على مدار التاريخ الإسلامي الممتد على ما يزيد عن أربعة عشر قرناً من الزمان، كانت هناك العديد من اللحظات المفصلية الحاسمة التي أثرت في تطور الفكر السياسي.
أحد أهم تلك اللحظات على الإطلاق، كانت لحظة الصلح الذي تم عقده في عام 41هـ/ 661م ما بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان، والذي انتهت به حقبة الراشدين وابتدأت معه الفترة الأموية.
تعرض المقالة الكيفية التي تناول بها المؤرخون مقدمات وتفاصيل هذا الصلح.
ويصف الشيخ المفيد (تـ. 413هـ) في كتابه الإرشاد، الظروف الصعبة التي مرت بالحسن في ذلك الوقت بقوله:
"فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له، وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام".
ولما كان معاوية يعرف تلك الضغوط الواقعة على الحسن بن علي، فإنه أرسل له طالباً الهدنة والصلح، وبعث له بالرسائل التي كتبها قادة معسكر العراق له؛ ومن المؤكد أن الحرب ما بين العراق والشام كانت تمثل متاعب وإنهاك لقوة معاوية، وهو ما يفسر طلبه المتكرر للصلح مع الحسن.
وبعد عدد من الرسائل المتبادلة ما بين الجانبين، وافق الطرفان على الهدنة والصلح، وتم عقد اتفاق فيما بينهما، وشمل هذا الاتفاق عدداً من الشروط التي تختلف المصادر التاريخية فيها اختلافاً كبيراً.
ومن الثابت في المصادر الشيعية، ومنها الإرشاد للشيخ المفيد وإعلام الورى للطبرسي، أن الحسن قد وافق على أن ينزل لمعاوية عن الخلافة، واشترط عليه بعض الشروط وهي أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه، وأن يترك الأمر من بعده شورى بين المسلمين وبعضهم البعض.
كما اشترط عليه أن يترك أهل الشام سب علي بن أبي طالب ولعنه في الصلاة، وأن يتم تأمين شيعة علي بن أبي طالب وألا يتم التعرض لهم، وأن يُضمن لهم حقهم في الأموال والأعطيات.
وتورد المصادر السنية كابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة والذهبي في سير أعلام النبلاء شروطاً أخرى، ومنها أن يخلف الحسن معاوية عقب وفاته، وأن يكون له ما في بيت مال الكوفة بالإضافة إلى الخراج السنوي الخاص ببعض المدن.
وتتفق الروايات التاريخية، على أن الحسن بن علي قد تعرض لرد فعل غاضب من جانب الكثير من شيعته وشيعة أبيه، لإبرامه مثل هذا الاتفاق، إلى الحد الذي جعل بعضهم يصفه بمذل المؤمنين أو عار المؤمنين.
ولم يكن عموم الشيعة فقط هم الناقمين على الصلح، بل أن معارضته وصلت لعدد من أهل بيته وأقربائه مثل أخيه الحسين وابن عمه عبد الله بن جعفر، كما يذكر ابن قتيبة.
وقد حاول الحسن أن يوضح لأتباعه من المعترضين على الصلح، الأسباب التي أجبرته على عقده، ومن ذلك ما يرويه عنه الطبرسي أنه قد قال لبعض من لامه:
"أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأومن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي.
والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً، والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير، أو يمن علي فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت".
أولى تلك الملاحظات، هي أن الكثير من العلماء الشيعة المتقدمين والباحثين المعاصرين، ومنهم الدكتورة نغم الكنعاني في كتابها المواقف السياسية للأئمة، قد اعتقدوا بأن صلح الحسن مع معاوية، قد تم تحت مبدأ التقية، وأن الهدف الرئيس من ورائه، كان هو الحفاظ على وجود الشيعة، وعدم الزج بهم في أتون معركة خاسرة.
ولذلك فإن الصلح لم يُنظر له على كونه صلحاً ثابتاً ومستقراً، بل تم التعامل معه على كونه مجرد فترة تريث وانتظار مؤقتة، أُجبر الحسن عليها بسبب الأوضاع الصعبة.
ويبدو أثر ذلك واضحاً في أن أكثر المصادر الشيعية قد سمت الاتفاق ما بين الحسن ومعاوية باسم الهدنة أكثر مما سمته بالصلح.
الملاحظة الثانية، أنه وعقب دخول معاوية إلى الكوفة، سرعان ما ظهر منه أنه لن يلتزم بشروط الصلح التي أبرمها على نفسه، وأن الصلح لن يكون خيراً للشيعة كما كان الحسن يعد ويمني أتباعه.
ولذلك فإن الرواية الشيعية التقليدية، قد حاولت أن تبين أن الإمام الثاني كان يعرف بمستقبل الأحداث وإنه كان متأكداً من خيانة معاوية للاتفاق قبل أن يعقده معه، وبذلك تم تبرير الصلح بمعايير مستقبلية غيبية بعيدة عن الواقع.
وأصبح صلح الحسن لبنة عقائدية مهمة وركيزة أساسية يقوم عليها البناء العقائدي الفكري الإمامي فيما بعد، حيث تم اعتباره حدثاً فصل ما بين حالة التوحد والتماهي لوظيفتي الإمام والخليفة من جهة، وللانفصام ما بين الوظيفتين إلى الأبد.
الملاحظة الثالثة، والأهم، أن الصلح لم يأخذ مكاناً متميزاً في المخيلة الشيعية فقط، بل أنه قد شغل مكاناً مهماً في العقل السني كذلك، حيث تم ربطه بعدد من الأحاديث النبوية التي تكلم فيها الرسول عن أمد الخلافة من بعده، وأشهرها قوله "الخلافة بعدي ثلاثون سنة".
والمشهور أن الصلح قد عُقد في ربيع الأول من عام 41هـ/ 661م، وبذلك أضحى الحسن بن علي هو خامس الخلفاء الراشدين في العقلية السنية، لأنه تولى السلطة عقب مقتل أبيه لمدة ستة أشهر.
وبتسليم السلطة لمعاوية تنتهي فترة الخلافة الراشدة، ويبدأ عهد الدولة الأموية، ذلك أن مذهب أهل السنة والجماعة يعترف بخلافة الحسن حتى نزوله عنها.
فعندئذ يبدأ تصحيح خلافة معاوية عند أهل السنة ويتم إضفاء الشرعية الدينية عليها، ويظهر ذلك بشكل واضح في تسمية عام 41هـ بعام الجماعة.
لابدّ من الإشارة إلى أنّ المؤرخين السنة مالوا للترحيب بفكرة عام الجماعة، لكونها تشرعن لحكم معاوية والسلطة الأموية بشكل عام فيما بعد.
والمؤرخون الشيعة بدورهم قبلوا فكرة الجماعة لكونها قد لقيت قبولا من جانب الإمام الحسن، وهو الأمر الذي اعتبروه أمرا إلهيا لا يجوز مناقشته أو نقده.
الحرب الأهلية: العراق والشام يتنافسان
شهدت الفترة الفاصلة ما بين انتصار الخليفة الرابع علي بن أبي طالب على خصومه في موقعة النهروان في عام 38هـ/ 658م، وحتى مقتله في عام 40هـ/660م، تدهوراً كبيراً في سلطة الخلافة ومقدرتها على التحكم والسيطرة في أمور وشؤون الولايات الإسلامية. كان معاوية بن أبي سفيان قد استقل فعلياً ببلاد الشام، ولم يلبث أن بعث بقوات موالية له إلى مصر، فغلبت عليها، كما إنه عمل جاهداً على زعزعة استقرار الولايات الخاضعة تحت سيطرة دولة الخلافة. كل تلك الأحداث العصيبة، حدت من سلطة الخليفة الرابع بشكل كبير، بحيث لم يتبقّ من أقاليم الخلافة الواقعة تحت سلطته الفعلية، إلا الكوفة فحسب. وبعد مقتل علي بن أبي طالب، ازداد الوضع السياسي سوءاً، بسبب تحول بعض رجال الخلافة إلى جانب معاوية، مثل زياد بن أبيه والي إقليم فارس. وأيضاً لورود أخبار من الشام، تفيد بأن معاوية قد أعلن نفسه خليفة للمسلمين وأميراً للمؤمنين بعدما عرف بمقتل علي، وبذلك أضحى هناك خليفتان للدولة الإسلامية في وقت واحد لأول مرة في التاريخ الإسلامي.خلافة الحسن: تخاذل أهل العراق وتقدم الشاميين
بعد مبايعة الحسن بن علي بالخلافة، وصلت الأخبار إلى الكوفة، تفيد بأن جيش الشام يتحرك نحو الأراضي العراقية، ولذلك عمل الحسن على حشد أتباعه ومناصريه للنهوض في وجه معاوية. ومن المؤكد أن الحسن قد لاقى صعوبات جمة في سبيل حشد جيش العراق، فالروايات التاريخية التي تعرضت لأحداث تلك الفترة، تبين الظروف العصيبة التي لازمت عملية تعبئة الجند العراقيين. من أوضح الروايات التي تبين ذلك، ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني (تـ. 356هـ) في كتابه مقاتل الطالبيين، حيث يذكر أنه لما طلب الحسن من أتباعه الخروج للمعسكر، تثاقلوا ولم ينفذوا أوامره، فقام أحد كبار شيعة الحسن، وهو عدي بن حاتم، فخاطبهم قائلاً: "ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم، أين خطباء مضر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فمراوغون كالثعالب، أما تخافون مقت الله وعيبها وعارها". وتستكمل الرواية، بأنّ أي عدي بن حاتم قد توجه من فوره إلى المعسكر، وأن عدداً من كبار الشيعة قد قاموا فقالوا مثل ما قال وأنبوا الناس على تخاذلهم وحرضوهم على الخروج والتجهز للقتال. وتختلف الروايات في تحديد عدد المقاتلين الذين استطاع الحسن أن يحشدهم في نهاية الأمر. ففي حين تذكر بعض الروايات، التي رجع إليها هاشم الحسني في كتابه سيرة الأئمة الإثناعشر، أن جيش الكوفة قد تراوح عدده ما بين 40 إلى 60 ألف مقاتل، فإن الأصبهاني يؤكد في كتابه سابق الذكر، على أن العدد لم يتجاوز 12 ألف مقاتل. ورأي الأصبهاني وهو الرأي الراجح لكونه يتفق مع المشقة المصاحبة لعملية التعبئة من جهة، ولتطورات الأحداث وتداعيتها فيما بعد من جهة أخرى. وقد وجه الحسن تلك القوة التي استطاع أن يجمعها لقتال جيش معاوية، وعين عُبيد الله بن العباس لقيادة الجيش، بينما بقي هو في العراق للعمل على جمع المزيد من الأنصار. ولكن سرعان ما تطورت الأحداث عقب أن تحول عُبيد الله وعدد من قادة جيش الحسن إلى جانب معاوية، بعد أن استطاع أن يغريهم بالأموال ويطمعهم بالمناصب، وذلك بحسب ما يذكر ابن الجوزي (تـ.597هـ) في كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم.هل يمكن اعتبار الحسن خامس الخلفاء الراشدين؟ هنا ما تقوله لنا نظرة متفحصة للمصادر التاريخية
الدارس لكتب التاريخ التراثية يلاحظ ميل مؤلفيها لاحترام فكرة الصلح وتمجيده، أياً كانت سياقاته وأسبابه
شروط الصلح عند مؤرخي السنة والشيعة
في الوقت الذي كان فيه قسم كبير من جيش الحسن قد تحول إلى جانب أهل الشام ومعاوية، كان الخليفة الخامس يعاني الأمرين في سبيل حشد المزيد من المناصرين في إقليم فارس، وفي أثناء وجوده هناك، هجم عليه بعض الخوارج وجرحوه، فتم نقله جريحاً إلى المدائن حيث تم علاجه. وتنامت إلى مسامع الحسن أثناء إصابته، أن مجموعة من قادة معسكره قد كتبوا سراً إلى معاوية معلنين طاعتهم له، وأنهم قد ضمنوا له تسليم الحسن إليه، عندما يقترب جيش الشام من معسكره. وفي نفس الوقت، عرف الحسن بما جرى من قادة جيشه، بعد أن وصلته رسالة من قيس بن سعد بن عبادة. كل تلك الأخبار السيئة، كان لها تأثير عميق على الحسن، فقد أدرك وقتها حجم الصعوبات التي تقف أمامه، كما أيقن باستحالة الحفاظ على السلطة السياسية في ظل تزايد تلك المؤامرات التي اشترك فيها أقرب أتباعه ومناصريه.هل فقدت حالة التوحد والتماهي لوظيفتي الإمام والخليفة بتنازل الحسن عن الحكم لمعاوية؟
ويصف الشيخ المفيد (تـ. 413هـ) في كتابه الإرشاد، الظروف الصعبة التي مرت بالحسن في ذلك الوقت بقوله:
"فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له، وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام".
ولما كان معاوية يعرف تلك الضغوط الواقعة على الحسن بن علي، فإنه أرسل له طالباً الهدنة والصلح، وبعث له بالرسائل التي كتبها قادة معسكر العراق له؛ ومن المؤكد أن الحرب ما بين العراق والشام كانت تمثل متاعب وإنهاك لقوة معاوية، وهو ما يفسر طلبه المتكرر للصلح مع الحسن.
وبعد عدد من الرسائل المتبادلة ما بين الجانبين، وافق الطرفان على الهدنة والصلح، وتم عقد اتفاق فيما بينهما، وشمل هذا الاتفاق عدداً من الشروط التي تختلف المصادر التاريخية فيها اختلافاً كبيراً.
ومن الثابت في المصادر الشيعية، ومنها الإرشاد للشيخ المفيد وإعلام الورى للطبرسي، أن الحسن قد وافق على أن ينزل لمعاوية عن الخلافة، واشترط عليه بعض الشروط وهي أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه، وأن يترك الأمر من بعده شورى بين المسلمين وبعضهم البعض.
كما اشترط عليه أن يترك أهل الشام سب علي بن أبي طالب ولعنه في الصلاة، وأن يتم تأمين شيعة علي بن أبي طالب وألا يتم التعرض لهم، وأن يُضمن لهم حقهم في الأموال والأعطيات.
وتورد المصادر السنية كابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة والذهبي في سير أعلام النبلاء شروطاً أخرى، ومنها أن يخلف الحسن معاوية عقب وفاته، وأن يكون له ما في بيت مال الكوفة بالإضافة إلى الخراج السنوي الخاص ببعض المدن.
وتتفق الروايات التاريخية، على أن الحسن بن علي قد تعرض لرد فعل غاضب من جانب الكثير من شيعته وشيعة أبيه، لإبرامه مثل هذا الاتفاق، إلى الحد الذي جعل بعضهم يصفه بمذل المؤمنين أو عار المؤمنين.
ولم يكن عموم الشيعة فقط هم الناقمين على الصلح، بل أن معارضته وصلت لعدد من أهل بيته وأقربائه مثل أخيه الحسين وابن عمه عبد الله بن جعفر، كما يذكر ابن قتيبة.
وقد حاول الحسن أن يوضح لأتباعه من المعترضين على الصلح، الأسباب التي أجبرته على عقده، ومن ذلك ما يرويه عنه الطبرسي أنه قد قال لبعض من لامه:
"أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأومن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي.
والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً، والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير، أو يمن علي فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت". كيف دخلت التأويلات المرتبطة بالصلح في البنية المذهبية السنية والشيعية؟
مما لا شك فيه، أن صلح عام 41هـ، قد احتل مكانة كبرى في الثقافة الجمعية العربية، وهو ما يفتح الباب أمام عدد من الملاحظات المهمة بخصوص الكيفية التي تمت بها عملية تأويل هذا الصلح وتفسيره والتعاطي معه فيما بعد. كيف قرأت المصادر عام الجماعة والصلح بين الحسن ومعاوية؟ ولماذا عرف في بعضها كنوع من الهدنة أو التقية؟
أولى تلك الملاحظات، هي أن الكثير من العلماء الشيعة المتقدمين والباحثين المعاصرين، ومنهم الدكتورة نغم الكنعاني في كتابها المواقف السياسية للأئمة، قد اعتقدوا بأن صلح الحسن مع معاوية، قد تم تحت مبدأ التقية، وأن الهدف الرئيس من ورائه، كان هو الحفاظ على وجود الشيعة، وعدم الزج بهم في أتون معركة خاسرة.
ولذلك فإن الصلح لم يُنظر له على كونه صلحاً ثابتاً ومستقراً، بل تم التعامل معه على كونه مجرد فترة تريث وانتظار مؤقتة، أُجبر الحسن عليها بسبب الأوضاع الصعبة.
ويبدو أثر ذلك واضحاً في أن أكثر المصادر الشيعية قد سمت الاتفاق ما بين الحسن ومعاوية باسم الهدنة أكثر مما سمته بالصلح.
الملاحظة الثانية، أنه وعقب دخول معاوية إلى الكوفة، سرعان ما ظهر منه أنه لن يلتزم بشروط الصلح التي أبرمها على نفسه، وأن الصلح لن يكون خيراً للشيعة كما كان الحسن يعد ويمني أتباعه.
ولذلك فإن الرواية الشيعية التقليدية، قد حاولت أن تبين أن الإمام الثاني كان يعرف بمستقبل الأحداث وإنه كان متأكداً من خيانة معاوية للاتفاق قبل أن يعقده معه، وبذلك تم تبرير الصلح بمعايير مستقبلية غيبية بعيدة عن الواقع.
وأصبح صلح الحسن لبنة عقائدية مهمة وركيزة أساسية يقوم عليها البناء العقائدي الفكري الإمامي فيما بعد، حيث تم اعتباره حدثاً فصل ما بين حالة التوحد والتماهي لوظيفتي الإمام والخليفة من جهة، وللانفصام ما بين الوظيفتين إلى الأبد.
الملاحظة الثالثة، والأهم، أن الصلح لم يأخذ مكاناً متميزاً في المخيلة الشيعية فقط، بل أنه قد شغل مكاناً مهماً في العقل السني كذلك، حيث تم ربطه بعدد من الأحاديث النبوية التي تكلم فيها الرسول عن أمد الخلافة من بعده، وأشهرها قوله "الخلافة بعدي ثلاثون سنة".
والمشهور أن الصلح قد عُقد في ربيع الأول من عام 41هـ/ 661م، وبذلك أضحى الحسن بن علي هو خامس الخلفاء الراشدين في العقلية السنية، لأنه تولى السلطة عقب مقتل أبيه لمدة ستة أشهر.
وبتسليم السلطة لمعاوية تنتهي فترة الخلافة الراشدة، ويبدأ عهد الدولة الأموية، ذلك أن مذهب أهل السنة والجماعة يعترف بخلافة الحسن حتى نزوله عنها.
فعندئذ يبدأ تصحيح خلافة معاوية عند أهل السنة ويتم إضفاء الشرعية الدينية عليها، ويظهر ذلك بشكل واضح في تسمية عام 41هـ بعام الجماعة.
لابدّ من الإشارة إلى أنّ المؤرخين السنة مالوا للترحيب بفكرة عام الجماعة، لكونها تشرعن لحكم معاوية والسلطة الأموية بشكل عام فيما بعد.
والمؤرخون الشيعة بدورهم قبلوا فكرة الجماعة لكونها قد لقيت قبولا من جانب الإمام الحسن، وهو الأمر الذي اعتبروه أمرا إلهيا لا يجوز مناقشته أو نقده.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 8 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت