تأخر اختيار الإسرائيليين لنجمة داود شعاراً لهم إلى ما بعد تأسيس إسرائيل عام 1948. قدّم فنانون استُدعوا لتنفيذ تصميمات لعلم الدولة الوليدة مئات التصوّرات إلى أن رسا الاختيار على العلم الإسرائيلي الذي تتوسطه النجمة السداسية. وحارب مكتب المقاطعة العربية هذا الشعار واعترضت منظمة الصليب الأحمر الدولي على استخدامه. ولكن الباحث الإسرائيلي غريشوم شوليم كشف أن اليهود أخذوه عن العرب وأن النازيين أنفسهم استخدموه في حقبة تاريخية معيّنة كرمز للقوة العسكرية، قبل أن يحلّ محلّه الصليب المعقوف، كما جاء في تقرير كتبه أوهاشي ديرمان بعنوان "لماذا اختيرت نجمة داود رمزاً" ونشرته صحيفة هآرتس.
إلى نص التقرير:
"في أبريل 1959، طالبت لجنة المقاطعة العربية مؤسسة إنتاج الساعات السويسرية "Ardath" بإزالة نجمة داود من شعار علامتها التجارية، مبررة طلبها بأن هذا الرمز هو شعار ديني يهودي قديم. بعدها بفترة وجيزة، نشر مراسل صحيفة معاريف في لندن يوسف تومي لابيد خبراً عن تراجع شركة إنتاج الشاي البريطانية "بروك بوند" عن استخدام نجمة داود في تزيين منتجاتها نزولاً عند طلب مكتب المقاطعة العربية. بذل المتحدث باسم شركة الشاي جهوداً كبيرة لإقناع مكتب المقاطعة العربية بأن نجمة داود هي رمز استُخدم لسنوات طويلة قبل تأسيس دولة إسرائيل، ولكنه فشل. فحساسية العرب من النجمة السداسية كانت مرتفعة للغاية. وفي نهاية المطاف أزالت الشركة البريطانية نجمة داود عن منتجاتها وفتحت الدول العربية أبوابها مجدداً أمام منتجاتها.انتقل شعار نجمة داود من العرب إلى اليهود، واستخدمه النازيون في حقبة تاريخية معيّنة كرمز للقوة العسكرية، قبل أن يحلّ محلّه الصليب المعقوف
ظهر رمز نجمة داود في وقت متأخر نسبياً على مسرح التاريخ اليهودي، وبالتأكيد هو لا ينطوي على أية علاقة بداود الملك...ولكن لم يكن مكتب المقاطعة العربية الأول في المطالبة بإزالة الشعار الذي صار الشعار الأكثر استخداماً للرمز إلى اليهود. فعام 1950، طالبت منظمة الصليب الأحمر بتغيير شعار نجمة داود الحمراء إلى صليب أحمر، لقبول عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية. المبرر الأوروبي كان هو نفسه مع لمسات أوروبية. أعلن الصليب الأحمر أنه منظمة دولية لا تقبل إدراج أية شعارات تشير على انتماءات دينية في شاراتها، فيما نجمة داود هي شعار يهودي قديم. ولكن المنظمة ذاتها لم تتبنّ الموقف ذاته حيال منظمات الإنقاذ في الدول الإسلامية، والتي واصلت استخدام شعارها التقليدي – الهلال الأحمر. سيعزو البعض ذلك إلى عداء الديانتين الإسلامية والمسيحية لليهودية. لكن الحقيقة تؤكد أن اليهود أنفسهم، استخرجوا تقريباً وثيقة طلاق لنجمة داود. عام 1948، ومباشرة بعد إعلان تأسيس إسرائيل، نشب جدل عام حول تصميم علم الدولة الوليدة. أعرب قادة الحركة الصهيونية عن خشيتهم من أن يأتي العلم الإسرائيلي مماثلاً لعلم حركتهم، وكان عبارة عن لونين أزرق وأبيض تتوسطهما نجمة داود، لأن ذلك سيثير غضب أعضائها المنتشرين حول العالم، كما سيثير غضب معارضي الحركة الصهيونية.
في ضوء تلك المخاوف، أطلقت حكومة إسرائيل دعوة طلبت فيها تصميم علم جديد للدولة الوليدة. تلبية للنداء، شارك في التحدي 164 فناناً وعدد آخر من مصممي رسومات الغرافيك، وقدموا 400 تصور إلى لجنة وزارية تشكّلت خصيصاً لهذا الغرض. أحد أبرز العروض كان من تصميم فنان الغرافيك والمصمم أوتو ويلش، الشهير بلقب دون دريفر الصهيوني، وكان عبارة عن شريطين أزرقين بينهما سبع نجوم ذهبية ترمز إلى سبع ساعات عمل، استلهاماً لرؤية مؤسس الحركة الصهيونية تيودر هرتزل الاجتماعية التي دعا فيها إلى سبع ساعات عمل يومياً لبناء الدولة اليهودية.
اشتعلت عاصفة الجماهير اليهودية. اعتبروا نجمة داود شعاراً دينياً ووطنياً لا يجوز التنازل عنه، مؤكدين أن بار كوخبا (قائد يهودي قديم) قاد جيشه بنجمة داود، وأن "هولي آري" (الرابي إسحق لوريا) اعتبرها رمزاً روحياً، وأن الملك داود، وفقاً لما ترويه الأساطير، حارب أعداءه وهو يضع على درعه نجمة داود. ولاقت تلك الاعتراضات استجابة في 28 أكتوبر عام 1948، حينما اختار المجلس الوزاري الإسرائيلي العلم الصهيوني الذي تتوسطه نجمة داود علماً رسمياً لإسرائيل. في الوقت نفسه، كان العالم في الكبالا (مذهب صوفي يهودي)، البروفيسور غيرشوم شوليم يجلس في مكتبه في الجامعة العبرية، وانفجر بالضحك. كان شوليم متنبهاً للغاية لأهمية الرموز الوطنية في تشكيل وجدان الأمة، وحمل إرث تاريخي وثقافي ديني عميق. لكنه تساءل: نجمة داود؟ ففي نهاية المطاف، ظهر هذا الرمز في وقت متأخر نسبياً على مسرح التاريخ اليهودي، وبالتأكيد هو لا ينطوي على أية علاقة بداود الملك، أو ببار كوخبا أو بـ"هولي آري". وبعد الضحك الهستيري، تبدّلت ملامح شوليم إلى الغضب، وبدأ في كتابة بحث تحت عنوان "نجمة داود: تاريخ الرمز". فنّد شوليم في مؤلفه فكرة الجذور القديمة لنجمة داود في التراث اليهودي. وبالمناسبة، لا ينبغي أن تفاجئ النتائج التي توصل إليها اليهود وحدهم بل أيضاً مكتب المقاطعة العربية ومنظمة الصليب الأحمر. أثبت شوليم أن شعار نجمة داود كان منتشراً جداً بين الشعوب القديمة، واعتبروه تميمة سحرية لطرد الأشباح والأرواح الشريرة. وصحيح أن الشعار ظهر في العديد من الحفريات اليهودية التي تنتمي إلى عصور قديمة، وكان في الغالب يُستخدم للتزيين، لكن أيضاً، فإن الصليب المعقوف هو الآخر، على سبيل المثال، كان يُستخدم للتزيين، ولم يفكر أحد في تحويله إلى رمز وطني.
حتى العصور الوسيطة، لا يوجد أي ذِكر للنجمة السداسية، سواء كان ذلك في الكنس أو في المناسك الدينية، أو حتى على شواهد القبور. وهنا الأصدقاء في الصليب الأحمر مدعوون إلى الوقوف أمام حقيقة أن استخدام نجمة داود كان منتشراً جداً في تلك الفترة، خاصة في الكنائس المسيحية. وبشكل عام، يكتب شوليم أن "الرسومات والرموز السحرية كانت تنتقل من شعب إلى آخر... وجالت ذهاباً وإياباً المرة تلو الأخرى". وبالطبع، فإن ظهور نجمة داود كرمز لليهودية بدأ في أعقاب ظهور مذهب الكبالا الصوفي، المعروف بسر الأسرار والذي يتضمّن قبولاً عملياً للسحر. وكان هناك رسم شائع يحمل دلالات سحرية هو "ختم سليمان"، ويرتبط بأسطورة الملك سليمان الملك وخاتمه الذي كان يحمل اسم داود ونجمته. وكان الختم يُعتبر وسيلة فعالة للقيام بمعجزات منها طرد القوى الشريرة. ويبدو أن مكتب المقاطعة العربية لم يكن يستحسن سماع ذلك، إلا أنه وفقاً لشوليم، فإن استخدام اليهود لنجمة داود انتقل إليهم من العرب.
وبدأ استخدام نجمة داود يتسارع في أوساط اليهود في براغ (بحسب إحدى الروايات، جرى ذلك في القرن الرابع عشر حين سمح الإمبراطور لليهود باختيار علمهم الخاص فاختاروا نجمة داود) وانتشر في القرنين السابع عشر والثامن عشر في مورافيا وبوهيميا. ومن الصعب أن نحدد تاريخياً إذا ما كان اليهود اختاروا الرمز بمحض إرادتهم أو إذا ما كان المسيحيون قد أكرهوهم على ذلك، ولكن هذه الأيقونة صارت شعبية في القرنين الثامن والتاسع عشر. وكانت الحركة الصهيونية الجهة التي أعطت نجمة داود تاج الرمز الوطني، حينما بحثت عن أيقونة تكون من ناحية مألوفة ومن ناحية أخرى محمّلة بإرث ديني عالٍ. ولاحقاً، ومن سخرية القدر، غيَّر هتلر والنازيون دلالة النجمة السداسية من رمز للحماية والأمن إلى رمز للنجاسة والعار والموت. وبعد أن كانت النجمة السداسية الصفراء مثبتة على صدور وأذرعة الجنود والضباط النازيين، استبدلوها بشعار الصليب المعقوف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...