- "تسمحين لي أسألك سؤال، أتمنى تسمحين لي
- أيه تفضل.
- هذا شعرك؟! ولا حركات بنات وتوصيلات ومدري إيش؟
- أي شعري بس عفواً وش مناسبة السؤال؟!
- صدقيني أنا أسف بس من زمان ما شفت شهر بهالطول... كل البنات الحين يا قاصين شعرهم يا صابغينه بألوان غريبة... فاستغربت إنو ممكن يكون في بنت لسا متمسكة بأنوثتها لهادرجة...
- إيش تحب تشرب؟!
- قهوة سادة... تركية.
- أوكي".
هذا الحوار الركيك الملآن بالأخطاء اللغوية والنحوية، لا يدور بين شخصين أمام مقهى أو على قارعة طريق، بل هو جزء من رواية في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أغلق أبوابه السبت الماضي بعد أن أستمر عشرة أيام، تحت عنوان "الكتاب... مستقبل التحول".
هذه الرواية التي كتبها أحد "مشاهير" مواقع التواصل الاجتماعي ليست حديثة، فقد سبق أن طُرِحت قبل عامين، لكن مشاهير آخرين لبرامج (Keek) و (snappchat)، تسابقوا هذا العام لنشر ما يعتبرونه كتباً، مع أن بعضهم لم يتجاوز الرابعة عشرة من العمر.
إثارة الجدال
أُسدل معرض الرياض الدولي للكتاب، وترك خلفه الكثير من الجدل بعدما أثار دخول مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي إلى المعرض، ومنحهم حيزاً كبيراً لتوقيع كتبهم، نقاشاً محتدماً وسط تساؤلات عدة، مفادها "كيف سُمح لهذه الكتب بالصدور؟ وكيف تم عرضها في المعرض الدولي". وكان الرد الرسمي هو: "أن جميع الكتب المطروحة مُجازة، وأن من يجد كتاباً مخالفاً فعليه التبليغ عنه". وفعلاً، تم أغلاق دار للنشر، لأنها عرضت كتباً تروّج لفكر جماعة الإخوان المسلمين بشكل سري، ومُنعت من المشاركة في أي معرض مقبل. علماً أن المعرض تعرض للكثير من النقد، وأثر ذلك على الأقبال عليه، كما أن عدد دور العرض تراجع من نحو ألف عام 2016 إلى نحو 520 هذا العام. لم يكن معرض الرياض الدولي للكتاب، معرضاً لعرض وبيع الكتب، بل ظاهرة ثقافية مهمة تضم 80 فعالية، وبلغ عدد زواره نحو 911 ألفاً. في هذا العام، وخلافاً للعادة، مر المعرض من دون أن يحرك الشارع الثقافي السعودي، بسبب طرحه كتباً هزيلة. "تمكنت الظاهرة السوشلية من الوصول إلى معرض الكتاب"، يقول فهد الشقيران الباحث والكاتب لرصيف22. ويضيف: "دخلت (السوشال ميديا) كل المجالات الإعلامية والإعلانية والمسرحية والاجتماعية، وفرضت نقاشاً حاداً حول معايير التأليف، وذلك بعد طرح نجم سوشلي كتابه في الأسواق، وطبع منه 10 آلاف نسخة".ناقد: "ليس من حق أي شخص أن يقيّم الأعمال الأدبية، فالقارئ هو من يستطيع أن يميز الجيد من الرديء"
"حوارات ركيكة، وروايات باللهجة العامية، تحضر في أهم معرض للكتب في الشرق الأوسط، والنقاد يتذمرون"
شن مغردون على مواقع التدوين المصغر تويتر حملة عنيفة ضد ما طُرح في المعرض، تحت وسم #معرض_الكتاب_محتوى_فارغووصف الناقد وليد المزيد المعرض بأنه مجرد ساحة لبيع المأكولات، أكثر منه معرضاً للكتب، وقال لرصيف22: "كان المعرض هزيلاً، ولم تثر الكتب الموجودة فيه الذائقة، فالممنوع فيه كان أكثر من المباح، حتى برامجه كانت منغلقة على ذاتها، وبلا قيمة".
