مساء السبت الماضي، ظهرت المذيعة المصرية لميس الحديدي كعادتها عبر برنامجها "هنا العاصمة" الذي يعرض على فضائية سي بي سي (المقربة بقوة من النظام المصري) وهي تهاجم - إلى حد ما - الواقع السياسي المصري.
في مقدمة الحلقة التي أثارت جدالاً في مصر، استنكرت الحديدي ما أطلقت عليه "غياب السياسة في مصر خلال الفترة الأخيرة"، مضيفة أن النظام المصري يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في ذلك.
لم يفت المذيعة التي كانت مقربة كذلك من نظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، أن تستخدم جملاً وصفها كثرٌ بالصادمة، حيث قالت: "يوجد غياب أو تغييب للسياسة في مصر، نحن عاملنا السياسة باحتقار، وكل من يعمل بالسياسة يُعتبَر إما عميلاً أو يجب انتقاده بشدة".
عبرت الحديدي في الحلقة نفسها عن ضيقها من عدم وجود رئيس وزراء أو وزراء متمكنين سياسياً، وكذلك عدم وجود مستشارين سياسيين لرئيس الجمهورية، مضيفة أن هناك "رغبة في إسكات الصوت الآخر من بعض الأجهزة وخوفاً وقلقاً من أي كلام في السياسة".
نبرة لميس المختلفة، ظهرت أيضاً وهي تقول في الحلقة نفسها أنه ينبغي أن تكون حول الرئيس السيسي مستشارون سياسيون يعرضون آراءهم، ولا بد أن تكون هناك أجهزة سياسية لا أجهزة أمنية".
استمرت لميس في وصلة "الشجاعة"، معتبرة أنه لا تمكن معالجة القضايا كافة من دون عقل سياسي، مضيفة أن رفع سعر تذكرة المترو يعتبر قضية سياسية، كذلك رفع الدعم.
وهاجمت الحديدي البرلمان، معتبرة أنه لم يعد يقوم بدوره كما كان في الماضي، كأن "هناك رغبة في الصوت الواحد، ربما تكون رغبة بعض الأجهزة"، وفق تعبيرها.
وتحدثت المذيعة عن أهمية الرأي والرأي الآخر في بناء المجتمعات، معتبرة أنه الضمان لجو صحي للمجتمع، "فالبناء لا يتم بالتفرّد بالرأي، وبناء الدولة لا يتم برأي واحد"، مذكرة بأنه بعد نكسة 67 اعترف جمال عبدالناصر بأنه غيّب الرأي الآخر.
أنهت الحديدي وصلة الجرأة بجملة "أقول هذا الكلام وأجري على الله، حتى لو كانت هذه المرة الأخيرة التي أظهر فيها".
أثارت الحلقة جدالاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن جرعة الشجاعة التي تناولتها الحديدي قبل الحلقة غير مسبوقة من فضائية مصرية تخرج من مدينة الإنتاج الإعلامي (تقع على أطراف القاهرة)، وهي من الفضائيات التي تدعم نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشكل مطلق.
هاجمت الحديدي البرلمان المصري معتبرة أنه لم يعد يقوم بدوره كما كان في الماضي كأن "هناك رغبة في الصوت الواحد، ربما تكون رغبة بعض الأجهزة"
هل يمكن حقاً اعتبار ما قامت به الحديدي في حلقة هنا العاصمة غضباً "حقيقياً" من النظام المصري؟جعل الأمر البعض يعتبر أنه "حتى الأذرع الإعلامية الخاصة بالنظام بدأت تعلن ضيقها من الظروف الصعبة التي تعيشها مصر"، وفق تعبير أحد مستخدمي الفايسبوك. أدت الحلقة إلى غضب من قبل مؤيدي النظام المصري، متهمين لميس بالنفاق، وبأنها تبحث عن مزيد من الشهرة على حساب "استقرار البلد". وهو ما قاله زميلها المقرب من النظام تامر عبدالمنعم مقدم برنامج العاصمة الذي يعرض على فضائية العاصمة. عرض تامر في الحلقة مقطع فيديو للحديدي من عهد مبارك وهي تشيد به، وتصفه بالأب، وتشيد بإنجازاته الاقتصادية. زاد الجدال بعد أن تغيبت الحديدي عن تقديم حلقة الأربعاء من برنامجها "هنا العاصمة"، وقدمت الحلقة بدلاً منها إحدى مذيعات فضائية "إكسترا نيوز" الإخبارية. لكن مصدراً من داخل القناة، أكد لرصيف22 أن غياب لميس ليس له أي علاقة بحلقة يوم السبت، وأن السبب الحقيقي هو حصول لميس على إجازة لمدة يوم واحد، حيث تحصل نهاية كل شهر على إجازة من حلقة الأربعاء، لتحصل على "ويك أند" طويل لأن البرنامج لا يعرض يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع. وأضاف أن لميس ستظهر يوم السبت بشكل عادي وطبيعي، وأنه "لا مشكلات واجهت لميس أو القناة بسبب تلك الحلقة".
القليل من حرية التعبير لن يضر
لكن، هل يمكن حقاً اعتبار ما قامت به الحديدي في حلقة هنا العاصمة غضباً "حقيقياً" من النظام المصري؟ بالتأكيد لا، فكل من يعمل في الوسط الإعلامي المصري، خصوصاً في الفضائيات المصرية المقربة من النظام، يعلم جيداً أن كل كلمة متفق عليها مسبقاً، وحتى الضيوف الذين يظهرون في البرامج، يُوافق عليهم أمنياً، ويطلب منهم فريق الإعداد أحياناً أرقام بطاقاتهم الشخصية بحجة إصدار تصاريح دخول لهم إلى القناة. كما أن متابع البرامج الأخرى ومنها برنامج "العاشرة مساء" الذي يقدمه المذيع المصري وائل الأبراشي على فضائية دريم المقربة من النظام، يجد أنه أحياناً يتحدث بشجاعة، كأنه معارض حقيقي من دون أن يتعرض لأي مشكلة من قبل النظام. وكانت قنوات مؤيدة لجماعة الإخوان، والتي تبث من خارج مصر عرضت تسجيلات صوتية، لم يتأكد رصيف22 من صحتها، توضح أن بعض إعلاميين مصريين يأخذون أوامر مباشرة من جهات أمنية.ليست معارضة حقيقية
يؤمن الباحث الإعلامي المصري أحمد مجدي يوسف أن بعض الإعلاميين المصريين، من ضمنهم لميس الحديدي أقل بكثير من أن يكون لهم موقف معارض حقيقي، فهم بحسب يوسف من أهم أذرع النظام المصري، ومعروف أن معظم ما يخرج من القنوات المصرية متفق عليه مع جهات الأمن، بحسب رأي يوسف. يقول يوسف أن الأمر قد يكون بدرجة كبيرة رغبة من النظام المصري في أن يظهر بمظهر من يحترم حرية التعبير، لأن "الصورة العامة أصبح شكلها قبيحاً، البلد يسير في اتجاه الصوت والرأي الواحد، وهذا جعل شكل النظام سلبياً، خصوصاً أمام العالم المتقدم، لذلك لا مشكلة في بعض الأصوات المعارضة، كادعاء أن هناك حرية تعبير"، يقول يوسف لرصيف22. يشبه الأمر من وجهة نظر الباحث حاجة النظام إلى مرشح رئاسي ينافس الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حيث استقرّ على مرشح "من الحبايب"، وليس غريباً عن النظام ليسهل التحكم فيه، وفي الوقت نفسه، حتى لا يبدو الأمر أمام العالم كأنه استفتاء لا انتخابات ديموقراطية. "لميس حين تغرد خارج السرب، فإن ذلك بالتأكيد يتم بمعرفة النظام وبموافقته، وإلا كان حدث لها ما حدث لشخصيات حقيقية قررت أن تغرد خارج السرب مثل سامي عنان على سبيل المثل"، يقول يوسف. يلفت يوسف إلى أن الإعلاميين المصريين بغالبيتهم، يحصلون على مبالغ مالية كبيرة جداً من القنوات التي يعملون فيها، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تواجهها مصر، وبالتأكيد لن يضحّوا بذلك من أجل لا شيء، والأهم أنهم ليسوا معارضين أصلاً، يضيف يوسف.من هي لميس الحديدي؟
لميس علي محمد علي الحديدي، مذيعة وإعلامية مصرية تشبه غالبية إعلاميي مصر، تؤيد النظام على طول الخط، وترى أن دورها تقديم إعلام يعبر عن وجهة نظر الدولة لا يقدم حقائق ويعبر عن الناس. تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتزوجة بالإعلامي المصري عمرو أديب، وكانت من ضمن الإعلاميين الذي شاركوا في الحملة الانتخابية للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 2005، واختيرت عام 2006 لتقوم بإجراء حوار تلفزيوني مع نجله جمال. بعد ثورة يناير 2011، هاجمت مبارك، وكانت من أكثر المعارضين لنظام الإخوان المسلمين أثناء حكمهم مصرَ بعد الثورة، قبل أن تصبح من أهم الأصوات الإعلامية المؤيدة نظامَ الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي. بحسب مراقبين، فإن لميس الحديدي لا تختلف عن عمرو أديب، عماد الدين أديب، وائل الأبراشي، يوسف الحسيني، جابر القرموطي، وغيرهم من مقدمي البرامج السياسية المصرية، فهم مؤمنون بأن الإعلام في خدمة الدولة، لا في خدمة الجمهور والمجتمع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين