شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا نشبّه أوطاننا بالأمّهات ونلبسها الطرحة؟

لماذا نشبّه أوطاننا بالأمّهات ونلبسها الطرحة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 9 يناير 201802:32 م
نتفق على حب الوطن ونختلف على تحديد ماهيته. ما هو الوطن؟ هل هو الأم المسكينة التي ترتدي طرحة وعباءة كما رسمه البعض؟ ومن أين جاء تصور الوطن-الأم الذي نحبه بدون حساب، وبمعزل عما تقدّمه السلطة لنا من خدمات صارت ترسم شكل العلاقة بين المواطن والدولة في المجتمعات الحديثة؟ يقول الكاتب المصري خالد البري لرصيف22 إن "الأرض مرتبطة بالأمومة منذ أقدم تصورات الإنسان عن خلق الكون". ويوضح صاحب رواية "الدنيا أجمل من الجنة" أنه في الأساطير الإغريقية، نشأت حياتنا الأرضية من أمنا الأرض غايا التي ولدت السماء أورانوس ثم صار يلقحها بالمطر فتنبت الزرع. "الكاريكاتير الذي يُظهر مصر بصورة الفلاحة التي يزف إليها حاكمها الجديد، والشعر الذي يسمّيها بهية وبطرحة وجلابية، تصورات تعود بمصر في وعي الناس إلى صورة المرأة الريفية التي يتحكم زوجها، صاحب العصمة، في جميع أمورها"، يعلّق صاحب رواية رقصة شرقية، مضيفاً أن "الخلل ليس في أمومة الوطن. الخلل في تخيلنا الريفي القديم عن الأم". ويضيف الروائي أحمد الفخراني: "مصر هي أمي. عندما جاءت تلك الفكرة إلى المثقف النبيل، والشاعر النابغة، والنحات الموهوب، قال لنفسه: ليست فكرة سيئة، بل عبقرية تماماً، أن نجعل الوطن أماً، له أثداء متدلية من أثر العطاء، أم خالقة، تهب الحياة والرعاية، عطاؤها ممتد وبلا مطالب". ويؤكد صاحب رواية "عائلة جادو" لرصيف22 أن الفكرة تم استخلاصها من الثقافات السحيقة والحضارات القديمة، مشيراً إلى أن التكرار اللانهائي لهذا المفهوم حوّله إلى التفاهة، ثم مع مرور الوقت اعترف الجميع بأن هذه الأم ملت من العطاء، وأدت ما عليها وحان الوقت لتأخذ لا لتهب. وترى الشاعرة أميرة الأدهم أن تصور الشعوب لبلدانها على أنها امرأة فلاحة مغلوبة على أمرها هو احتفاء بالانكسار والقمع بخلاف ما يحدث في العالم من احتفاء بالقوة والحرية. وتستطرد كاتبة ديوان "فقدت عذريتها على مهل" وتقول أن تصوّر "المرأة الغلبانة التي تهدهد هزيمة الوطن كثيراً ما يتوازي مع المزيد من الإساءة لذلك النموذج".
هل الوطن أمّ، أو أن تصوّر الشعوب لبلدانها على أنها امرأة فلاحة مغلوبة على أمرها هو احتفاء بالانكسار والقمع، بخلاف ما يحدث في العالم من احتفاء بالقوة والحرية؟
هل يحبني وطني مثلما أحبه؟ ما هي دلائل حبه؟ هل يوفّر لي ما أحتاجه وما أستحقه؟ هل يسود فيه العدل والمساواة؟ وطني ليس أمي ولا أم الدنيا

الوطن أمل وأشياء نعشقها

يقول الكاتب عمرو العادلي لرصيف22 إن "الوطن بالنسبة إلي شيء غير مادي على الإطلاق، هو حالة لا يمكن أن أعيشها إلا بداخل الوطن". ويضرب مؤلف "الزيارة" مثالاً: هل يمكن أن أسمع أم كلثوم في مول بدبي برفقة أصدقائي؟ هل في هذه الحالة تكون بلدي معي؟ بالطبع لا. ويؤكد أن علينا الفصل بين ما يحدث للوطن من مغامرات سياسية ضيّقت الخناق على رقاب الجميع وبين الوطن الذي كان أمّ جد المواطن، وأصبح أم أبيه، ثم صار أمه بالتبعية. أما الشاعرة رنا التونسي فتقول لرصيف22 إن الوطن بالنسبة إليها تجاوز الصور الموجودة بالكتب، وإنها تحلم بوطن مكتوب على بابه كن مع الثورة، وبداخله ناس كثيرة متعبة تحاول جاهدة أن تكون أفضل. "وطني هو وطن الأمل، وطن فيه إناس ضحوا بحياتهم وخاطروا من أجلنا، إنه وطن شيماء الصباغ وبلال ومحمود الحسيني وعماد عفت ومينا دانيال، وكل معتقل في سبيل وطن جميل كالحلم" تقول مؤلفة ديوان "عندما لا أكون في الهواء". ويمتلك القاص عمر سليم رؤية مختلفة ويؤمن بأن الوطن هو الأشياء التي نحبها كما هي، "ربما الناس المحيطة بنا والذين نعشقهم، ربما الكتابة، ربما الفتاة التي أطمح للحياة معها".

الإنجيل وخصوصية الصعيد

"اسم مصر يرتبط في ذهني بآيات الكتاب المقدس (مبارك شعبي مصر) و(من مصر دعوت ابني). مصر هي المأوى وأرض الأهل والأصحاب والذكريات لكل المصريين" يقول كيرلوس عبد الملاك. ويشير صاحب كتاب "الخروج من البئر" إلى أن الوطن بالنسبة إليه يتضمن ثلاث حالات: الحالة الأولى، هي الوطن بمعناه العام؛ والحالة الثانية هي إدارة الدولة التي تتمثل في مؤسساتها الحكومية وقياداتها؛ والحالة الثالثة تخص الشعب وما يعيشه. يفسر كيرلوس كل حالة قائلاً: "الحالة الأولى أراها بعين الحضارة العريقة والأمل في مستقبل أفضل، والحالة الثانية أنظر إليها بعين الأسف والحزن لما يحدث في الواقع من فشل، والحالة الثالثة أعيشها بحسرة. ورغم ذلك لا أزال مؤمناً بأن شباب مصر المثقفين والمستثمرين هم الأمل في التغيير نحو الأفضل مهما طالت سنوات الفشل والسوء".

نتفق على حب الوطن ونختلف على تحديد ماهيته. ما هو الوطن؟ هل هو الأم المسكينة التي ترتدي طرحة وعباءة كما رسمه البعض؟ ومن أين جاء تصور الوطن-الأم الذي نحبه بدون حساب؟

ويقول الروائي والصحافي روبير فارس لرصيف22: "مصر بالنسبة لي هي صعيد مصر، لقد تربينا على أن مصر هي العاصمة، القاهرة، وهذا الأمر أكذوبة كبرى، ففي الصعيد تجد مصر الحقيقية". ويدلل مؤلف كتاب "جومر" على صحة اعتقاده بأن الصعيد لا يزال يحتفظ بنفحات حضارية من آثار فرعونية، كما أنه المكان الوحيد بمصر الذي حافظ على أصالته من حيث العادات والتقاليد، والمواقيت المرتبطة بالزراعة والحصاد، والأمثال الشعبية والحكايات التراثية". ويؤكد أن "الصعيدي حينما يجلس على كرسي العرش كثيراً ما يُحدث تغييرات عظيمة في التاريخ، ويترك بصمات غائرة لا تُمحى بسهولة على كل المستويات السلبية والإيجابية. ولنتذكر أخناتون وجمال عبد الناصر والبابا شنودة". ويتساءل صاحب مجموعة "جلابية ستان": هل يحبني وطني مثلما أحبه؟ ما هي دلائل حبه؟ هل يميّز بيني وبين أي مواطن آخر بسبب ديني؟ هل يوفّر لي ما أحتاجه وما أستحقه؟ هل يسود فيه العدل والمساواة؟ ويجيب: أنا أكافح لتحقيق ذلك، هذا واجبي تجاه وطني.

عند الأزمات يظهر الحب الحقيقي

"الذين يتركون الوطن من أجل لقمة العيش. الذين زُجّ بهم في السجون قسراً، هؤلاء تظل أرواحهم تتوق إلى تراب الوطن، يحلمون بالعودة، وحين يعودون يقبّلون ترابه، فلمَ؟" يتساءل الكاتب إبراهيم عبد المجيد. ويجيب صاحب "عتبات البهجة" بأن هؤلاء يفصلون بين مَن كانوا سبب منفاهم وبين الوطن الذي تركوه قسراً أو ضحّوا من أجله. ويوضح عبد المجيد أن "الأزمات تظهر الحب المكنون، حين يشعر المواطن أن وطنه في خطر حقيقي لن يتورع في التضحية بحياته من أجل استرداد هذا الوطن، ولعل ثورة يناير أبرز نموذج عن ذلك". ويقدم لنا صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية" رؤية شاملة لتاريخ الوطن، ويشير إلى أن مصر كانت منذ القدم مختطفة من أهلها قامعة لهم بحكم الاحتلال الذي استمر عبر تاريخها الطويل، ربما منذ احتلال الفرس حتى اليوم. ولكن، ماذا حدث في النهاية؟ ذهب الجميع وبقي الوطن. ويضيف: "في عهد الخديوي إسماعيل عادت مصر من جديد، متعافية وخلاقة ومبدعة، تحترم الفن والأدب وتعمل على المواطنة وتتقبل الجميع باختلاف جنسياتهم وبلدانهم ومعتقداتهم الدينية، كانت مصر أم الدنيا فعلاً رغم الاحتلال البريطاني. فكل المضطهدين من العالم لجأوا إليها في عصرها الذهبي، لماذا هو عصرها الذهبي؟ لأن المبدع تفرغ لإبداعاته بجانب تحفيز حقيقي للدولة ودعم فعلي منها، هكذا تكون النهضة الحقيقية". ويشير عبد المجيد إلى أنه في عام 1952 تغيّر الأمر بدعوى القومية العربية، فخرج الأجانب، وحتى العرب من رجال أعمال، لأن السياسة الاقتصادية كانت تقوم على التمصير ثم التأميم وهما من بين دعوات طيبة، لكن رافقتهما ديكتاتورية ضيّقت على الجميع، و"حوّلت الوطن من مصر التي تتسع للجميع إلى مصر التي لا تعترف بغير كل ما هو قومي وعربي فحسب، وربما ذلك أدى إلى الانشقاق الأول في الهوية المصرية وأفقدها تفردها وتميزها". ويستطرد إبراهيم: "رغم ذلك لم يعرف المصريون الخروج الكبير إلا في السبعينيات حين بدأت دعوة أخرى هي إسلامية الدولة التي تبناها الرئيس الراحل أنور السادات، لتتحول مصر من منارة للعالم إلى بلد عربي يسعي إلى الريادة ثم ينتهي به الحال إلى دولة لا تعترف بغير المسلمين وتعاني من الشمولية والديكتاتورية، شمولية الدين الذي يقبع المختلف وديكتاتورية الحاكم المستبد". وبرأي عبد المجيد، "كي يتحقق الوطن لا بد من حرية وعدالة اجتماعية، لكن هذا الحلم سيظل هو سر حب الوطن. أعني أن الأمل في تحقيقه هو سر حب الوطن. وسيظل المصريون لا يفقدون الأمل وإن طال بهم الصمت".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image