لم يكن الاحتراف غايتي عندما ولجت عالم الكتابة، ولا كان شغفي المبكر بالقراءة والذي استمر ونما عبر سنيّ حياتي دافعي لتأليف الكتب، وإن كان عوناً لي فيه.
كل ما أستطيع قوله هو أن الأمر حدث بلا تخطيط أو نية مسبقة، فبعد عقود ثلاثة من الصمت القسري في العراق وتجربة الرحيل المُزلزلة التي تلت، لم يعد ممكناً حبس الكلمات والأفكار، زخم فورانها انتصر على قدرة دفاعاتي على الصمود ووجدت نفسي ممسكاً بالقلم والورقة ذات نهار، منهمكاً في تسطير كلمات هي أشبه بالاعترافات، وابتدأت الرحلة.
العائد المادي والرواج لم يخطرا لي على بال، جُلّ ما كنت أرجوه أن أستعيد بعضاً من توازن مفقود يعينني على مصارعة الحياة ومحاولة فهم ما دار حولي.
كتابي الأول A Muslim on the Bridge عكس حيرتي كرجل عربي عانى من أزمة هوية وتذبذباً بين قوتين شرستين ومتضادتين تجاذبتاه: خلفيته الأسرية والاجتماعية كمسلم من جهة، ونمط عيشه المعاصر وتعليمه القائم على العقلانية والتحليل المنطقي من جهة أخرى.
كتبت عن نزاعي الداخلي بين إرث الماضي وسلطته واشتراطات الحاضر، بين الانصياع للسائد والمتعارف عليه أو الرفض والمقاومة.
عرّيت اضطرابي وأنا أعلم جيداً أني لست العربي أو المسلم الوحيد الذي عانى تحت وطأته، لكنني لم أكن أدرك مدى انتشار "الظاهرة" وضراوة "المحنة" حتى بدأت رسائل البريد الإلكتروني تردني تباعاً من أشخاص لم يسبق لي اللقاء بهم، وجدوا في ما كتبت صدى لما شعروا به وعانوا منه.
أحد المرسلين طلب مني أخيراً أن أكتب عن واقع اللادينيين العرب، باح لي بأنه واحد منهم وعرض عليّ مشاركة تجربته الشخصية التي تختلف عن تجربتي وإن تقاطعت معها في بعض النقاط، أهمها إبحارنا بحثاً عن أجوبة لأسئلتنا الوجودية، حتى ولو رست قواربنا في النهاية في موانئ مختلفة.
لم أعتد الكتابة بالتكليف، فاقترحت عليه عوضاً عن ذلك أن نجري حواراً يجيب فيه عن أسئلة مُحدّدة أطرحها عليه.
رحّب بالفكرة شرط عدم الإفصاح عن اسمه أو جنسيته. أبلغته بأني سأخلي مسؤوليتي عمّا سيرد على لسانه، فهذا رأيه هو، لا رأيي، وكذلك سيفعل المنبر الذي سينشر الحوار غالباً، كما قلت له إني سأحرر المادة حيثما وجدت فيها إساءة للمشاعر الدينية للقارئ، فوافق وكانت النتيجة النص الوارد أدناه:
-
شكراً لثقتك بي. أود أن أسأل أولاً عن السبب الذي جعلك تطلب مني الكتابة عن الموضوع الآن
-
ألم يكن من الأجدر بك إذن أن تكتب عن الموضوع بنفسك وتوضّح وجهة نظرك فيه؟
-
طلبت مني عدم الإفصاح عن هويتك فاحترمت رغبتك والتزمت بها، لكن يجب أن أوضح أنك في العقد الرابع من العمر، في سن مقاربة لسني، ألا ترى أن الوقت متأخر قليلاً للانقلاب على معتقدات رسخت فيك حتى سنوات قليلة سابقة؟
-
أتحفّظ على استخدامك مفردة "الهلاك"، لكن دعني أعيد صياغة سؤالي: ما سبب عدم اتضاح الرؤية أمامك في مرحلة أبكر؟ ما الذي جدّ معك الآن؟
صلّيت بانتظام وصمت فرضاً وتطوّعاً، اعتكفت في المساجد وأقمت الليالي الطويلة راكعاً وساجداً، تابعت برامج عمرو خالد بعينين مغرورقتين بالدموع وهزّتني طروحات زغلول النجّار عن الإعجاز العلمي في القرآن... قمعت الأسئلة الكثيرة في رأسي وأقنعت نفسي أن سببها جهلي في ديني... حوار مع مسلم سابق
"كرجل غير ديني، لست معنياً باختيارات الآخرين العقائدية والفكرية وحتى السلوكية ما داموا لا يعتدون على حقوقي وحريتي، فليؤمن من شاء وليُلحِد من أراد. لكن ليس مقبولاً في القرن الحادي والعشرين أن أعيش متظاهراً بعكس ما أؤمن به لحماية نفسي وأسرتي من الأذى"
-
ما دمت ذكرت الإلحاد، يدفعني الفضول لمعرفة وقع المفردة على نفسك اليوم عندما يصفك أحدهم بها
-
كيف تودّ أن تُعرّف عن نفسك إذن؟
-
لشخص مثلك كان التديّن عنواناً لمرحلة كبيرة ومهمة في حياته، هل هناك ملامح معينة من تلك الفترة تشتاق إليها؟
-
حرصي على الحياد لن يمنعني من الإقرار بحاجة الدين إلى إصلاح وتحديث، وهو أمر لا ينكره معظم المسلمين الملتزمين الذين يدينون الإرهاب والعنف باستمرار، أود معرفة رأيك في الدعوات والطروحات الإصلاحية التي انتشرت أخيراً بين الشباب المسلم
-
أنت ترى أن العلمانية هي الحل إذاً؟
-
سؤالي هذا سيبدو كليشيهاً، كما أعلم بأن كثيرين قد طرحوه عليك من قبل، لكنني أراه مناسباً كي نختم به حوارنا: لنفترض أن الدين حق، فما الذي ستقوله لله عندما تقف بين يديه؟ وكيف ستبرّر له خيارك باعتناق اللادينية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...