يُعتبر المفكر الإسلامي السوداني محمود محمد طه من أكثر المفكرين الإسلاميين العرب إثارة للجدل بسبب الأفكار التي وضعها ودعا المسلمين إلى اعتناقها، وخاصة في السودان، ما كان سبباً في إعدامه في 18 يناير 1985.
فقد أعدم طه بعد صدور حكم قضائي بردته عن الإسلام ورفضه كل المحاولات التي جرت معه لثنيه عن تلك الأفكار التي رآها القضاء السوداني منافية للدين الإسلامي ولا تمت له بأية صلة بل تسيء إليه.
مولده ونشأته
ولد طه في مدينة رفاعة، وسط السودان، عام 1909، وهو من أبناء قبيلة الركابية، وبالتحديد من فرع الركابية البليلاب المنتسبين إلى الشيخ المتصوف حسن ود بليل، أحد كبار متصوفة السودان.التحق طه بكلية غردون التذكارية السودانية ودرس هندسة المساحة عام 1932، ولما تخرج منها عمل مهندساً في السكة الحديدية، عام 1936.
ظهر اهتمامه بالشؤون الإسلامية عام 1945 عندما قرر مع عدد من أصحابه تأسيس الحزب الجمهوري السوداني، في 26 أكتوبر، وهو من أوائل الأحزاب السودانية التي نادت باستقلال السودان وتحوّله إلى دولة جمهورية.
أفكاره
لم يكن الحزب الجمهوري حزباً سياسياً فحسب، بل كان أشبه بالجماعة التي يتجمع فيها تلامذة محمود طه والمؤمنون بأفكاره التي كانوا يرونها ثورة في الفكر الإسلامي، وأطلقوا عليها اسم "الفكرة الجمهورية".واعتبرها "الجمهورون" رؤية مختلفة تماماً للدين الإسلامي. أما خارج جماعتهم، فقد رأى البعض أنها تمثل تجديداً حقيقياً في الدين الإسلامي، فيما اعتبر آخرون أنها تشويه متعمد للإسلام، ومحاولة للتغيير فيه وفقاً لآراء طه ومعتقداته الشخصية.
الملمح الرئيسي لـ"الفكرة الجمهورية" أو بمعنى أدق لكل الأفكار التي نادى بها محمود محمد طه هو تقسيمه للدين الإسلامي إلى قسمين: القسم الأول أسماه بالإسلام المكي وتمثله السور المكية في القرآن الكريم وعددها 86 سورة نزلت على الرسول محمد بين عامي 610 و622، والقسم الثاني أسماه إسلام المدينة وتمثله السور المدنية في القرآن وعددها 28 سورة نزلت على الرسول بين عامي 622 و632.
ويؤمن طه بأن الإسلام الحقيقي هو الإسلام المكي الذي يعتبر أصل الدين والمليء بآيات الرحمة والتسامح وهو الرسالة الأولى للإسلام، في حين أن الإسلام المدني أو إسلام المدينة هو فرع في الدين نزل على الرسول ليحكم من خلاله في الزمن الذي كان يعيش فيه، وانتهى هذا الإسلام بانتهاء عصر الرسول وانتهت معه آيات الجهاد والسبي والميراث والتمييز بين الرجل والمرأة والحدود.
محمود محمد طه نادى بالمساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، ونهى عن الزكاة والجهاد. وأكد أن الصلاة وقتية وليست دائمة للأبد
لا يعلم كثيرون عن المفكر الإسلامي السوداني محمد محمود طه الذي تحالفت كل المؤسسات الإسلامية على طمس تاريخه الفكريعلى الأساس السابق، بنى محمود محمد طه كل أفكاره التي تعتمد في أساسها على ضرورة العودة إلى الإسلام المكي باعتباره الأصل في الإسلام، وتجاهل الإسلام المدني الذي لا يصلح للعصر الحالي مطلقاً. وفي ضوء هذا الفهم كان للمفكر السوداني البارز العديد من الأفكار غير التقليدية التي وصفها البعض بالشذوذ عن الدين، وكانت سبباً في الحكم بردته أي خروجه عن الإسلام وهي التهمة التي أعدم بسببها.
بطلان الجهاد
من أهم الأفكار التي طرحها محمود طه، والمدونة في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام"، بطلان آيات الجهاد في القرآن، إذ أكد أن تلك الآيات جزء من الإسلام المدني أو بمعنى أدق الإسلام المؤقت الذي انتهى بنهاية عصر الرسول والصحابة، بعد انتهائهم من نشر الإسلام من خلال الفتوحات الإسلامية.وعلى أساس هذه الفكرة، دعا "طه" عام 1967 إلى وقف الحرب مع إسرائيل والدخول في مفاوضات معها على عكس كل المفكرين الإسلاميين والمشايخ وقتها الذين باركوا هذه الحرب واعتبروها تجسيداً لأسمى معاني الجهاد الإسلامي، وهي فكرة نفّرت عرب كثيرون منه.
ومن أفكاره المثيرة للجدل رؤيته للصلاة في الإسلام. وشرح هذه الفكرة في كتاب له صدر عام 1966 بعنوان "رسالة الصلاة" أكد فيه على أن الصلاة للمسلمين ليست دائمة بل مؤقتة بحيث يصلي المسلم لفترة ما حتى يرتقي من مرحلة الإسلام فقط إلى مرحلة الإيمان ووقتذاك تسقط من على كاهله هذه الفريضة الحركية وتتحول إلى ما أطلق عليه صلاة الأصالة، وهي نوع من أنواع المناجاة القلبية والفكرية مع الله فقط دون التزام بالصلوات الخمس التي أقرتها الشريعة الإسلامية.
في السياق نفسه، رأى محمود محمد طه أن لا زكاة في الإسلام على الرغم من الحروب الطويلة التي خاضها المسلمون عقب وفاة الرسول، بعد رفض العديد من القبائل الاستمرار في دفع الزكاة. وأكد أن الزكاة انتهت بوفاة الرسول، وأصبحت الزكاة التي يخرجها المسلم أمراً غير إلزامي وغير محدد بمقادير، بحيث يدفع الشخص ما يفيض عن حاجته إن أراد ذلك ودون إجبار.
وبسبب الأفكار الثلاث الماضية حُكم على محمود محمد طه بالردة عام 1968 من قبل محكمة الاستئناف العليا الشرعية السودانية، وكان الحكم غيابياً في ظل رفض طه المثول أمام المحكمة لعدم اختصاصها، الأمر الذي كان سبباً في إلغاء هذا الحكم عليه.
المرأة في الإسلام
برغم التضييقات التي تعرض لها محمود محمد طه، لم يتوقف عن التفكير وإطلاق الآراء والأفكار. ومن أهم هذه الأفكار تلك التي تتعلق بالمرأة في الإسلام وحقوقها، ومن ضمنها تأكيده على أن الرجل والمرأة متساويان في الميراث وفي الشهادة ولا صحة للقول إن للذكر ضعف حظ الأنثى كما جاء في القرآن.وأكد على أن تلك الآية كانت ضمن الإسلام المدني الذي انتهى بوفاة الرسول، وكانت جزءاً من تدرج إسلامي لإعطاء المرأة حقوقها، لأنها كانت في تلك الفترة تدفن حية وليس لها ميراث بل تورث مع الأموال والعقارات. فبدأ الإسلام في تعديل أوضاعها بجعل ميراثها نصف ما يرثه الرجل.
ونشر طه هذا الرأي كاملاً في كتاب له عنوانه "تطوير شريعة الأحوال الشخصية"، وتم تطبيق هذا الرأي مؤخراً في تونس وأثار جدلاً كبيراً.
لا حجاب للمرأة
ومن الكتب الصادرة باسم "الإخوان الجمهوريون" المتحلقين حول طه، كتاب عن حقوق المرأة في الإسلام يؤكدون فيه أن لا حجاب في الإسلام، وهو كتاب صدر عام 1975 بعنوان "الزي عنوان عقل المرأة وخلقها".أكد الكتاب أن هناك ملامح للزي الإسلامي للمرأة وهو أن يكون محتشماً ويصل إلى أسفل الركبة وفضفاضاً غير شفاف، محذراً المرأة من وضع مساحيق التجميل وارتداء الكعب العالي كونهما يظهرانها على غير طبيعتها التي خلقها الله عليها.
رأى طه و"الجمهوريون" أيضاً أن الأصل في الزواج هو الديمومة مشددين على أن الطلاق بين الرجل والمرأة حرام شرعاً، كما رأوا أن تعدد الزوجات حرام ولا يكون إلا في حالة مرض الزوجة بمرض عضال لا شفاء منه أو عدم إنجابها، على ألا يتم إلا بموافقتها ويبطل إذا كان من دون علمها.
المثقف المشاكس
تخاصم "الإخوان الجمهوريون" مع جماعة الإخوان المسلمين ودخلوا في سجالات حادة معها ومع أفكارها التي روجها مؤسسها الأول حسن البنا وعلى رأسها فكرة الجهاد بهدف نشر الإسلام، ونشروا كتاباً عنها بعنوان "هؤلاء هم الإخوان المسلمون" شنوا فيه هجوماً حاداً على الجماعة، تحوّل إلى عداء كبير.ظل محمود محمد طه معادياً للأنظمة الحاكمة في السودان وقُبض عليه أكثر من مرة بداية من عام 1945 بسبب تنظيمه تظاهرة ضد الاحتلال البريطاني للإفراج عن إحدى الدايات السودانيات التي تم القبض عليها بسبب عملية ختان قامت بها، مروراً بالقبض عليه عام 1976 بسبب كتاب هاجم فيه السعودية لهجومها على التصوف بعنوان "اسمهم الوهابية وليس اسمهم أنصار السنة".
وكانت المرة قبل الأخيرة عام 1983 عندما أطلق نظام الحكم السوداني بقيادة جعفر النميري قوانين جديدة أسماها بقوانين الشريعة الإسلامية يعلن فيها تطبيق الحدود الإسلامية، وفرض الجزية على المسيحيين. رفض طه هذه القوانين وأصدر بياناً بعنوان "هذا أو الطوفان" حذّر فيه من تطبيق الشريعة الإسلامية كتطبيق الحدود، والتي منها قطع يد السارق، كما رفض دفع المسيحيين للجزية معتبراً تلك القوانين كارثية ولا تمت إلى الإسلام بأية صلة.يؤمن طه بأن الإسلام الحقيقي هو الإسلام المكي الذي يعتبر أصل الدين والمليء بآيات الرحمة والتسامح، في حين أن الإسلام المدني هو فرع في الدين نزل على الرسول ليحكم من خلاله في الزمن الذي كان يعيش فيه.
قُبض على طه وأفرج عنه عام 1984، وبعد ذلك بعام قُبض عليه مرة أخرى ثم صدر بحقه حكم بالردة عن الإسلام ما استلزم إعدامه شنقاً وهو ما تم يوم 18 يناير عام 1985، أي بعد القبض عليه بـ13 يوماً.
وصدر قرار بعد إعدامه بالحصول على كل أمواله، وحرق كتبه، ومنع الصلاة عليه، وعدم دفنه في مقابر المسلمين. والمفاجأة أنه بعد عام تقريباً، وبالتحديد في فبراير عام 1986، صدر حكم من القضاء السوداني يلغي حكم إعدام محمود محمد طه.
اختلاف حول تقييم طه
لا يعلم كثيرون عن هذا المفكر الإسلامي السوداني الذي تم طمس تاريخه الفكري طوال السنوات الماضية، لهذا قرر الكاتب والباحث الفلسطيني سامي الذيب كتابة كتاب عنه بعنوان "محمود محمد طه بين القرآن المكي والقرآن المدني".وأكد الذيب لرصيف22 أن طه أكبر مصلح عرفه العالم الإسلامي، ولولا التضييق عليه لنجح في تقديم نسخة معاصرة للإسلام تتفق مع المواثيق والمعاهدات الحقوقية الدولية، بعيداً عن النسخة الحالية التي كانت سبباً في انتشار العنف والإرهاب اللذين ضربا العالم.
وأوضح الذيب أنه تحدث في كتابه الجديد عن تاريخ هذا الرجل وتراثه الفكري من الألف إلى الياء، كما أشار إلى المتسببين بمقتله وإلى محاولة إخفاء تراثه التي تحالف فيها الأزهر ورابطة العالم الإسلامي السعودية وجماعة الإخوان المسلمين.
وأشاد الباحث الفلسطيني بأفكار المفكر السوداني وخاصة بأفكاره عن المرأة واعتبر أنه المفكر الإسلامي الوحيد الذي أعطى المرأة المسلمة حقوقها بعيداً عن الآراء التي تنتقص من قدرها، وتعتبرها ناقصة عقل ودين ولا تساوي الرجل في أي شيء.
في حين رأى عمرو عبد المنعم، الباحث في التاريخ الإسلامي والفتوى، أن طه كان يدعو إلى دين جديد بعيد كل البعد عن الدين الإسلامي، وأكد أن الدين ليس فيه أصول وفروع، والقرآن ليس فيه ما هو صالح وما هو فاسد بل كله صالح لكل زمان ومكان وفقاً لما جاء في القرآن نفسه وفي السنة النبوية.
وأوضح عبد المنعم لرصيف22 أن المفكر السوداني عبث في الدين الإسلامي، فأحلّ ما لم يحله الله مثل ترك الصلاة والزكاة، وحرم ما لم يحرمه الله مثل تعدد الزوجات والطلاق لهذا كان الحكم عليه بالردة عن الإسلام قراراً أجمع عليه الجميع، ومنهم الأزهر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...