أدوية فاسدة
"الحب مثل البيضة، تكبر وتكبر حتى تصبح دجاجة بالطموح لولا الطموح ما كانت ستكبر ولو حاولت ستير مثل الروح أنا شاعر والشعر في داخلي يكبر فلولا الإدارة ما طفا عالماء لوح". نص آخر من ديوان ألفّه ممثل معروف، كان حاضراً في معرض الكتاب. لم يخطر في بال أحد أن الطفل الذي كان يطل عبر تطبيق الـKeek، يهاجم طفلاً آخر أصغر منه بعام، سيزاحم المثقفين بعد أربعة أعوام فقط في معرض دولي للكتاب، ويتصدر منصات المعرض لتوقيع ديوانه (توصون شي والاش). "هل يمكن عرض أدوية فاسدة؟ نقول من لا يريدها لا يشتريها"، بهذا المنطق يقف المشرف الإداري لنادي جازان الأدبي خالد شافعي في صف المعارضين لطرحَ أي كتاب في السوق من دون التأكد منه، وليس فقط في معارض الكتب. يقول لرصيف22: "يجب عدم ترك الأمور من دون تمحيص، لا أحد يرضى بوجود غير الجيد في الأماكن العامة. هناك أمور من المسلمات. الجيد مقبول، ويمكن أن يحتكم الناس إليه لتصنيفه. أما غير الجيد فيجب أن لا يكون موجوداً في الأساس، لأنه سيجذب ذائقة المجتمع إلى الأسفل، ولن يكون للجيد مكان، وسيسيطر الرديء على الساحة". ويضيف: "طفل في الرابعة عشرة غير مؤهل لتأليف كتاب، لذا من واجب وزارة الثقافة الإعلام أن تتدخل. كتب من هذا النوع مثل الأدوية والأطعمة الفاسدة، لا يمكن تركها في السوق بحجة أن من لا يريدها لا يشتريها". لكن الناقد والأديب محمد بودي يختلف معه وله موقف مغاير. يقول لرصيف22: "الرقابة على أي إصدار أمر يتعارض مع حرية الرأي والتعبير، ولكن هناك قواعد وقوانين لا بد من اتباعها، وعدم ترك الأمر من دون قيود". ويتابع: "المجتمع هو من يجب أن يمارس دور الرقابة، وأن يطور قدرته على ذلك".هجوم في تويتر
وقد شن مغردون على مواقع التدوين المصغر تويتر حملة عنيفة ضد ما طُرح في المعرض، تحت وسم #معرض_الكتاب_محتوى_فارغ. وتتالت التغريدات بمعدل 36 واحدة في الدقيقة، وقد اعتبر ناشطون وإعلاميون أن السماح لمن لا يملك الموهبة الثقافية بطرح ما يريد من كتب، يؤثر سلباً في الذائقة العامة. وأكد الكاتب محمد اليحيا أن الثقافة والإعلام السعوديين باتا ينحيان منحًى "لا يعادل مكانة السعودية وأهميتها". ووصف الإعلامي علي الزهراني ما حدث بأنه: "انهيار للثقافة". وأضاف: "لقد عُلق الجرس، ولا احترام للكتاب!". أما المحاضرة في جامعة الإمام محمد بن سعود، قسم الدراسات الإسلامية، بدور المطوع، فقد كانت قاسية في تعليقها: "حاولت جاهدة أن أمنع أطفالي من مشاهدة ما يعرضه هذا الكاتب في قناته على يوتيوب... ثم أجده متصدراً في معرض الكتاب! كلكم راعٍ!". وكتب الدكتور فيصل المالكي: "ما داموا ينشرون كتباً لفيحان وأبو جفين، حتماً سيكون محتوى هذه الكتب فارغاً". من جهة أخرى، رفضت أصوات عدة محاولة منع أي كتاب مهما كان مستواه، لافتةً إلى أن القارئ هو من يحدد ما يشتري. واعتبر سعيد بن مانع الهجوم على بعض الكتب نوعاً من الإقصاء، وقال: "كنا نعاني من الإقصائية التي كان يتولاها أحد التيارات المسيطرة على المجتمع. والآن نرى الإقصائية نفسها تتكرر، ولكن هذه المرة بقيادة المُثقفين أو المحسوبين على الثقافة والوعي. فكما أن حرية المؤلف مشروعة فكذلك هي حرية القارئ وخياراته". وقالت الناشطة الحقوقية نوال هوساوي: "لا أحد مجبر على الشراء فلماذا التهجم على مؤلفين لم تجذبكم كتبهم؟".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...