الأسبوع المنصرم، أصدر القاضي السودانيّ عبّاس يوسف حكماً بمئة جلدة قبل الإعدام بحقّ مريم يحيى إبراهيم، الحامل في شهرها الثامن، وهي والدة لصبيّ لم يبلغ الثانية، بعدما أقرّت أنها مسيحيّة.
[br/] ولدت مريم لوالد سودانيّ مسلم وأم سودانيّة مسيحية، ونشأت مسيحية كون والدها قد هجر زوجته. يقال إن أخاها هو من بلّغ المحكمة الجزائية عن أخته، متهمّاً إياها بـجرم “الزنا والارتداد” عن الإسلام؛ لأنها تزوجت من شابّ سودانيّ مسيحيّ. زوجها مُقعَد وبحاجة دائمة لعناية مريم التي تعمل خبيرة تحاليل طبية.
[br/]
بغض النظر عن تفاصيل مأساة مريم، تهافتت الدول الأوروبية والولايات المتحدة، عبر سفرائها في الخرطوم، إلى استنكار الحكم الذي يؤجّج النعرة الطائفية بين السودان وجنوب السودان، كما ينذر بسياسة رجعيّة تتنافى مع النظام العالمي الجديد، ومع حقوق الإنسان المقدّسة من قبل الهيئات الدولية.[br/]
"لا إكراه في الدين" مقولة نتبادل كلماتها اليوم، في الأوقات المناسبة فقط، بغية حسم النقاش عن الحريات الدينية، ولكننا ننسى أن مردودها ينطبق فقط على أولئك الذين لم يدخلوا الإسلام أصلاً. يستنتج المفسّرون أن هذه الكلمات لا تنطبق على من يرون أنه مسلم أصلاً، في الوقت الذي تنزل بالمكرَه في الإسلام أشدّ العقوبات إذا ما "ارتدّ".[br/]
دستور السودان الحالي يكرّس المادة (126) لحكم الردّة، بالرغم من تناقضه مع مبادىء حرية العقيدة وحقوق الإنسان المشمولة بالاتفاقيات التي أدخلت السودان، ولو بخجل، إلى النظام العالمي الجديد؛ فالحريات الشخصية لا تفاوضَ بشأنها، والقرار الذي يشتمل عليه الحكم القضائي ليس سوى قرار سياسي يصدر من جهاز تابع لأنظمة تتشدد دينياً لتبرير وجودها، وهي لا تزدهر إلا في مناخ رجعي وأصولي.[br/] جاء الردّ السوداني كما هو متوقع ومعتاد دوماً من العقل العربي التقليدي الحاكم: "إن ما يثار الآن في وسائل الإعلام العالمية حول الفتاة السودانية المرتدّة يهدف للإساءة لسمعة السودان"، قالها الفاتح عزالدين رئيس المجلس الوطني في السودان. في تصريحه للإذاعة السودانية، أوضح السيد عزالدين تفاصيل عن الفتاة السودانية، حيث قال إنها ولدت لأبوين مسلمين، وتربّت في محضَن إسلاميّ على خلاف ما ادّعتْ. وكأنه بهذا يحاول أن يضفي صبغة المشروعية على الحكم، في حين لا تبريرَ يمكنه أن يسوّغ إعدام شابة حبلى لأنها مارست حقها في الاختيار، لا غير.
[br/]
في إضافة ذات دلالة، قال السيد عزالدين إن الحكم صدر من محكمة ابتدائية، وهو سيتدرّج في مراحل القضاء حتى يصل إلى المحكمة الدستورية. وفي هذا ما يشير إلى أن الحكومة السودانية قد تحاول احتواءَ عاصفة النقد الدولي مستقبلاً، وتتجنب متاعبَ إضافية هي في غنى عنها.
[br/] يبقى لنا أن ننظر جدّياً إلى من يسيء إلى السودان، أو العرب أو المسلمين عموماً. هل هو الفكر المنغلق التقليدي الذي يرفض الاعتراف بأن للدين ثوابتَ إنسانية وأخلاقية تعيش على مرّ الأزمان، وأن له في الوقت ذاته تفاصيل إجرائية تتغير بتغير العصور، أم هو الغرب المتربص الذي نلقي عليه باللائمة دوماً!
[br/]
أما آن الأوان، ونحن في القرن الحادي والعشرين، أن نكفّ عن الإساءة لأنفسنا ونصبح جزءاً فاعلاً وأصيلاً من العالم الذي يقرّ بحقوق الإنسان قانونياً ويمارسها فعلياً من دون أي تناقض بين القانون والممارسة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع