بعد مضيّ أكثر من ثلاث سنوات على انطلاقة الثورة في سوريا، ما زالت قصص اللجوء السوري تأخذ حيّزاً واسعاً من اهتمام المنظمات والدول في العالم، كما وتحجز مكاناً دائماً لها على صفحات الإعلام العالمي، لما حملته، وما زالت، من ألمٍ في صورتها التي تضع ضمير العالم على المحكّ.
[br/]
تنشغلُ اليوم وسائل الإعلام المختلفة في الدول الأوروبية عامة والإيطاليّة خاصة، بنشر أخبارٍ عن فيلم "أنا مع العروسة" الذي يوثق لعمليّة تهريب للاجئين قادمين من سوريا إلى أوروبا. كانت صحيفة "الكوريرا ديلا سيرا" Corriere della Sera، أكبر الصحف الإيطالية، قد نشرت قبل أيامٍ مقطع فيديو لفتاة بلباس العرس على أحد مراكب الهجرة باتجاه إيطاليا. فما قصة هذه الفتاة؟
[br/]
[br/]
الشاعر خالد سليمان الناصري والصحافي غابرييلّه دل غرانده Gabriele Del Grande والمخرج التلفزيوني أنطونيو أوغوليارو Antonio Augugliaro، ثلاثة شبّان قرروا أن يفتحوا باب تحدي السلطات الإيطالية والأوروبية من خلال فيلم "وثائقي درامي" يتناول معاناة المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا بعد أن نجوا من خطر الموت غرقاً في البحر الذي ركبوه هرباً من قذائف الموت في بلادهم.
[br/]
لكنّ اللعبة التي اختارها القائمون على الفيلم كي يتجنّبوا إثارة الشبهات لدى السلطات، هي أن يمضوا في موكب عرس يقطعُ حوالي ثلاثة آلاف كيلومتر من ميلانو إلى السويد، مارّاً بمرسيليا في فرنسا، ولوكسمبورغ، فبوخم في ألمانيا، ثمّ إلى الدانمارك قبل أن يصل أخيراً إلى السويد. المهمّ في الأمر هو أن أبطال الفيلم مهاجرون غير شرعيين حقيقةً، وليسوا ممثلين.
[br/]
لم يكن القائمون على فيلم "أنا مع العروسة" غافلين عن العقوبات التي قد تطالهم بتهمة التهريب المنظم لمهاجرين غير شرعيين، والتي قد تصل حسب القوانين الأوروبية إلى السجن لخمس عشرة سنة، لذا جهّزوا فريقاً من المحامين للدفاع عنهم فيما لو اقتضت الحاجة.
[br/] لدى سؤالنا له عن سبب اشتراكه في هذا الفيلم (أو العملية) رغم العقوبات القاسية المحتملة، يقول غابرييله دل غرانده، الذي كان قد دخل إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام العام الماضي في إطار عمله كصحافي: "رأيت الحرب في سوريا بأم عيني. وبالنسبة إلي فمساعدة شخصٍ واحد للخروج من بحر الدم ذاك تجعلني أشعر أني إلى جانب الحق. لا يعنيني إذا كانت القوانين تعتبر ما فعلناه غير شرعيّ. فالقوانين المكتوبة يمكن تغييرها، لكن هناك أشياء غير مكتوبة، هي قوانين إنسانيتنا، وهي التي لها الأفضلية".
[br/]
يؤكد خالد الناصري الذي ولد وعاش في سوريا قبل أن ينتقل إلى إيطاليا عام 2009 ذلك بقوله: "كان من الطبيعي جداً وأنا أرى ما يتعرض له أناس هاربون من الحرب أن أعترض. من هنا جاءت فكرة الفيلم، ليكون نوعاً من عصيان مدني في أوروبا ضد قانون لا أخلاقي بكل المقاييس".
[br/]
[br/] يروي الفيلم قصّة شاعر فلسطيني سوري وصحافي إيطالي يعيشان في مدينة ميلانو، وفي خضم وصول قوافل المهاجرين السوريين والفلسطينيين إلى المدينة يلتقيان في ميلانو بخمسة مهاجرين سوريين وفلسطينيين كانت قواربهم رست على شواطئ لامبيدوزا بعد هروبهم من الحرب. يقرر الصديقان مساعدة هؤلاء اللاجئين الخمسة بتهريبهم إلى السويد فيضعان لذلك خطة جريئة: ستتم الرحلة على أنها زفة عرس تجول أوروبا ليتجنبا بذلك إثارة الشبهات. فيتصلان بصديقة فلسطينية ستأخذ دور "العروسة" متنكرة بثوب الفرح الأبيض، وسيسارع أصدقاء إيطاليون كثر، للانضمام إلى الزفة على أنهم المدعوون. وهكذا ستعبر القافلة حوالي ثلاثة آلاف كيلومتر ضمن قارة أوروبا خلال أربعة أيام.
[br/] شخصيات الفيلم عبارة عن خمسة مهاجرين حلموا بالوصول إلى "أرض الأحلام" السويد: علاء وابنه منار (هذا الأخير مغني راب لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره) وصلا إلى إيطاليا بعد أسبوعين من مغادرتهما مصر على ظهر مركب بحريّ صغير. عبدالله وهو شابٌ فلسطيني نجا بأعجوبة من الموت بعد أن كان على ظهر القارب الذي غرق في جزيرة لامبيدوزا في 11/10/2013، أبو نوّار وزوجته منى تركا خلفهما ثلاثة أبناء وجاءا إلى أوروبا.
[br/] جاء في البيان الذي أصدره القائمون على الفيلم على موقعه الرسميّ: "يقوم هذا الفيلم التسجيلي على موقف إنساني وسياسي في آن واحد، فمع أنّ قصته مؤلفة، لكن مشاهده حقيقية. يجمع فيلم "أنا مع العروسة" باختصار بين كل تلك الصفات ليكون فيلماً من الصعب تعريفه بسهولة، الأمر الذي فرض علينا خيارات دقيقة منذ البداية، فلم نكتب حوارات أو نرسم شخصيات، بل شرعنا بتحضير الرحلة والتفكير بالمشاهد المفصلية".
[br/] وبما أن السريّة والخوف من إثارة الشبهات قد طبعا العملية ككل، فقد اقتضى أن يأخذ العمل مجهوداً مضاعفاً من الفريق التقنيّ: "فرض علينا العمل بنمط الكاميرا المحمولة التي لم نتركها إلا في لحظات نومنا القليلة جداً، لكننا بالمقابل كمخرجين كان لدينا حرية مساحة أكبر لرصد كل الحالات والانفعالات والتداعيات للشخصيات، وتمكنا فعلاً من التقاط لحظات نادرة سنراها في الفيلم"، يقول أنطونيو أوغوليارو.
[br/] في وقتٍ تكثر فيه الأحاديث عن تعرّض بعض من اللاجئين السوريين في الدول التي تستضيفهم إلى مواقف عنصرية، يظهر شبان ثلاثة يعلنون عصياناً مدنياً على القوانين غير العادلة، ليذكّرونا أنّ الإنسانية ما زالت الصفة الجامعة في هذا العالم، أكثر من أيّ شيء آخر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 14 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 20 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com