"قبل أن يدخل مطار واشنطن دالاس الدولي تمشى يجرّ الحقيبة مغموماً منشغلاً في متاهات الحيرة. فكّر كي يحسم أمره في قرار السفر، لكنه تردد كثيراً. أسئلة كثيفة تزاحمت في رأسه: لماذا أصبت بهذا المرض؟ كيف سيتطور؟ وما جدوى السفر؟ ماذا لو أخبرت زملائي في العمل؟ إذا أخبرتهم فقد يلغون تكليفي بالمهمة، وأحرم من العمل في أماكن أثرية طالما حلمت بها!".
هذه هي النقطة التي يبدأ منها "محمود حسن الجاسم" روايته الأخيرة "مزار محيي الدين"، ومنها ستتشعب خيوط السرد لتحكي عن الكثير من القضايا الإشكالية، وضمنها تهريب الآثار من سوريا. يعيش بطل الرواية حالة من الهواجس والتخيّلات تترافق مع ازدياد مظاهر المرض الذي يعاني منه، وكأن اليأس المرافق للمرض الذي لا علاج له، يكون مترافقاً بالعودة إلى الإيمان وعالم الغيبيات والروح. يتذكر جدته المتديّنة التي كانت تصطحبه إلى الكنيسة دائماً، وتحكي له عن الأمور الروحية، وتزداد هذه الحالة حين يراها في أحد مناماته وتخبره بأن علاجه موجود في مكان شبيه بحجرٍ بنيّ قاتم، وراء صخرة ضخمة، بجانب مكان له إجلال. هكذا، يؤمن "آدم" بأن ما رآه في منامه هو رؤية ويجب عليه الإيمان بها والبحث عن هذا المكان وإيجاده كي يتخلص من مرضه، وحين يرى أحد المزارات المقدسة في المنطقة يدرك فوراً أن هذا هو المكان المقصود. يغيّر مخططات الحفر والكشف عن الآثار إلى هذا المزار، غير عابئ بصراخ الدرويش "محيي الدين" المتألم للعمليات التي تجري في المكان الذي اعتاد الطواف حوله.يكلف عالم أثري أميركي بمهمة في سوريا هدفها الكشف عن أثر فينيقي مقدس يُعتقد أنه موجود في إبلا جنوب حلب... وفي الوقت نفسه يكتشف أنه مصاب بالسرطان
"انتبه يا موريس، إن التحكّم في المقدسات هنا يعني التحكّم في الشرق، بل التحكّم في العالم كله"تمتلئ الرواية بالكثير من الحديث عن الآثار وآليات تهريبه، وكيف يتم ذلك بمساعدة رجال من المنطقة يكون لهم نفوذ وتأثير على الناس، وبمساعدة من قبل رجال الدولة الذين يؤمنون الحماية لعمليات التنقيب، ويساعدون في تأمين المستلزمات الضرورية لما يتلو من عمليات حتى تصبح اللقى الأثرية في الخارج، بعيداً عن مكانها الأصلي.
"على طرف الجدار الأيمن نقش لرجل يمدّ يديه، كأنه يريد أن يشرب! ظنّ آدم أن ذلك رمز لماء الحياة! وتوقع مفاجأة تتعلق بالمنام. اقترب. رأى رؤوس من تماثيل حجرية، وعلى الجدار أمامه أجساد كاملة تحمل معاول وسيوفاً، منقوشة بدقة شديدة، وآثار عظام بشرية مصفوفة بعناية، تشير إلى وجود مقبرة. تأمل: جدران مزخرفة، وأعمدة ملساء، ونقوش متداخلة من اللغة القديمة، كتبت بالفينيقية والأوغاريتية وبلغة ثالثة لم يتمكن من معرفتها".
"وبينما كنت أتابع التطورات، وبعد ساعتين تقريباً من مغادرة فريق البعثة، رنّ هاتفي رنة المراسلة. فتحته، وعرفت أن الرسالة من مايكل: انتبه يا موريس، إن التحكّم في المقدسات هنا يعني التحكّم في الشرق، بل التحكّم في العالم كله".
محمود حسن الجاسم، كاتب وروائي سوري من مواليد 1966. يعمل أستاذاً في جامعة قطر كلية الآداب والعلوم – قسم اللغة العربية. له عدد كبير من البحوث العلمية المنشورة، والمؤلفات العلمية في النحو. كما أصدر خمس روايات: "غفرانك يا أمي"، "نظرات لا تعرف الحياء"، "نزوح مريم" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2016، "لاجئة بين زوجين"، و"مزار محيي الدين". الناشر: دار التنوير/ بيروت – القاهرة – تونس عدد الصفحات: 272 الطبعة الأولى: 2017رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع