أظهر هدم مبنى متنازع عليه بين الكنيستين الأرثوذكسية والإنجيلية في مصر حدة خلافاتهما المتأصلة، ودفعها إلى السطح من جديد.
مساء الأربعاء الماضي، أقدم منتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية على هدم مبنى في قرية الأبعدية، التابعة لبني محمد سلطان، في مركز المنيا، وذلك نتيجةً لنزاع وصل إلى المحاكم، وساق خلاله كل طرف حججه حول ملكية ما اختلفا على تسميته أيضاً: «كنيسة تاريخية» أم «قاعة عزاء».
تعزف الطوائف المسيحية في مصر على وتر «الوحدة» في العلن، تماشياً مع النغمة «الحكومية الرسمية»، بينما تدور حرب عقائدية واجتماعية في الخفاء، تعلن وجودها بين الحين والآخر عبر فقاعات قد تبدو بسيطة، مثل أن يرفض قس أرثوذكسي الصلاة على متوفّى إنجيلي بروتستانتي.
ترى كل طائفة في نفسها حاملة راية «الإيمان الحق»، بينما الآخرون «منحرفون وليسوا مسيحيين حقيقيين».
هذه نظرة يعتقد مسيحيون كثر أنها لا تختلف عن المنهج الذي يتبناه أصحاب المذاهب والتيارات الإسلامية التي تتبادل التكفير، وينتقد البعض ما يصفونه بـ«تشدد الأرثوذكس»، وبينهم رموز دينية، معتبرين أنهم «سلفيون» في النهج والطريقة.
كما يصف آخرون الإنجيليين بأنهم «متطرفون»، و«هراطقة»، وهي كلمة يمكن ملاحظة تكرارها في الخلافات بين أبناء الطائفتين على مواقع التواصل الاجتماعي.
في البدء كانت وحدة ثم "انقسام" و"ثورة"
انفصلت الكنيستان الشرقية والغربية عقب مجمَع خلقيدونية الذي عُقد سنة 451. وشهدت جلسات المجمع الست خلافاً بين رموزهما، ومنهم بابا الإسكندرية، ديوسقوروس.
تطرقت الجلسات إلى جوهر «الإيمان المسيحي»، ما أدى إلى انشطار تجسّد في قسمين: الأول أرثوذكسي (أي القويم) «وهم مَنْ حافظوا على نفس التقليد (العهد) القديم، والإيمان الأول»، والكاثوليك «وهم مَنْ آمنوا بما هو جديد»، حسبما توثق أدبيات الكنيسة الأرثوذكسية.
وفي القرن السادس عشر، حدث انشقاق في جسد الكنيسة الكاثوليكية بعد ثورة «البروتستانت» أو «المحتجين المعارضين» بقيادة بابا كنيسة ويتنبرغ في ألمانيا، مارتن لوثر، الذي تصفه مواقع أرثوذكسية بأنه «المُصلح الذي أفسد أكثر مما أصلح».
وجاء انشقاقه بعد اعتراضه على «صكوك الغفران»، والاستيلاء على أموال موجهة لبناء كنيسة القديس بطرس في روما. وقال حينذاك إن «غفران الخطايا يمنح لكل مسيحي يتوب ويندم بدون الحاجة إلى صك».
تعددية طائفية باسم "الوحدة" وتطاحن في الخفاء
في المناسبات الرسمية والمجالس المُوحدة يظهر رموز الطوائف المسيحية معاً تحت شعار «الوحدة»، بينما تدور فيما بينهم حرب ضروس في الخفاء، خشية من مخططات تبشيرية تتهم طائفتا الكاثوليك والبروتستانت بها.
ترفع «الأرثوذكسية» أو الكنيسة الأم، التي تنتمي إليها غالبية المسيحيين المصريين، لواء «الإيمان المسيحي الحق» وتعقد المؤتمرات الدينية، وتنشر العظات عبر نوافذها الإلكترونية للتحذير من بدع و«اختراقات»، داعيةً إلى لقاءات دعوية، ولو داخل البيوت، تحت إشرافها.
ظهرت المسيحية في مصر في القرن الأول الميلادي مع القديس مرقس الرسولي، مؤسس الكنيسة القبطية. ولم تعرف البلاد تعدداً طائفياً مسيحياً إلا في القرن الثالث عشر مع قدوم الحملة الصليبية (كاثوليكية) بقيادة الملك لويس التاسع 1219، حسبما تؤرخ مواقع الكنيسة الأرثوذكسية الرسمية للطوائف «الوافدة من الخارج».
ويقول موقع الأنبا تكلاهيمانوت، التابع لكنيسة الإسكندرية، إن البروتستانتية عرفت طريقها إلى مصر في أبريل 1860 وأسست كنيسة في شارع درب الجنينية بالموسكي، ثم نقلت إلى حي الأزبكية، في حين يعتقد موقع «وكالة أنباء مسيحيي الشرق الأوسط» أن «البدايات الأولى للطائفة الإنجيلية بمصر تمت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، إذ جاء خلال هذه الفترة عدد قليل من المرسلين البروتستانت».
تعزف الطوائف المسيحية في مصر على وتر «الوحدة» في العلن، تماشياً مع النغمة «الحكومية الرسمية»، بينما تدور حرب عقائدية واجتماعية في الخفاء
ترى كل طائفة مسيحية في مصر نفسها حاملة راية «الإيمان الحق»، بينما الآخرون «منحرفون وليسوا مسيحيين حقيقيين».. نظرة لا تختلف عن المنهج الذي يتبناه أصحاب المذاهب والتيارات الإسلامية التي تتبادل التكفيردخل الصدام بين الطوائف «مرحلة مُرة» في أيام البابا كيرلس الخامس (1874 - 1927)، حين بدأ الكهنة الأرثوذكس يمتعضون من كون أولادهم يقصدون كنائس الطوائف الأخرى لـ«مجرد أن فيها ترتيلة أو عِظة حلوة»، وهاجمت الكنيسة الطوائف الأخرى وقاطعت كل مَن يذهب إليها. «كان نفسي خدامنا يبقوا إنجيليي الخدمة وأرثوذكسيي العقيدة»... قال الشاب يوسف نبيه، في صفحته على فيسبوك، قبل أن يدخل في اشتباك لفظي مع آخرين من الطائفة نفسها عابوا عليه انتقاده خدام الكنيسة الأرثوذكسية. يأتي بوست يوسف في وقت ترى الكنيسة الأرثوذكسية أن نظيرتها الإنجيلية تستخدم الخدمات ومؤسساتها التعليمية والثقافية والترفيهية كوسيلة لجذب أو «خطف» أبنائها. ورغم محاربة كهنة الجيل القديم، في ثلاثينيات القرن الماضي، فكرة «مدارس الأحد»، واعتبارهم إياها «بدعة بروتستانية»، إلا أن الكنيسة القبطية غيّرت نظرتها إلى الأمر لاحقاً وراحت تحتضن هذه المدارس. وكما البروتستانية، مصّرت الأرثوذكسية الألحان والتراتيل وعملت على تطوير التعليم الكنسي وخدماتها. لم يتوقف الصراع عند هذا الحد، إذ توالى عقد المؤتمرات، ووضع البابا شنودة الراحل، الذي قاد الكنيسة الأرثوذكسية بين عامي 1971 و2012، خطة لمواجهة «مؤامرة إنجيلية» واستعادة مَن خرجوا من «الإيمان الأرذثوكسي». عام 2009، شن الأنبا بيشوى، مطران كفر الشيخ ودمياط والبراري، هجوماً على الكنيسة الإنجيلية خلال مؤتمر «محاولات الغزو الطائفي (أنواعه - أبعاده - وكيف نواجهه؟)»، في دير الأنبا آبرام في الفيوم. وحذرت رموز دينية، حينذاك، من خطة أمريكية لتحويل الأرثوذكس إلى بروتستانت خلال 20 عاماً عبر «مدارس السلام الأمريكية». وفي 2013، تشكّل ما يعرف بـ«مجلس كنائس مصر»، عقب اجتماعات بين الكنائس المُمثلة فيه (الأرثوذكسية، الإنجيلية، الكاثوليكية، الأسقفية، الروم الأرثوذكس). ولكن البعض يرى أنه «رمزي» في ظل الاختلافات اللاهوتية والعقائدية بين مكوّناته، وعدم وجود لائحة تنفيذية له. وفي تصريحات صحافية، قال القمص عبد المسيح بسيط، مدرس اللاهوت الدفاعي، إن المسيحيين المصريين كانوا أرثوذكساً حتى القرن الـ19 الذي شهد دخول الجاليات الأوروبية من البروتستانت والكاثوليك إليها. وبرأيه، كانت الجاليات تهدف إلى تبشير المسلمين وعندما فشلت، بدأت تبشير الأرثوذكس، مُعتبراً أن مبدأ الوحدة بين الكنائس لا يصب في مصلحة الأرثوذكس.
ديانة واحدة وفجوة اجتماعية
بعد الضجة التي أثارها هدم المبنى المتنازع عليه بين الطائفتين الأرثوذكسية والإنجيلية في المنيا، دوّن عدد من الأقباط خبراتهم الاجتماعية عن التعاملات الإنسانية واليومية بين أبناء الطائفتين. ?comment_id=10159979588045593&comment_tracking=%7Bطائفية "سياسية"
وفي خضم الانشقاقات والصراعات المُستمرة، رأى مؤرخون في تداخل السياسة مع الدين سبباً جوهرياً لما جرى، منذ تدخلات الأمبراطور الروماني ثيؤدوسيوس في مجمع خلقيدونية، في ظل رغبة الحكام في السيطرة على الكنيسة وقبول رموزها ممارسة سلطانهم باسم الدين.وفي حوار صحافي سابق عن كتابه «رؤية تاريخية للأقباط الكاثوليك بمصر»، اعتبر كاهن كنيسة الأقباط الكاثوليك بالزيتون، الدكتور الأب أغسيطينوس موريس، أن الخلاف قديم بين الأرثوذوكس والكاثوليك وكان «سياسياً» بالدرجة الأولى، لكنه ارتدى ثوب الدين.
أما الفنانة هالة صدقي، فقالت في مقابلة تلفزيونية في مارس 2016، إنها ليست مقتنعة بالمذاهب الدينية، مضيفةً: «في عهد السيد المسيح عليه السلام لم تكن هناك مذاهب كاثوليكية أو بروتستانت. المذاهب من صنع البشر وكلها بسبب اتجاهات سياسية ومصالح، لذلك لا أومن بتلك القصة ولا أربط حياتي بها»."عدد السخانات في البيوت المصرية معروف وعدد الأقباط غير معروف"
قال هذه العبارة البابا تواضروس الثاني، في إشارة إلى عدم وجود إحصاء لعدد المسيحيين في مصر منذ عام 1986 (كان 5.7 مليوناً).
وتوقف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن إجراء ذلك بدعوى توقيع مصر آنذاك على ميثاق دولي للإحصاء الأمريكي، وهو ميثاق تابع للأمم المتحدة ينص على أن تكون خانة الديانة في استمارات التعداد اختيارية وليست إجبارية.
ويرى البابا تواضروس أن عدد المسيحيين لا يقل عن 15% من المصريين، منتقداً عدم اهتمام الدولة بإحصائهم.
وفي 2017، رأى الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الليبية الغربية للأقباط الأرثوذكس، أن «عدد المسيحيين فى مصر يراوح بين 15 و18 مليوناً، وأن الكنائس المختلفة لديها إحصاء بعدد المترددين عليها».
وفي 2013، ذكرت الهيئة القبطية الهولندية، كبرى المنظمات القبطية التابعة لأقباط المهجر، أنها أجرت أول دراسة متخصصة تبيّن أن التعداد الرسمي لأقباط مصر لا يقل عن 20%، أي حوالى 17 مليوناً، آنذاك.
وأوضحت الهيئة أن عدد الكنائس الأرثوذكسية بلغ ألفاً و326 كنيسة، وعدد الكنائس البروتستانتية 1100 لمختلف الطوائف التابعة لها، وعدد الكنائس الإنجيلية 500، وعدد الكنائس الكاثوليكية 200.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون