي، التشبيك والعلاقات، وفرص العمل التي يتبادلها زملاء الدراسة، أما على مستوى الخبرة فالدراسة مفيدة جداً والفائدة ترجع في الأساس إلى مستوى المادة العلمية وطريقة التدريس، وكذلك التعامل مع الزملاء. اليوم، وفي حين نشكو دائماً، من التنافسية الشديدة وقلة فرص العمل، لا نملك إلا أن نعترف بأن مجالات التعلم والترقي أصبحت لانهائية، وأن تقدم الإنسان مهنياً يبقي مرهوناً بسعيه واجتهاده. قد يجد بعضنا نفسه في لحظة حاسمة، ما فات فيها من العمر أكثر مما سيأتي، لحظة ينبغي عليه فيها اتخاذ قرار واع، لأن الدراسة في هذه الحالة محفوفة بالتحديات وقد لا تحقق الثراء المأمول؛ لكن تحقيقها له وقع مختلف.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard