مينا سمير شاب مصري يعشق كرة القدم. تميّز ابن الـ16 عاماً بمهارته في اللعب وقدرته على المراوغة وإحراز الأهداف حتى أطلق عليه أصدقاؤه لقب "مينا رونالدو". لكنه يعتبر نفسه ذا حظ سيئ إذ فشل في الالتحاق بأحد الأندية الكبرى. برأيه، لم يكن هذا لعيب في مهارته، بل لكونه مسيحياً. "تقدمت لاختبارات عدد من الأندية آخرها اختبارات النادي (...) واجتزت المرحلتين الأولى والثانية، وعند مرحلة المفاضلة سألني المدرب عن اسمي، وعندما قلت "مينا" رد: "هنبقى نكلمك"، يروي مينا لرصيف22. داخل ملعب "أليكس سبورت" في ميدان الساعة بمحافظة الإسكندرية، وجد مينا ضالته. هناك، التقى بمينا بنداري، وهو شاب مصري قرر أن يؤسس أول أكاديمية كرة قدم للأقباط، بعد فشله هو الآخر في الالتحاق بأحد الأندية الكبرى. "نصحني أحد المدربين أثناء مشاهدته أدائي في إحدى المباريات الشبابية بأن أتقدم لاختبارات نادي الاتحاد السكندري، ورغم شكي في أن يتم قبولي أصلاً، وافقت، لكن كان ظني في محله ولم ينادِني المدرب باسمي لأشارك، لأن اسمي يدل على ديانتي"، يقول مينا. ويضيف: "بعد تدخّل أحد المدربين تم قبولي في النادي في فريق الناشئين لمدة ثلاثة شهور فقط، ظللت خلالها على دكة الاحتياطي". ينفي مينا أن يكون سبب ذلك ضعفاً في موهبته، يقول: "مكنتش هدخل من باب النادي أصلاً"، مضيفاً: "لأني مسيحي لن ألعب". هكذا ينظر كل من مينا ومينا إلى الأمر، مع أن كثيرين ينفون وجود سياسة ممنهجة لاستبعاد الأقباط عن أندية كرة القدم ويعزون قلة عدد المشاركين منهم في دوري الدرجة الممتازة إلى عدم اهتمام المسيحيين كثيراً بهذه الرياضة.
وقائع أثارت سجالات
في مارس 2016، ثار سجال، بعدما قال شقيق طفل يدعى توني عاطف إن شقيقه استُبعد من اختبارات النادي الأهلي بسبب ديانته، وروى أن توني ذهب إلى اختبارات النادي إلا أن المشرف المسؤول عن اختيار اللاعبين أشار إلى معصمه (يرسم عليه صليباً) واستبعده. وبعد الضغط الإعلامي اعتذر النادي الأهلي عن الأمر وسُمح لتوني بالمشاركة في الاختبارات من جديد، ونجح في مايو من العام نفسه.
وفي أغسطس 2016، أثار استبعاد طفل مسيحي يُدعى مينا عصام من اختبارات حراس المرمى بالنادي الأهلي بسبب ديانته (بحسب والده) جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام المصري وعلى السوشال ميديا. وتناولت قنوات مسيحية الأمر على أنه اضطهاد للمسيحيين بسبب ديانتهم.
وفي العام نفسه، قدّمت منظمة Coptic Solidarity، ومقرها الولايات المتحدة، شكوى إلى اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ضد ما وصفته بتمييز ديني ممنهج ضد الرياضيين الأقباط في مصر.
"أي شخص يحاول إثبات تعرّض المسيحيين للتمييز الكروي في مصر يُعتبر مثيراً للفتنة، فهي قضية تثار في الكواليس فقط، لكن يتم إنكارها من الجميع"...
هاني رمزي لرصيف22: "لا أنكر تماماً فكرة وجود تمييز كروي ضد الأقباط في مصر لكن ما يحدث هو استثناء وليس قاعدة"...
خوف من "إثارة الفتنة"
يقول الناقد الرياضي ياسر أيوب لرصيف22 إن أي شخص يحاول إثبات تعرّض المسيحيين للتمييز الكروي يعتبر مثيراً للفتنة، "فهي قضية تثار في الكواليس فقط، لكن يتم إنكارها من الجميع، لأننا نخاف نتيجة عوامل سياسية واجتماعية". ويضيف: "كيف تثبت على مدرب مثلاً أنه عنصري وأنه يبخس أحد المتقدمين حقه في اللعب لأنه مسيحي فقط، بصرف النظر عن موهبته؟"، متابعاً: "سيكون الرد الجاهز دائماً: رفضت 300 مسلم، و5 مسيحيين".ويرى عادل طعيمة، أحد المسؤولين في النادي الأهلي، أن كل ما يثار حول وجود اضطهاد كروي للأقباط في مصر، خاصة من الأندية الكبرى كالأهلي والزمالك، هو محض افتراء، ومحاولة لإحداث فتنة بين المسلمين والمسيحيين.
ويدلل طعيمة على كلامه بقضية توني عاطف، وكان حينذاك مديراً لقطاع الناشئين في النادي الأهلي، ويقول لرصيف22: "كل ما قيل عن هذه الأزمة كان مدبراً من أطراف لا أعرفها تريد فقط إيقاع مصر في مستنقع الفتنة"، مضيفاً: "العنصرية ليست من سياسات النادي الأهلي أو أي نادٍ مصري آخر، ونحن نسيج واحد ولن يستطيع أحد التفرقة بين المصريين".
ويطالب طعيمة الإعلام بعدم التطرق إلى فكرة اضطهاد الأقباط كروياً وبغض الطرف عن الأكاديميات التي ترفع شعار "للأقباط فقط"، لأن ذلك يرسل صورة مشوهة عن مصر للعالم، مفادها: "نحن مضطهدون، الحقونا"، ويستطرد: "ليتقدم المسيحيون إلى الاختبارات، هم مبيجوش".
Je suis
Je suis هو الاسم الذي أطلقه مينا بنداري على أكاديميته. ويعتبر أن رسالته من خلالها هي مساعدة الأطفال المسيحيين من سن 7 إلى 20 عاماً على تنمية مهاراتهم الكروية.
تضم الأكاديمية في مقرها الرئيسي في مدينة الإسكندرية أكثر من 60 متدرباً، معظمهم رُفضوا من أندية كبرى، على حد قول مينا. كما أنشأ عدداً آخر من الفروع في مدن دمنهور والمحلة والمنصورة، ومن المنتظر أن يطلق فروعاً في محافظات أخرى. وينفي بنداري أن يكون هدف الأكاديمية استثمارياً، ويقول إنه لا يتلقى أية أموال من المتدربين سوى 100 جنيه فقط شهرياً. ويرى النائب القبطي عماد جاد أن فكرة الأكاديمية قد تكون حلاً لمشكلة التمييز الكروي ضد الأقباط في مصر، "فالأقباط في كل تفاصيل حياتهم يعاملون بشك وريبة، وتعتبرهم الدولة ملفاً أمنياً يجب التعامل معه بحذر، ولذا هجروا كل ما يخضع لسيطرة الدولة، واتجهوا للأعمال الخاصة في كل النواحي، ومن ضمنها تلك الأكاديمية". ويضيف جاد: "وجود مثل هذه الأكاديميات هو خطوة جيدة على الطريق الصحيح وصرخة من الشباب القبطي للتخلص من العقلية التمييزية ضدهم في الأندية الرياضية".
استبعاد أم ضعف موهبة؟
"الأقباط والرياضة جون في ملعب التعصب" هو عنوان كتاب للناقد الرياضي نور قلدس رئيس القسم الرياضي في جريدة وطني، قال فيه إن اضطهاد الأقباط كروياً يرقى إلى حد "الظاهرة" التي لا يجب غض الطرف عنها. وقال قلدس لرصيف22 إن "ضعف مشاركة الأقباط كروياً يمثل ظاهرة عامة، ويكفي أن أدلل عليها بأن عدد اللاعبين الأقباط المشاركين في أندية الدوري الممتاز خلال السنوات العشرين الأخيرة لم يتخطَّ أصابع اليدين، وبالتالي نحن أمام عاملين: الأول هو وجود فرز ديني للأقباط يمنعهم من الوصول إلى التصفيات النهائية في أية اختبارات كروية؛ والعامل الآخر هو سلبية المواطنين المسيحيين حيال الانخراط في هذا المجال وحيال تشجيع أبنائهم على الذهاب إلى الأندية، وهو ناتج عن حالة الإحباط التي تصيبهم نتيجة لهذا الفرز". ويضيف قلدس: "هم يكتفون بالأنشطة التي تقدمها الكنيسة، ما يؤدي إلى زيادة حالة الانعزال، أو الانضمام إلى أندية الفايف ستارز التي يكلف الانضمام إليها مبالغ طائلة قد لا يتحملها البعض".مهرجان الكرازة المرقسية، النشاط الرياضى لأبراشية المنصورة وتوابعها
ويستنكر الناقد الرياضي ياسر أيوب فكرة انعزال الأقباط كروياً في ما يُعرف بدوري الكنائس أو دوري الكرازة، ويقول لرصيف22: "يفضلون التقوقع داخل الكنيسة نتيجة عوامل سياسية كثيرة خلال الـ50 عاماً الأخيرة، ويضمنون لأنفسهم السلامة بهذا التقوقع". وينتقد أيوب مَن يقول إن الأقباط غير موهوبين كروياً، ولذلك لا وجود لهم داخل الأندية، ويتساءل: "من ضمن 10 آلاف لاعب مسيحي يلعبون في دوري الكنائس، ألا يوجد 10 فقط موهوبين؟". و"مهرجان الكرازة" أو دوري الكنائس هو أحد الأنشطة الرياضية التي تنظمها الكنيسة منذ عام 2002 على مستوى مصر، ويشارك فيه أكثر من 10 آلاف لاعب، وتجري فعالياته بين شهري يوليو وسبتمبر، على مرحلتين. وتجري التصفيات الأولية على الملاعب الداخلية للكنائس في جميع المحافظات، أما التصفيات النهائية فتجري في ملاعب الكاتدرائية بالعباسية، ويتسلم الفريق الفائز الكأس من البابا شخصياً. ويتم تنظيم دورات رياضية مشابهة على مدار العام تنفيساً عن الشباب بدعم من جمعية الشبان المسيحيين بمصر، حسبما أوضح عضو مجلس إدارة الجمعية بيتر ميشيل.
تمييز ولكن ليس ظاهرة
من جانبه، يرى هاني رمزي، كابتن منتخب مصر والنادي الأهلي السابق، وهو مسيحي، أن بعض الأسر المسيحية هي التي ترفض أن يتقدم أبناؤها إلى اختبارات الأندية، لأن لديها قناعة تامة بأنهم لن يُقبلوا بسبب ديانتهم و"ذلك ناتج عن بعض الأحداث الفردية من بعض المدربين في السنوات الـ10 الأخيرة إذ يرفض هؤلاء إدراج اللاعبين المسيحين، وبالتالي قلّ عددهم داخل الأندية المصرية". ويقول رمزي لرصيف22: "لا أنكر تماماً فكرة وجود تمييز كروي ضد الأقباط في مصر لكن ما يحدث هو استثناء وليس قاعدة عامة. فبعد 25 يناير، بدأ البعض يلعب على وتر وجود اضطهاد للمسيحيين، في نواحٍ عدة وليس في كرة القدم فحسب لخلق نوع من الفتنة". ويشير رمزي إلى أن وجود أكاديمية لكرة القدم تحمل شعار "للمسيحيين فقط"، ربما يكون ناتجاً عن كل تلك الأحداث، ويطالب الأسر المسيحية بألا تتقوقع أو تنسحب بل أن تحث أبناءها على التقدم لاختبارات الأندية "مراراً وتكراراً وعدم اليأس من المحاولة".ما الحل؟
يشير الدكتور منير محمد مجاهد، رئيس الجمعية المصرية ضد التمييز الديني، إلى عدد من التوصيات لحل الأزمة وهي "تشكيل لجان داخل الأندية لمواجهة أي تمييز يقع بسبب الدين، وتوقيع عقاب على المدربين الذين يمارسون العنصرية، خاصة في قطاعات الناشئين في الأندية المختلفة". ويقترح مجاهد تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي، لمدة عشر سنوات مثلاً، وذلك بإجبار كل نادٍ على ضم عدد معين من الأقباط، ويقول: "لن يكون هناك بديل للمدربين سوى البحث عن المواهب المتميزة، كما سيساهم هذا الحضور في كسر حاجز الجهل بالآخر وحساسية التعامل معه والاحتكاك به".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...