منذ أن تركنا المدارس ومن بعدها الجامعات، لم نعد تقريباً نستخدم أيدينا في الكتابة، فكل ما يتعلق بالعمل نقوم به عبر أجهزة الحاسوب والبريد الإلكتروني، حتى مذكراتنا أصبحنا نكتبها عبر تطبيقات تتيحها لنا مجاناً أجهزة الهواتف الذكية. فحين نقرر أن نبعث برسالة حب إلى شخص ما، نفعل ذلك عبر خدمة الرسائل في هواتفنا، أو عبر البريد الإلكتروني، لم نعد نشتري أوراقاً لنكتب عليها بخط أيدينا الفوضوي. لكن، هل يمكن أن نعود إلى ما كنا نفعله في الماضي إذا علمنا فوائد الكتابة على الورق؟
أصبح عندي اليوم مفكرة
"كنت أعيش تحت ضغط شديد وشعور بأن حياتي ليست منظمة، حتى أهداني صديق مقرب مفكرة مصنوعة خصوصاً للتخطيط للأهداف وجعل الحياة منظمة أكثر، والحقيقة أن هذه المفكرة جعلت حياتي أجمل"، بسعادة واضحة يقول أحمد لرصيف22. المفكرة التي يتحدث عنها الشاب المصري، تحمل اسم The Notebook Coach، وتباع في غالبية مكتبات القاهرة، وهي عبارة عن صفحات مخططة بأسلوب يتيح لكم أن تكتبوا فيها أهدافكم، أحلامكم، وحتى همومكم. بحسب أحمد، فإن المفكرة ساعدته في تنظيم يومه، وجعلته يتحكم أكثر في نفقاته، ويتغلب على بعض العادات السيئة في حياته، "حين أكتب ما في داخلي على الورق تصبح الأمور أفضل بكثير"، وفق تعبير الشاب. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى كثر من الناس، فقد قلت كثيراً مبيعات المفكرات في الأسواق العربية والعالمية، لمصلحة تطبيقات مجانية تقوم بالفكرة نفسها في الهواتف الذكية، لكن عشاق المفكرات، على الرغم من قلة عددهم، يرون في الكتابة باليد متعة كبيرة. هناك أشخاص لا يزالون يفضلون الكتابة في المفكرات، ويفعلون ذلك لاستدعاء شعور الحنين إلى حيواتهم، وآخرون يفعلون ذلك بحكم العادة. هناك أيضاً من يحبون المفكرات بسبب كرههم التكنولوجيا الحديثة، لشعورهم بأنها في هذه الأمور، تحديداً، جامدة وخالية من المشاعر. واحدة من هؤلاء هي هبة أشرف التي اشترت مفكرة تصدرها إحدى الشركات، وتحمل اسم مفكرة، وهي تقوم بفكرة التخطيط نفسها للحياة، تقول أشرف أنها تضع تلك المفكرة دائماً في حقيبتها وتسجل فيها مواعديها، نفقاتها، الأمور التي تحدث معها، وحتى الأفكار التي كانت تتخوف منها. "بيّنت لي المفكرة مثلاً أن شراء الطعام من السوق يلتهم جزءاً كبيراً جداً من راتبي، وحين لاحظت ذلك قررت أن أطهو طعامي في المنزل، وآخذه معي إلى عملي. في المقابل، قمت بعمل شهادة ادخارية مع إحدى شركات التأمين"، تقول الفتاة لرصيف22.لم يعد الناس يشترون المفكرات كما كانوا يفعلون في الماضي
في الشهر الأخير من كل عام، وحتى نهاية الشهر الأول من العام الجديد، يرصّ "الحاج أحمد" بائع صحف ومجلات قرب محطة مترو أنفاق ثكنات المعادي مباشرة (القاهرة)، مجموعة من الأجندات الملونة بجانب الصحف والمجلات. ينتشر بيع المفكرات في مصر في المكتبات ولدى باعة الصحف أيضاً. يقول الحاج أحمد أن الناس كانوا يهتمون بشراء المفكرات في الماضي بشكل أكثر. وكان منذ بداية كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، يعرض أشكالاً وألواناً مختلفة منها، لكن بحسب الرجل الذي تخطّى الستين، فإن الأمور تغيرت كثيراً في السنوات الأخيرة. أصبح الرجل يكتفى بعرض عدد قليل من تلك المفكرات، وسط الإصدارات المطبوعة التي يبيعها، فعلى الرغم من كل شيء لا زال هناك أشخاص يحبون أن يشتروها، لكن للأسف عددهم قليل، "أصبح من يشترون تلك المفكرات كمَن يشترون مني الصحف والمجلات تماماً، أعدادهم قليلة لا تقارن أبداً بالتي كانت في الماضي". يؤمن الرجل بأن المفكرات كالصحف والمجلات، قلت نسب مبيعاتها منذ انتشار المواقع الإلكترونية والهواتف الحديثة.فوائد الكتابة بخط اليد
لكن العلم يخبرنا بأن هناك فوائد عدة للكتابة بخط اليد، فبحسب دراسة علمية أجريت على أطفال لم يتعلموا القراءة، أظهرت أنهم حين كتبوا الأحرف أثناء التعلم بأيديهم، ساعدهم ذلك في تنشيط الخلايا العصبية في المخ، وهو ما لم يحدث لهم حين كتبوا في الأجهزة الإلكترونية. خلصت الدراسة إلى أن اهتمامنا بالتكنولوجيا، يجب ألّا يجعلنا نتجاهل الكتابة اليدوية لمصلحة الكتابة على اللوحات الإلكترونية، لأن الأولى تنشط عقولنا وتسهل اكتساب مهارة القراءة لدى الأطفال الصغار. وأجرت دراسة أخرى عام 2014، مقارنة بين طلاب جامعة كتبوا ملاحظات في مفكرات بخط اليد، وآخرين قاموا بالأمر نفسه، ولكن من طريق الحاسوب، وخلُصت إلى أن الكتابة بخط اليد تساعد بشكل أفضل في اكتساب معلومات جديدة، وتزيد من فرص الاستيعاب، وتجعل الطلاب يتذكرون ما كتبوه بشكل أفضل من الكتابة في الحاسوب. دراسة علمية أخرى أكدت أن من يكتبون باليد يفكرون أسرع من الذين يكتبون في الحاسوب أو الهاتف.الكتابة باليد علاج
لو تركنا الدراسات العلمية جانباً، فسنجد أن هناك شخصاً لا يتوقف عن تشجيع الناس على الكتابة بأيديهم، وهو الدكتور والباحث مارك سيفر الذي يعمل خبيراً في علم الكتابة اليدوية. يقول سيفر أن الكتابة باليد تهدئ الأعصاب، وتعد نوعاً من أنواع العلاج النفسي، فهو يقول في أبحاثه أننا حين نكتب جملة مثل "أنا على ما يرام" أكثر من مرة في مفكرة نمتلكها، فإن الأمر سيجعلنا أكثر راحة، وسيحسن أمزجتنا ونفسياتنا، وينصحكم جميعاً بأن تمتلكوا مفكرة، وتستخدموا أيديكم في الكتابة.وأخيراً...
وجود مفكرة معكم ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل هو محاولة جادة لإعادة اكتشاف أنفسكم من جديد من ناحية، وهو أمر مفيد لصحتكم العقلية والنفسية من ناحية أخرى.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...